التوعية الجنسية > أيام عالمية

يوم الإيدز العالمي 2018 ….اعرف حالتك

إثر تزايدٍ ملحوظٍ في الوعي بأنَّ الإيدز بدأ يظهر كتهديدٍ عالمي للصحة العامة؛ عُقِد أول  مؤتمر دولي لمكافحة الإيدز في أتلانتا عام 1985، وبذلت العديد من الدول حول العالم آنذاك -دون علاجٍ يلوح في الأفق- جهودًا كبيرةً في مجالات الوقاية والرعاية الصحية والتوعية بواسطة تسريع دائرة الأبحاث الأكاديمية وتسهيل وصول الناس للواقيات الذكرية وتوسيع نطاق برامج الدعم.

أنشأت منظمة الصحة العالمية في عام 1987 برنامجًا خاصًا بالإيدز؛ ليُشكِّل فيما بعد حجر الأساس للبرنامج العالمي لمكافحة الإيدز بقيادة الدكتور جوناثان مان والذي يهدف إلى تعزيز الآليات البحثية وتوسيع نطاق المشاركة والاستجابة للإيدز حول العالم.

طُوِّر لاحقًا أول أنواع العلاجات الفعالة المضادة للفيروسات ذات النسخ العكسي "HAART" والذي خفض نسبة الوفيات المرتبطة بالإيدز بنسبة 60٪ إلى 80٪ ولكن لم يتمكَّن جميع المصابين حول العالم من الحصول على العلاج نظرًا لارتفاع تكاليفه، وفي عام 2001 توفَّر الوصول الجماعي المنخفض التكاليف إلى الدول النامية عمومًا والإفريقية خصوصًا لتُعلن منظمة الصحة العالمية مبادرة "3 في 5" بهدف إيصال العلاج لفيروس HIV إلى 3 ملايين شخصٍ في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بحلول عام 2005، وشهد العام ذاته تسهيلًا غير مسبوق في الوصول إلى الواقيات الذكرية، ووضِعت العديد من البرامج الداعمة للمصابين وذويهم لتخفيف الأضرار الناجمة عن هذا الوباء.

 

فكرة اليوم العالمي للتوعية ضد مرض الإيدز:

بعد 3 أعوام من بدء التحركات العالمية الأولى ضد المرض طُرِحت فكرة تخصيص يوم عالمي للإيدز يهدف سنويًا إلى زيادة الوعي بهذا الفيروس، إذ يُشكِّل فرصةً لتوحيد الجهود الرامية إلى مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية HIV، و تعزيز الدعم للأشخاص المصابين به، ونلمس فيه إحياءً لذكرى أولئك من مات بسببه، ليصبح الأول من ديسمبر عام 1988، وبذلك يكون اليوم العالمي للإيدز أول يومٍ صحيٍّ عالمي على الإطلاق.

 

"The Ribbon Project" الشريط الأحمر:

في عام 1991، وبعد عقدٍ كاملٍ على بداية أزمة فيروس نقص المناعة البشرية؛ اجتمع قرابة 12 فنانًا في نيويورك لمناقشة مشروعٍ لمنظمة "Visual Aids" في خطوة منهم لإظهار الدعم وخلق تعبيرٍ مرئي عن مدى التعاطف مع الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز ولأولئك القائمين على رعايتهم، أطلق الفنانون  مشروعهم تحت عنوان "The Ribbon Project" أو ما يُعرف اليوم باسم "الشريط الأحمر" وهو حلقةٌ أنيقة على شكل شريطٍ من السهل صنعها وتكرارها، وقد أراد الفنانون بتجنُّبهم الألوان التقليدية المرتبطة بالمجتمع المثلي مثل قوس قزح والشرائط الوردية إيصال فكرة أنَّ فيروس نقص المناعة البشرية كان ذا صلة بكل شخصٍ فاختاروا الأحمر لارتباطاته الرمزية: ارتباطه بالدم وفكرة الشغف وليس الغضب والعاطفة فقط؛ بل القلب والحب، وظهر الشريط أول مرةٍ في حفل توزيع جوائز توني السنوي ال 45 الذي اختير كوسيلةٍ للتعبيرعن تأثير الوباء في الجميع بما فيهم الفنانون.

أصبح الرمز الأيقوني لاحقًا ضيفًا لا يغيب عن حفل توزيع الأوسكار"Oscars" والإيميز"Emmys" والغرامي "Grammys " ليرتديه المشاهير انطلاقًا من نجوم السينما ووصولًا إلى أبرز السياسيين في الأفلام ومقاطع الأغاني المصورة أو المقابلات والندوات التلفزيونية، ويُعدُّ الشريط الأحمراليوم رمزًا دوليًّا للوعي بالإيدز من جهة، ورمزًا للتصميم والإرادة من جهةٍ أخرى والذي قاد الطريق إلى العديد من شرائط الألوان الأخرى ومشاريع التوعية لاحقًا.

 

 

أين تكمن أهمية هذا اليوم تحديدًا؟!

يوجد أكثر من 101000 شخص يتعايشون مع فيروس نقص المناعة البشرية في المملكة المتحدة وحدها وقرابة 37 مليون شخص مصاب على الصعيد العالمي، وعلى الرغم من أنَّ الفيروس لم يُتعرَّف عليه إلا في عام 1984 لكنَّ أكثر من 35 مليون شخص قد ماتوا نتيجة إصابتهم بالفيروس مما جعله أحد أكثر الأوبئة فتكًا في تاريخ البشرية، لذا فإنَّ اليوم العالمي للإيدز مهم لأنَّه يُذكِّر الحكومات والمجتمعات المدنية  والمنظمات المعنية حول العالم بأنَّ فيروس نقص المناعة البشرية لم يختفِ بعد وما تزال هناك حاجةٌ ملحَّةٌ لجمع الأموال وزيادة الوعي ومحاربة التحيز وتحسين التعليم والتوعية.

 

 

ولكن يبقى السؤال: ما السر خلف شعار "اعرف حالتك  Know your status"؟!

أُحرِز تقدمٌ مهمٌ في الاستجابة لمتلازمة عوز المناعة المكتسب منذ عام 1988، ويوجد 3 من كل 4 أشخاص مصابين بالفيروس على درايةٍ بوضعهم اليوم، ولكن وفقاً لأحدث تقارير برنامج الأمم المتحدة المعني بفيروس عوز المناعة البشرية المكتسب فإن الطريق ما يزال طويلًا كي نستطيع الوصول إلى هؤلاء الذين لا يعرفون حالتهم بعد، والعمل على مساعدتهم وتقديم خدمات العلاج والرعاية والدعم النفسي المناسبة.

يُمكن إجراء اختبارات الكشف الدورية من معرفة الحمل الفيروسي والتي تُشكِّل ركيزة أساسية لإدخالهم في مرحلة العلاج المضاد لفيروسات النسخ العكسي وفي محاولةٍ منهم لتمكينهم من الحياة طبيعيًّا قدر الإمكان.

 

 

تفتح معرفة حالة الإصابة الباب أمام المصابين لبيان خيارات وأساليب الوقاية بما في ذلك الخدمات التي تمنع إصابة الأطفال بالفيروس، والاستخدام الصحي والدائم للواقيات الذكرية والأنثوية والخدمات التي تُساعد على الحد من الأذيات الإضافية عند متعاطي المخدرات، إضافةً إلى تعزيز الوعي بختان الذكور الطبي الطوعي والوقاية قبل وبعد التعرض.

ولسوء الحظ؛ ما تزال هناك العديد من العوائق أمام توسيع دائرة الفحص ضد فيروس HIV، إذ يبقى الخوف والتمييزعاملًا أساسيًّا يمنع الناس من إجراء الاختبار، وإنَّ الوصول إلى الاختبار يُشكِّل عقبةً أساسية في العديد من البلدان وفي معظم الحالات فإنَّ العديد من المصابين لا يخضعون للفحوصات إلا بعد ظهور الأعراض وإصابتهم بالمرض.

 

ما هي المشكلات التي تواجه خطط الحد من الوباء؟!

أوصت منظمة الصحة العالمية منذ عام 2016 باستخدام الاختبارات الذاتية لفيروس نقص المناعة البشرية، ليصل عدد الدول الملتزمة بتطبيق برنامج الاختبار الذاتي للفيروس اليوم إلى أكثر من 50 دولة، ويقوم هذا البرنامج بتشخيص الإصابة وربط المصاب بخدمات العلاج أو الوقاية المناسبة حول العالم.

 

 

إنَّ تأثير فيروس نقص المناعة البشرية غير متناسب في الأشخاص من الفئات الضعيفة من السكان والتي غالبًا ما تكون مُهمشة للغاية وتعاني من التمييز الاجتماعي، ومن ثم فإنَّ معظم الإصابات والوفيات الجديدة  تحدث في المناطق التي لا يزال فيها أشخاصٌ غير مدركين للمخاطر أو محرومين من العلاج أو يعانون من الإهمال المجتمعي.

إذا يتطلَّب مستقبل الاستجابة لفيروس HIV النظر إلى ما هو أبعد من ذلك بواسطة توفير الرعاية الصحية الشاملة، فمن غير المتوقع أن يتحقَّق القضاء على الإيدز دون وجود نظامٍ صحيٍّ متكامل يُوفر الوقاية من فيروس الإيدز وتشخيصه وعلاجه إضافةً إلى العناية بالخدمات الصحية الأساسية الأخرى، ودعم الحالات المرضية المرافقة الأخرى مثل السل والأمراض غير السارية والصحة النفسية على المستوى الاجتماعي.

في معظم الحالات؛ يتعرَّض الأشخاص المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية للإصابة بأمراض أخرى تُعرف باسم الإمراضيات المرافقة مثل؛ السل أو التهاب الكبد الفيروسي، وفي حين أنَّ 1من كل 3 حالات وفاة لدى الأشخاص المصابين بفيروس HIV هو نتيجة مباشرة لإصابته بالسل، فإنَّ ما يقارب ال 5 ملايين شخص يعيشون مع كل من فيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد الفيروسي، ويعاني 1 من كل 3 من أمراض القلب أيضًا؛ مما يعني أنَّ الرعاية الصحية الشمولية المتعلِّقة بفيروس HIV بحاجةٍ إلى التعاون في تقديم رعايةٍ طويلة الأمد.

 

تحدياتٌ وآمال:

وُجِد قرابة ثلث الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية حول العالم لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15-25 سنة، في حين تكون الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة أكثر احتمالًا للإصابة بالفيروس بنسبة 3 إلى 5 مرات من أقرانهم الذكور في البلدان التي يصيب فيها الفيروس مجموعات سكانية متعددة.

 

وُضِعت أهدافٌ عديدةٌ لتحسين واقع الإصابة بالفيروس كخطة "90-90-90" والتي تعمل على ضمان أنه في حلول عام 2020:

1. سيعرف 90٪ من جميع المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أنَّهم مصابون به.

2. سيحصل 90٪ من جميع الأشخاص المصابين بعدوى فيروس الإيدز حول العالم على علاجٍ مُستدام بمضادات الفيروسات.

3. سيُحقِّق 90٪ من جميع الأشخاص الذين يتلقَّون العلاج المضاد للفيروسات العكسية حالة تثبيط للفيروس.

 

 

ومن جهةٍ أخرى تُطرح خطط أخرى كخطة القضاء على الإيدز بحلول عام 2030 "2030 Ending AIDS BY" ومجموعة أوسع من الجهود الرامية لمعالجة القضايا الهيكلية في البلدان الإفريقية خاصةً، مثل المحافظة على تعليم الفتيات ومنع العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى جانب زيادة فرص الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وتحثُّ على العمل المشترك لضمان عدم وجود أية عدوى جديدة أو حالات وفاة أو أي نوعٍ من التمييز المتعلق بمرض الإيدز وذلك بحلول عام 2030.

 

 

وأخيرًا يقول الدكتور جوتفريد هرنشول Gottfried Hirnschall، مدير قسم فيروس نقص المناعة البشرية في منظمة الصحة العالمية:

"اليوم وبعد مرور 30 ​​عامًا على أول يوم عالمي للإيدز، ما زلنا غير راضين في استجابتنا للفيروس".

لذلك لابد من الاستماع إلى أصوات الشباب والشابات حول العالم وإشراكهم في تصميم البرامج الوقائية وتنفيذها، وذلك لضمان كون الخدمات المقدمة مقبولة وفعالة مستقبلًا.

وفي النهاية لا بد من التذكير بأهمية إجراء الفحص الذاتي ضد الفيروس دوريًّا والالتزام بوسائل الجنس الآمن، وأن نعمل جميعًا على رفع مستوى الوعي بأهمية معرفة كل فرد بحالته متجاوزين بذلك جميع الحواجز التي يخلقها المجتمع والتي تحول دون الوصول إلى اختبار فيروس نقص المناعة البشرية.

 

 

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا

4 - هنا

5 - هنا

6 - هنا

7 - هنا