الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

الميزة النسبية (Comparative Advantage) - الجزءالثاني.

تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن مبدأ الميزة النسبية في الاقتصاد الريكاردي (Comparative Advantage) وكيف يمكن تحقيق كفاءة اقتصادية أعلى في حال تخصص الأفراد (أو الدول) في إنتاج السلعة أو تقديم الخدمة التي يمتلكون ميزة نسبية فيها، ونناقش في الجزء الثاني من المقال مصادر وجود الميزة النسبية إضافة إلى منحنى الإمكانيات الإنتاجية (PPC) وخصائصه.

مصادر وجود الميزة النسبية:

على مستوى الأفراد: تتولد الميزة النسبية عند الفرد في بعض الأحيان نتيجة وجود موهبة لديه، فعلى سبيل المثال؛ يتمتع بعض الأشخاص بموهبة فريدة في برمجة الحواسيب، في حين يتمتع آخرون بموهبة اكتشاف أعطال السيارات وإصلاحها، لكن في أغلب الحالات؛ تتولد الميزة النسبية نتيجة مستوى التعليم أو التدريب أو الخبرة، لذلك نترك مهمةَ تصميم البناء للأشخاص الذين تلقوا تدريبهم في الهندسة المعمارية، وكتابةَ العقود للأشخاص الذين درسوا القوانين والحقوق، وتعليمَ الفيزياء للأشخاص الحاصلين على مؤهل متقدم في ذلك المجال.

وأما على مستوى الدول؛ فقد تمتلك الدولة ميزة نسبية نتيجة الاختلاف عن الدول الأخرى في حجم الموارد الطبيعية المتاحة أو نتيجة اختلاف ثقافي أو اجتماعي، فعلى سبيل المثال؛ لدى الولايات المتحدة الأمريكية -التي تمتلك أكبر حصة في العالم من الجامعات البحثية المرموقة- ميزة نسبية في تصميم الحواسيب الإلكترونية والبرمجيات، أما لدى كندا -التي تتمتع بواحدة من أعلى نسب المزارع والغابات للفرد الواحد- ميزة نسبية في إنتاج المحاصيل الزراعية، وبينما تتخصص ولاية كولورادو بسبب مناخها وطبيعة التضاريس بمنتجعات التزلج على الثلج؛ تتخصص ولاية هاواي بالمنتجعات الشاطئية.

وتساهم بعض العوامل غير الاقتصادية في ظهور الميزة النسبية؛ إذ تعطي اللغة الانكليزية -والتي تُعدُّ لغة عالمية (de facto language)- ميزة نسبية للدول المتحدثة بها في إنتاج الكتب والأفلام والموسيقا، وتتميز الدول ذات الثقافات المشجعة على ريادة الأعمال بتقديم منتجات جديدة.

منحنى الإمكانيات الإنتاجية (Production Possibilities Curve PPC):

يسمى أحيانًا حدود الإمكانيات الإنتاجية (Production Possibilities Frontier): وهو رسم بياني يوضح كمية الإنتاج العظمى لسلعة واحدة في ظل كميات الإنتاج المحتملة لسلعة أخرى.

فتخيل معنا اقتصادًا مبسطًا يتألف من شخصين: سوزان وريما؛ يمكن لكل منهما أن تؤدي عملين؛ قطف الكرز وقطف المشمش، ولدى سوزان كفاءة أكبر في قطف الكرز مقارنة مع قطف المشمش؛ إذ يمكنها قطف 2 كغ مشمش أو 4 كغ كرز في ساعة واحدة، وعلى فرض أنها تعمل 6 ساعات في اليوم، سيكون منحنى الإمكانيات الإنتاجية لسوزان (PPC 1) على النحو الآتي:

يمثل المحور العمودي الإنتاج اليومي لسوزان من الكرز، في حين يمثل المحور الأفقي الإنتاج اليومي من المشمش، ففي حال خصصت سوزان يومًا كاملًا لقطف الكرز؛ يمكنها قطف 24 كغ وفيتحقق المزيج الإنتاجي المتمثل بالنقطة (A)؛ أي 24 كغ كرز و0 كغ مشمش، بينما إذا خصصت يومًا كاملًا لقطف المشمش؛ عندها تستطيع تحقيق المزيج (D)؛ أي 12 كغ مشمش و0 كغ كرز، وإذا خصصت 4 ساعات لقطف الكرز وساعتان لقطف المشمش؛، عندها يمكن تحقيق المزيج (B)؛ أي 16 كغ كرز و4 كغ مشمش.

إذًا؛ منحنى الإمكانيات الإنتاجية لسوزان عبارة عن خط مستقيم ذي ميل ثابت، وتكون القيمة المطلقة لهذا الميل عبارة عن نسبة قيمة التقاطع مع المحور العمودي إلى قيمة التقاطع مع المحور الأفقي، أي 24\12 وتساوي 2، وهي قيمة تكلفة الفرصة البديلة لقطف 1 كغ إضافي من المشمش، وبعبارةٍ أخرى؛ إذا أرادت سوزان قطف كغ إضافي من المشمش؛ عليها التخلي عن قطف 2 كغ من الكرز، فيدل ميل منحنى الإمكانيات الإنتاجية على تكلفة الفرصة البديلة للمنتج الذي يمثله المحور الأفقي، وأما بالنسبة إلى تكلفة الفرصة البديلة لإنتاج 1 كغ من الكرز؛ فهو عبارة عن مقلوب الميل السابق؛ أي 0.5.

يميل منحنى الإمكانيات الإنتاجية دائمًا نحو الأسفل ( ميل سالب) ممثِّلًا بذلك مبدأ ندرة الموارد؛ أي إذا أردنا المزيد من سلعة ما، علينا القبول بكميات أقل من سلعة أخرى، فأيّة نقطة تقع على المنحنى أو داخله (تحته) تسمى نقاط ممكنة (Attainable points) مثل النقاط (A, B, C, E)، وأيّة نقطة تقع خارج المنحنى تسمى نقاط غير ممكنة مثل النقطة (F).

وتسمى النقاط التي تقع تحت المنحنى مثل النقطة (E) نقاطًا غير كفؤة؛ نظرًا لعدم استخدام كامل الموارد المتاحة والمتمثلة في هذا المثال بـ 6 ساعات عمل.

وعلى عكس سوزان؛ تتمتع ريما بكفاءة أكبر في قطف المشمش، فهي تستطيع قطف 4 كغ من المشمش أو 2 كغ من الكرز في ساعة واحدة؛ أي إن تكلفة الفرصة البديلة لإنتاج 1 كغ إضافي من المشمش هي 0.5 كغ كرز، فيكون ميل منحنى الإمكانيات الإنتاجية لـ ريما (PPC 2) هو 0.5، كما في الصورة الآتية:

يتضح من الصورة أن سوزان تمتلك ميزة نسبية وميزة مطلقة في قطف الكرز، في حين تمتلك ريما ميزة نسبية وميزة مطلقة في إنتاج المشمش؛ فإذا أدتا العمل دون تبادل فيما بينهما، لا يمكنهما الوصول إلى نقاط تقع فوق المنحنى الخاص بكلٍ منهن؛ بل ستكتفيان بالنقاط الواقعة على المنحنى كالنقطة (C)، بينما إذا تخصصت كل منهن بناءً على الميزة النسبية التي تمتلكانها؛ أي إذا قطفت سوزان الكرز فقط، وقطفت ريما المشمش فقط؛ يمكن لكل منهن أن تتبادل نصف إنتاجها مع الأخرى وتحصل كل منهن على 12 كغ من الكرز و12 كغ من المشمش وهو مزيج متمثل بالنقطة (F) والتي كانت نقطة غير ممكنة (Unattainable) لكليهما قبيل حدوث التبادل التجاري. (نفترض هنا أن سعر 1 كغ مشمش يساوي سعر 1 كغ كرز).

إذًا؛ يمكننا بالنظر إلى منحنيات الإمكانيات الإنتاجية للأفراد من رؤية الآلية التي تتحقق فيها المنفعة للجميع بناءً على التبادل التجاري الحر المعتمد على التخصص حسب الميزة النسبية لكل شخص.

سنتحدث في الجزء الثالث عن شكل منحنى الإمكانيات الانتاجية في الاقتصاد متعدد الأشخاص (أي اقتصاد الدول)، إضافة إلى العوامل المؤثرة فيه.

المصادر:

McDowell, M., Thom, R., Pastine, I., Frank, R., & Bernanke, B. (2012).

Principles of Economics. Maidenhead: McGraw-Hill Higher Education.