الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

تاريخ موجز عن الفلسفة: الفلسفة الحديثة

كانت الفلسفة الغربية في العصور الوسطى هنا في المقام الأول فلسفةً مسيحيّةً تكمل الوحي الإلهي، وتكرّس نفسها إلى حدٍّ كبيرٍ للمهام المؤسسية للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وكانت الإنجازات الفلسفية الرئيسة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر من عمل رجال الكنيسة الذين كانوا أساتذة لاهوت في جامعات أكسفورد وباريس.

ظهر عصر النهضة عبر ثورة ضد الحكم الديني وردِّ فعلٍ ضد الكنيسة وضدّ السلطة وضد أرسطو أيضاً!

وزاد الاهتمامُ بالمشكلاتِ في المجتمع المدني والطبيعة البشرية والطبيعة المادية، الذي أدّى إلى ظهور ثلاثةِ مجالات رئيسة كانت محورَ التفكير في عصر النهضة وهي: الفلسفة السياسية والإنسانوية وفلسفة الطبيعة.

وتميّز عصر النهضة بطابعين من التغيير، الأول كان الانتقالَ من طابع الارتكاز اللاهوتي للمذاهبِ الكبرى في العصر الوسيط إلى ارتكازِ الاهتمام في الطبيعة كنظام موحد ديناميٍّ.

أما الطابعُ الثّاني والمهم فكان الحركة العلمية التي تميز بها عصر النهضة.

وحفّزَ تطور العلم الطبيعي الطموحَ في استخدام الفلسفة من أجْلِ اكتشاف حقائق جديدة عن العالم؛ ففي إنجلترا أكد بيكون على الدراسة التجريبية والاستقرائية للطبيعة التي تقف من ورائها رؤيةٌ تسعى إلى زيادة سيطرة الإنسان على بيئته المادية والتحكم فيها، وهي دراسة يجب إجراؤها دون اعتبارٍ لسلطة أو لأيِّ أسماء كبيرة من الماضي، وكان لهذا الفعل أثره الكبير في التمييز الواضح بين العلم الفيزيقي والفلسفة.

ولهذا الأثرِ أيضًا انعكاسُه في دفع الفلاسفة إلى الاهتمام بعلم الإنسان؛ فكتبَ ديكارت عملاً عن انفعالات النفس وقدم نظرية لتفسير التفاعل بين الذهن والجسم.

وكتب سبينوزا في المعرفة الإنسانية والانفعالات وفي التوفيق بين الوعي الظاهر بجلاء أو الوعي بالحرية، والحتمية التي يتطلبها مذهبه.

ونجد لدى الفلاسفة الإنجليز اهتماماً ملحوظاً بالمسائل السيكولوجية؛ فالرواد التجريبيون: لوك وبركلي وهيوم يتحدثون جميعاً عن مشكلات خاصة بالمعرفة هنا ويميلون إلى معالجة هذه المشكلات من وجهة نظر سيكولوجية أكثر من كونها معرفية بالمعنى الدقيق.

وهذا يعني أنهم يميلون إلى تركيز انتباههم على السؤال: كيف تنشأ أفكارنا؟ إضافةً إلى أن هيوم في مقدمة كتابه "رسالة في الطبيعة البشرية" Treatise of Human Nature يتحدّث صراحةً عن الحاجة إلى تطوير علم الإنسان على أساس تجريبي.

وهوبز -على سبيل المثال- يرى أن على الفيلسوف أن يدرس الإنسان بوصفه وجوداً مادياً خالصاً وخاضعاً للقوانين نفسها التي تخضع لها الأجسام الأخرى.

عندما تحدث هيوم في القرن الثامن عشر عن علم الإنسان، جعل هذا العلم متضمناً علم الأخلاق، وفي الفلسفة الإنجليزية عمومًا بين الفترة الواقعة بين عصر النهضة ونهاية القرن الثامن عشر يمكننا أن نلاحظ ذلك الاهتمام الشديد بعلم الأخلاق الذي أضحى من السمات الأساسية والموجهة للفكر الإنجليزي.

وأمّا بالنسبة للفلسفة السياسية فقد كان للتطوّر الفلسفي من بداية عصر النهضة إلى القرن الثامن عشر أثرُه الشديد وخاصةً بعد أن انتقل الاهتمام من الدين إلى السياسة نتيجة التطورات الفلسفية المذكورة سابقاً وتأثيرها على المجتمع ونتيجةً لذلك كان من الطبيعي أن تثور منافسات الدول القومية وأزماتها المستمرة في النظام الداخلي بمشاكل فلسفية متجددة مُلحة.

وهذا الانشغال الجديد بالوحدة الوطنية والأمن الداخلي وقوة الدولة والعدالة الدولية حفز نمو الفلسفة السياسية في إيطاليا وفرنسا وإنجلترا هولندا، وبرز مفكرون فلاسفة أمثال جان جاك روسو وجون لوك وقبلهم توماس هوبز الذين رفضوا فكرة "الحق السماوي" أو "الحق الطبيعي" للملوك بالحكم، وآمنوا بأن السيادة يجبُ أن تبقى مع الشعب.

وعُرِفَ روسو أحد أهم الشخصيات التنويرية الفرنسية بفكرة العقد الاجتماعي هنا الذي يقوم على المبدأ الآتي: "إنه مهما كانت اللامساواة في القوة والذكاء، يصبح البشر متساوين في الميثاق أو الحقوق"، وفي حين تمكنهم من العيش سعداء في نمط الحياة الطبيعية (في طريقة عيش الحياة البرية)، لا يمكنهم أبداً أن يصلوا إلى طاقاتهم القصوى لأن المجتمع لا يمكن إلا أن يوفّر بيئة يمكنها أن تطوّرَ فضائل الإنسان، وهي فضائل ترقيّ الإنسان، وإن الحرية والمساواة السياسية ليستا من الحقوق الطبيعية لكنهما من الحقوق المطلوبة ليصبح النمط الأرقى من البشر أو المجتمع موجوداً."

وقد ابتدأ مقدمة العقد الاجتماعي بالعبارة: "يولد الإنسان حرّاً، ويكون محاطاً بالقيود في كل مكان، وأولئك الذين يظنون أنفسهم أسياداً على الأخرين، هم بالتأكيد أكثرُ عبودية منهم".

وهكذا نرى أن الفلسفة الحديثة قد امتدت بين عصر النهضة ونهاية القرن التاسع عشر، ورافق هذه الفترة الزمنية تطور مهم في الفكر المنهجي الفلسفي كان له أثره المهم على صعيد العلوم الطبيعية والإنسانية؛ إذ ميّزنا فيها ما بين الفيزيقي والميتافيزيقي وأخذت التجريبية تشق طريقها في القرنين السابع عشر والثامن عشر لتبدي أهميتها مع فلاسفتها التجريبين كـ هوبز ولوك وبركلي وهيوم مُنشأةً من بعدها الوضعية المنطقية على يد راسل التي تعكس جوهر الفكر الفلسفي الحق وألقِه.

المصادر:

1. كوبلستون، فردريك. تاريخ الفلسفة (مج4) الفلسفة الحديثة: من ديكارت إلى ليبنتز، المركز القومي للترجمة، مصر، القاهرة، ط1، 2013.

2. باودون، توم باتلر. إضاءات فلسفية، دار الحوار، سورية، اللاذقية، 2018.

3. هنا