الطب > مقالات طبية

المعالجة الجينية: تعريفها ودورها في معالجة الأجنة.

وُضع تعريف للمعالجة الجينية بأنَّها المعالجة المعتمدة على الحمض النووي، أو بأنَّها نقل الحموض النووية DNA أو RNA إلى الخلايا الجسدية الهدفية لمعالجة الأمراض الخطيرة.

تقسم المعالجة الجينية إلى المعالجة الجينية الجسدية التي يحدث فيها إدخال للجينات الجديدة إلى الخلايا الجسدية؛ ممَّا يعني أن المعالجة تؤثر في الشخص المعالج فقط وليس على الأجيال القادمة؛ أمَّا بمعالجة الخلايا الجنسية فيُعدَّل الخط الإنتاشي وتنتقل هذه التغييرات الجينية للأجيال القادمة، ومنه فهي تعتبر غير أخلاقية ولا يُسمَح بها في أي بلد في العالم.

وكان أول نقل جيني للإنسان عام  1990 تقربيًا، وحتى عام 2001 كانت الموافقة على أكثر من 400 بروتوكول سريري لهذه المعالجة، وتلقى تقريبًا 4000 مريض العلاج الجيني وأغلبهم كانوا مرضى السرطان والمرضى المصابين بفيروس العوز المناعي البشري إيجابيي الإيدز ومرضى الأمراض الوراثية، ويُعدُّ المرضى المصابين بالمشكلات القلبية الوعائية والأمراض العصبية الهدف الآتي لهذا النوع من المعالجة.

 

[1] كيف تؤثر المعالجة الجينية على عمل الخلية؟

تُعدُّ البروتينات العنصر الأساسي في عمل معظم الخلايا، وتهدف المعالجة الجينية إلى تعديل تعبير الجينات لهذه البروتينات عن طريق استبدال جين غير فعال بجين "جديد" أو نسخة إضافية فعالة عن الجين الأصلي، وكذلك إعادة إنتاج البروتين المطلوب، ويساعد ذلك جزيئة حاملة تُدعَى الناقل vector تستخدم لتحسين كفاءة النقل الجيني في المعالجة.

تُقسَّم النواقل إلى نواقل فيروسية وأخرى غير فيروسية؛ استُخدِمت النواقل غير الفيروسية في قرابة 20% من تجارب المعالجة الجينية البشرية؛ لكنها ذو كفاءة أقل من النواقل الفيروسية (في الناقل الفيروسي تُزال جينات الفيروس نفسه لخلق المساحة لإضافة جينات علاجية جديدة فيصبح الفيروس غير قادر على إحداث المرض للمضيف).

 

ماذا عن العلاج الجيني للأجنة؟

وصفت معالجة الجنين لأول مرة عام 1952، إذ ساعدت التطورات الحاصلة في هذا المجال على  معالجة عدد من الحالات، والجدير بالذكر أن الشكل الأكثر شيوعًا لمعالجة الجنين في الوقت الراهن هو الشكل غير الغازي مثل إعطاء الستيروئيدات القشرية (الكورتيزون) قبل الولادة لمساعدة رئة الجنين على التطور أو حمض الفوليك لتجنب حدوث عيوب بتطور الأنبوب العصبي، أمَّا المعالجة الغازية للجنين-سواء كانت جراحية أم دوائية- فيمكن أن تعرضه و/أو أمه للخطر.

من جهة أخرى؛ للمعالجة الجينية للأجنة فوائد تميزها عن المعالجة الجينية بعد الولادة؛ فالمعالجة الجينية قبل الولادة قد تحسن من الوضع في كثير من الأمراض قبل أن يحدث الضرر طويل الأمد. كما أن  تطبيق الناقل على الخلايا السريعة الانقسام؛ مثل الخلايا الجذعية الجنينية يؤدي إلى إنتاج أعداد كبيرة من الخلايا المعدلة ممَّا يُقلِل الحاجة لإدخال العلاج على نحوٍ متكرر ويحسن من التأثير. يضاف لذلك امتلاك جسم الجنين لتحمل أكبر للخلايا الغريبة، ويظهر أن جلد الجنين أكثر قابلية للتعديل الجيني مقارنةً بالخلايا المتقرنة في البشرة بعد الولادة، والوصول للأعضاء الأخرى في مراحل تطورها أسهل من الوصول إليها بعد الولادة

انطلاقا من ذلك؛ يتجه الباحثون الآن لعلاج الأمراض قبل الولادة؛ إذ يتزايد الاندفاع نحو فكرة العلاج الجيني للمشكلات الوراثية؛ في حين يضع البعض إشارات استفهام على جدوى التقنيات وتطبيقها العملي على الإنسان.

توضح دراسة نشرت حديثًا أنَّ الحقن الجراحي للفئران بفيروسات مُحملة بالـ DNA قد يُمكِّن من معالجة الأمراض الجينية للأجنة وهي ما زالت في الرحم؛ إذ "تبدأ الأذية بداية مبكرة بالنسبة للعديد من الأمراض الجينية" و ذلك نقلًا عن الباحث الذي قاد دراسة جديدة للعلاج الجيني لمرض غوشر Gaucher disease في جامعة كلية لندن؛ إذ يُعدُّ داء غوشر أشيع اضطراب يصيب عمليات الاختزان في الجسيمات الحالة، ويحدث نتيجة طفرات مختلفة جميعها يؤدي إلى غياب أو نقص نشاط أنزيم مسببًا تراكم المستقلبات على نحوٍ سُمِّي في الجسم.

يُعالَج الأطباء النمط الأول -الأكثر شيوعًا- من داء غوشر عن طريق حقن الإنزيم الغائب؛ لكن النمط الثاني -الأكثر شدة- يحدث فيه نقص للإنزيم في الدماغ، وهو غير معالج حاليًّا بسبب وجود حاجز دماغي دموي يمنع الأنزيمات الكبيرة من الدخول إليه؛ للتغلب على ذلك طوَّر الباحث مع فريقه فيروس يحوي التعليمات الجينية التي توجه الخلايا لصناعة هذا الإنزيم، وذلك بهدف منع التراجع الدماغي لدى فئران هُيئِت للإصابة بما يشابه النمط الثاني من داء غوشر، ومن ثَمَّ حُقِن هذا الفيروس في أجنة الفئران وهي ما زالت في الرحم؛ نظرًا إلى أن الأذية الدماغية الحادثة عند الإصابة تكون قد وصلت إلى مرحلة متقدمة عند حلول الولادة.

أظهرت النتائج امتلاك الفئران المُعالَجة مستويات من الإنزيم في خلايا الدماغ مشابهة للفئران الطبيعية، ولكنها ظلت ذات وزن أقل من الفئران الطبيعية، وأُصيبت بالتهاب الدماغ بدرجة أكبر، ولم تنجح باجتياز اختبارات الحركة كما الفئران الطبيعية؛ لكن أداءها كان أفضل من أداء الفئران غير المعالجة.

وبناء على ذلك؛ تُعدُّ هذه التجربة الأكثر تطورًا من نوعها؛ مع العلم بأنَّها ليست التجربة الأولى التي يُطبِّق بها العلماء العلاج على أجنة الحيوانات.

 

معوقات العلاج الجيني

على الرَّغم من أن العلاج الجيني لا يُعدُّ مجالًا جديدًا، وعلى الرَّغم من تطوره لعقود من الزمن بفضل الجهود المبذولة في كل أنحاء العالم؛ لم يُثمِر ذلك سوى نجاحًا محدودًا، لماذا؟

إيصال الجين للخلايا وتفعيله: بعض الأمراض تتطلب توصيل الجين إلى ملايين الخلايا المستهدفة في النسيج، مع المحافظة على فعالية الجين عند توصيله مدى الحياة.

ردود فعل الجسم المناعية.

تعطيل عمل جينات مهمة في الخلايا المستهدفة.

العائق المادي: هل يمكن للشركات الاستفادة ماديًّا من المعالجة الجينية لمرض نادر؟ من سيطور ويدفع لهذه المعالجات؟

 

أخيرًا؛ وبناءً على الدراسات الحديثة نجد أنَّ المعالجة الجينية للأجنة بدأت تلقى صدى واسعًا، وعلى الرَّغم من العوائق الموجودة، لكن الباحثون بدؤوا باستعادة النشاط والاندفاع نحو مزيد من الأبحاث التي قد تشكِّل حجر أساس لعلاج الكثير من الأمراض في المستقبل، ولا زال هناك كثير من الخطوات لتكتمل الصورة القانونية والأخلاقية والعلمية لهذه الأنواع من العلاجات.

مصادر المقال

1- هنا

2-هنا

3-هنا

4-هنا