منوعات علمية > منوعات

أثر الفراشة!

أثر الفراشة لايرى.. أثر الفراشة لايزول، هذه كلمات محمود درويش والتي تحمل في معناها أنَّ أحداثًا صغيرةً لها آثار بالغة الأهمية في المستقبل.

بدأ المفهوم بالإعلان عنه في مشكلات الطقس إذ أدرك إدوارد لورينز Edward Lorenz عالم رياضيات واختصاصيّ أرصاد جوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- بالتزامن مع ظهور أجهزة الكمبيوتر- رغبته في الجمع بين الرياضيات والأرصاد الجوية، إذ شرع في بناء نموذج رياضي للطقس، وهو عبارة عن مجموعة من المعادلات التفاضلية التي تمثل تغيرات في درجة الحرارة والضغط وسرعة الرياح وما إلى ذلك، وفي النهاية جرَّد لورينز الطقسَ إلى نموذج خام يحتوي على مجموعة مكونة من 12 وحدة معادلات تفاضلية.

في يوم معين في شتاء عام 1961، أراد لورينز إعادة فحص سلسلة من البيانات القادمة من نموذجه، وبدلًا من إعادة تشغيل كل نموذج، قرر توفير الوقت وإعادة تشغيل النموذج من مكان ما في الوسط، وباستخدام نسخ البيانات أدخلَ لورينز الشروطَ  في مرحلة ما بالقرب من منتصف التشغيل السابق، وأعاد تشغيل النموذج الذي يليه.

ما وجده كان غير عادي وغير متوقع؛ إذ يجب أن تكون البيانات من التشغيل الثاني مطابقةً تمامًا للبيانات من التشغيل الأول، وبينما كانا يتطابقان في البداية، بدأ الاختلاف بدرجة كبيرة، وبدأ التشغيل الثاني يفقد كل الشبه للأول في غضون بضعة أشهر، ممَّا جعل لورينز يبحث عن مصدر المشكلة وإيجاد الحلول؛ إذ أظهرت نسخاته فقط ثلاثة أرقام بينما تحتوي البيانات في ذاكرة الكمبيوتر على ستة أرقام أي الفرق هو منازل عشرية بسيطة وإهماله لها  أحدث فرقًا؛ وهذا ما دفع بلورينز إلى إدراك أن التنبؤ بالطقس على المدى الطويل محكوم عليه بالفشل. وأطلق على نموذجه البسيط الظاهرة المعروفة باسم "الاعتماد على الظروف الأولية"،  ويُشار إلى هذا النموذج أحيانًا باسم تأثير الفراشة، على سبيل المثال: إذا حرَّكت فراشة أجنحتها في أمريكا الجنوبية يمكن أن تؤثر على الطقس في سنترال بارك .

مثال آخر: يعود سبب إعصار في الصين إلى فراشة ترفرف بجناحيها في نيو مكسيكو، فقد يستغرق الأمر وقتًا طويلًا جدًا، ولكن الاتصال حقيقي! إذا لم تكن الفراشة ترفرف بجناحيها في النقطة الصحيحة في المكان/الزمان، عندما حدث الإعصار!

والمقصود من المثالين السابقين؛  أنَّ بعض الأنظمة الفعالة المعقدة تُظهِر سلوكيات غير متوقعة، إذ يمكن أن تملكَ الأحداثُ الصغيرة في الظروف الأولية آثارًا عميقةً واسعةَ التفاوت على نتائج النظام ككل، فجوهر أثر الفراشة يعني أنَّ التغيرات البسيطة في الماضي لن تكون في وضعٍ يسمح لها بتقييم النتائج الكاملة على الحاضر في ضوء تسلسل الأحداث المعقدة التي تمر بها.

لقد أثار مفهومُ أثرِ الفراشة ظاهرةً عالميةً حقيقية تتجاوزُ كثيرًا إطار الفيزياء الجوية الذي اقتُرِحَ في البداية- وهو تسليط الضوء على حقيقة أنَّ العلم ليس في وضعٍ يسمح له بالتنبؤ بكل شيء بمجرد جمع المعلومات الكافية- وهذا ساهم في ظهور نموذج علمي جديد يشار إليه اليوم باسم نموذج التعقيد.

الآن يمكننا أن نتساءل؛ هل لأحداث صغيرة لم تلاحظ من قبل أن تؤثر في حياتنا؟ وهل يمكن لتحرُّكات بسيطة أن تؤثر في مجريات العالم من حولنا؟

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا