الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

الميزة النسبية Comparative Advantage.

يتخصَّصُ الفرد في الدول المتقدمة في إنتاج سلعةٍ أو خدمةٍ معينة، بل ويذهب التخصُّصُ إلى عمليات أصغر في أغلب الحالات؛ كأن يعمل فردٌ ما بالطلاء على خطِّ إنتاج السيارات، ويجمِّعُ شخصٌ آخر مقعدَ السيارة، ويتفقَّد آخر العجلات. لكننا لا نرى شخصًا واحدًا يستطيع أداء كلِّ تلك المَهام وحده، وعندما يرغب أحد هؤلاء العمال في الحصول على سلعةٍ أو خدمةٍ ما غيرَ التي يتخصَّصُ بها؛ فيشتري هذه السلعة من مُنتجيها، أو يدفع المال لشخص مقابل تقديم خدمة له كإصلاح الحاسوب الشخصي أو الهاتف.

نجد هذا السيناريو في الدول المتقدمة، لكن؛ ماذا عن الدول الفقيرة؟

في أغلب الأحيان؛ يُنتجُ الفرد في الدول الفقيرة طعامَه ويحيك ملابسه ويطلي منزله بنفسه، وفي كثير من الحالات لا يحتاج إلى أيِّ شخصٍ آخر ليزوده بأية سلعةٍ أو خدمة، ولكن لماذا يبقى هؤلاء الناس فقراء ما دام باستطاعتهم إنتاج سلعهم وخدماتهم بأنفسهم؟ وهل يُنتج هؤلاء احتياجاتِهم بأنفسهم عوضًا عن شرائها من الآخرين لأنهم فقراء بالأساس؟ أم هل يؤدي امتناعهم عن شرائها إلى حدوث هذا الفقر؟

حتى نتمكن من الإجابة عن هذا السؤال؛ علينا معرفة مبدأ "الميزة النسبية" في الاقتصاد الريكاردي Ricardian Economics (نسبةً إلى الاقتصادي الإنكليزي ديفيد ريكاردو 1817).

يناقش مبدأ الميزة النسبية Comparative Advantage المنافعَ التي يمكن تحقيقها لجميع الأشخاص أو الدول عن طريق التبادل التجاري المبنيّ على التخصص في إنتاج السلع والخدمات، وقد كان الاقتصادي الأسكتلندي الشهير آدم سميث من أوائل المُتحدِّثين عن فوائد التخصُّص Specialization في كتابه (ثروة الأمم) عام 1776؛ وذلك عن طريق مثاله عن مصنع الأزرار وكيف يمكن أن يزداد حجم الإنتاج على نحوٍ كبيرٍ جدًّا إذا تخصَّص كلُّ عامل بعملية معينة من عمليات الإنتاج عوضًا عن إنتاجه الزر من البداية إلى النهاية.

إن الاقتصادات المبنية على التخصص والتبادل التجاري هي عادةً أكثر إنتاجية من الاقتصادات ذات التخصص القليل، ويعود ذلك إلى وجود الميزة النسبية. ويمتلك الفرد ميزةً نسبيةً في إنتاج سلعة أو خدمة معينة إذا كان هذا الشخص أكثر كفاءة في إنتاجها نسبيًّا مقارنة بالأشخاص الآخرين؛ أي إن تكلفة الفرصة البديلة لإنتاج هذه السلعة لدى هذا الشخص هي أقل مقارنة بتكلفة الفرصة البديلة لإنتاج السلعة نفسها عند الأشخاص الآخرين. أما إذا كان بإمكان الفرد إنتاج كمية أكبر من سلعة معينة باستخدام كمية محدودة من الموارد مقارنة بالكمية التي أنتجها الآخرون من السلعة نفسها باستخدام الموارد نفسها؛ عندها نستطيع القول بأن هذا الفرد يمتلك ميزة مطلقةً في إنتاج تلك السلعة.

وبالنَّظر إلى تكلفة الفرصة البديلة لكليهما؛ نستطيع تحديد الميزة النسبيَّة لكلٍّ منهما كما في الشكل الآتي:

معنى تكلفة الفرصة البديلة:

إذا أراد "سمير" حياكة بنطالٍ واحد، فعليه التخلِّي عن إصلاح دراجتين؛ أي إنه يحتاج ضعف الوقت المطلوب لإصلاح دراجة واحدة من أجل حياكة بنطال واحد. أما "رامي"؛ فإن تكلفة الفرصة البديلة لإنتاج بنطال واحد هي إصلاح دراجة واحدة.

لنفترض الآن أنَّ كلًّا من سمير ورامي يعمل مدة 8 ساعات في اليوم، وأن الطلب اليومي على الألبسة هو 16 بنطالًا، فإذا أمضى سمير نصف يومه في إنتاج البناطيل والنصف الآخر في إصلاح الدراجات؛ فإنه سيُنتج 12 بنطالًا ويُصلح 24 دراجة. ولإنتاج البناطيل الأربعة المتبقية؛ يجب على رامي تخصيص ساعتين للحياكة وتخصيص بقية اليوم في إصلاح الدراجات؛ أي سينتهي به الأمر بإنتاج 4 بناطيل وإصلاح 12 دراجة. وبهذا سيبلغ الإنتاج الأجمالي -في حال عدم التخصص- في هذا المثال 16 بنطالًا و36 دراجة.

أما إذا تخصص كلٌّ منهما في أداء الخدمة التي يملك ميزةً نسبيةً بها؛ فيمكن لـرامي وحده إنتاج 16 بنطالًا، ويمكن لـسمير إصلاح 48 دراجة، فينتج عن التخصص المعتمد على الميزة النسبية زيادةً في الإنتاج عن الحالة السابقة بمقدار 12 دراجة.

يوضح هذا المثال أن الإنتاجية العامة تزداد عندما يعتمد الجميع على التخصص المبني على الميزة النسبية عوضًا عن محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي، ويُظهر كيف تتحقق المنافع عن طريق التبادل التجاري.

إذن؛ يمكننا القول بأنَّ مبدأ الميزة النسبية (أو الأفضلية النسبية، أو الأفضلية المقارنة) هو: إمكانية تحقيق المنفعة للجميع عندما يركز كل فردٍ (أو دولة) على الأنشطة التي تتميز بأقل تكلفة فرصة بديلة بالنسبة له (لها).

لا يعني هذا أنه يجب على الجميع التخصص وعدم إنجاز خدماتهم بأنفسهم إطلاقًا؛ إذ لا توجد دولةٌ بأكملها (أو شخص) مُتخصِّصة في إنتاج سلعة واحدة، بل يسلِّطُ هذا الكلامُ الضوءَ فقط على أنه يمكن في حال نَدرة الموارد (كما هو الحال في حياة جميع الأشخاص أو الدول) تحقيق كفاءةٍ اقتصادية أعلى عن طريق التخصص بناءً على معطيات الميزة النسبية التي تتطلَّب وجود اختلاف في تكاليف الفرص البديلة بين الأشخاص أو الدول.

سنتحدث في الجزء الثاني من هذا المقال عن مصادر وجود الميزة النسبية وعن منحنى الإمكانيات الإنتاجية Production Possibilities Curve PPC الذي سيمكِّننا من فَهم كيفية تحقيق المنفعة للجميع على نحو مرئي، إضافة إلى مناقشة الخصائص التي يتمتع بها هذا المنحنى.

المصادر:

1- McDowell, M., Thom, R., Pastine, I., Frank, R., & Bernanke, B. (2012). Principles of Economics. Maidenhead: McGraw-Hill Higher Education.

2- هنا