المعلوماتية > الذكاء الصنعي

الخلود الرقمي؛ ستبقى حيًّا إلى الأبد.

بدأت الفكرة عندما أراد المدير التنفيذي لإحدى الشركات المالية الكبرى أن يبقى حيًّا إلى الأبد، فشعر صديقه حسين رنامة -وهو رائد أعمال وباحث في جامعةِ (رايرسون في تورينتو- إيطاليا) ومدرِّس في مختبرِالوسائط ( MIT )- أنَّه يستطيع تحقيقَ حلم صديقه؛ فأوجد صورة رقمية مماثلة لمديرِ الشركة ليكون ممثِّلًا عنه بعد وفاته، فإذا ما أرادت الإدارة إجراء صفقة ما -من بعده-  مع شركةٍ معيّنة تكون هذه الصورة بمثابةِ المستشار الرقمي لهم.

بُنيَت هذه الصورة الرقمية عن طريقِ تقنيّات الذكاء الصنعي التي تحلِّل البياناتِ الشخصية والمراسلات المتعلّقة بالمدير التنفيذي الراحل مع الشركة المُراد عقد الصفقة معها، وتكتشف بعد التنقيب أنَّ المديرَ كان على علاقةٍ سيّئة مع إدارةِ الشركة مثلًا؛ ولذلك يقترح الممثِّل الرقمي التراجعَ عن عقدِ الصفقة عن طريقِ رسالة نصية .. شيء مدهش!! أليسَ كذلك ؟؟

وانطلاقًا من ثقةِ حسين رنامة بأنَّ الناس سيقدِّرون أهميّةَ الرقمنة بعد الموت؛ بنى نظامًا يدعى معزِّز الخلود (Augmented Eternity)؛ والذي يسمح بإيجادِ شخصية افتراضية رقمية بإمكانها التفاعل والتواصل مع الناس نيابةً عنك.

ولكنَّ المشكلة أنَّه لا توجد كميّاتٌ كافية من البيانات الرقمية التي من شأنِها بناءُ نظام ذكاء صنعي فعّال،  وخصوصًا للأشخاص كبار السن، والمطلوب إيجاد مُحاكي افتراضي لهم.

ولكن يفترض رنامة  أنّه في أثناءِ السنوات القادمة  سيكون بالإمكان إيجاد الكم الكافي من البيانات عن طريقِ الاستمرار بالتعامل مع التوقيع والبصمات الرقمية، أو ما تبقّى من البيانات لأشخاص قد رحلوا؛ فمثلًا: يوجد على منصّةِ الفيسبوك ما يقارب ( 1.7) مليون مستخدم يرحلون كلَّ سنة، وغالبيّة تلك الحسابات تبقى موجودةً ويمكن الاستفادة منها وتوليد قرابة 1 غيغابايت من البيانات الرقمية اليومية، وبما أنَّه لدينا هذا الكم من المعطيات وقوَّة المعالجة والتخزين اللازمتَين؛ فيمكن تطبيقُ خوارزميات الذكاء الصنعي وتعلُّم الآلة لإيجادِ شخصية افتراضية قريبة لشخصيتِك أو على الأقلّ لجزءٍ منها.

ويمكن  أن يُينى هذا المُحاكي على أساسِ صوت أو فيديو رقمي، وممكن أيضًا أن يكون جزءًا من نظامِ  رجل آلي أو نظامٍ نصّي فقط؛ كنافذةِ المحادثة التى تمثِّل المدير التنفيذي، لكن يوجد مشكلة متعلّقة بقدرةِ المحاكي على إجراءِ محادثة طبيعية كالتي نؤدّيها نحن البشر، ناهيك عن التقاطِ أسلوب شخصية معيّنة؛ إذ من الصعب وجودُ أنظمة يمكنها التفاعل والتواصل واتّخاذ القرارات بالطريقة التي نتَّبعها، ومن هنا سيكون مُحاكي المدير عبارة عن أداة فقط لاتّخاذ القرار إمّا بالقبول أو بالرفض، ولن تصلحَ لتديرعملَ الشركة الكلِّي.

والمشكلة الثانية أنَّ الذكاء الصنعي يفتقد عنصرًا مهمًّا جدًّا؛ وهو السياق أو المعنى العام للمحادثة أو الحوار، لذلك تكون ردود معظم المجيبين الآليين استنادًا إلى مفرداتِ المحادثة بغضِّ النظر عن المحتوى، والذي يتغيّر اعتمادًا على من تحادث؛ ومتى؛ وما هو الوقت من اليوم؛ ما أدّى إلى حاجتنا لتضمينِ السياق والمعنى من أجلِ ردود أكثر دقّة، وهذا ما فعلته شركةُ ( فلابي بيت) والتي يرأسها حسين رنامة؛ إذ عمَلت على تطويرِ نظام يسمح للشركات بتخصيصِ رسائلها واتّصالاتها مع الزبائن بناءً على عدّةِ معايي. فمثلًا؛ قد يرسل بنكٌ عن طريقِ تطبيقه الذكي رسائلَ مختلفة إلى العملاء تعتمد على سجلِّ الشراء أو التقويم الزمني الخاص بهم أو وسائط النقل التي يستخدمونها.

ووجد رنامة بأنّه من المهمِّ تضمينُ الجزء السياقي أو المعنوي للحوار والنصّ في نظامِه معزِّز الخلود، فقد ذهب إلى أبعدِ من أن يكون قادرًا على التعرُّف أنَّ شخصًا قد قال شيء؛ بل يجب أن يعرف مشاعرَ الشخص المتحدِّث: هل يمزح أم منزعج! أي يجب أن يدرك المعنى العاطفي للمحادثة؛ وذلك عن طريقِ جمع بيانات من الفيسبوك وتويتر وتطبيقات المحادثة وتحليلها، وإيجاد القواعد التي يستخدمها في فهمِ دلالات الألفاظ والمحتوى العاطفي.

صدّرت القوائمَ الرئيسة للصحف قبل عدّة سنوات خبرَ اختراع مجيب آلي طوّرته فتاة روسية تدعى (يوجينيا كايدى) لصديقِها المقرَّب الراحل (رومان مازورينكو)؛ إذ اعتمدت في بنائِه على رسائلِه الخاصة مع الأصدقاء والعائلة، وربطت هذه المعطيات مع شبكة عصبونية ضمن نظام تعلُّم الآلة لتحويل هذه المعطيات بعد معالجتها إلى معلومات يحتاجها المجيب من أجلِ تكوين الردود المناسبة.

وبناءً على تصريحِ يوجينيا؛ فإنَّ المجيب الافتراضي لم يكن دقيقًا جدًّا، لكنّه استطاع أن يردَّ بطريقة صديقها الراحل رومان نفسها، وواجهت في أثناءِ تطويره عدّةَ تحدّيات؛ كان أبرزُها إيجادَ نسخة رقمية من موتى هم أشخاص مختلفون -أي غريبو الأطوار- وردودهم غير ثابتة مثل صديقها رومان، ونحن أيضًا نكون مختلفين عندما نتحدَّث مع هكذا نوعٍ من الأشخاص، والتحدّي الآخر هو معلومات الشخص المُراد تطوير نسخة رقمية عنه وحساسيّتها، وهل يمكن مشاركتها أم لا..!

النسخة الرقمية ليست للأموات فقط:

يمكن أن يكون الممثِّل الرقمي مفيدًا حتّى إذا كنّا على قيدِ الحياة؛ فالذكاء الصنعي يمكن أن يحوِّل خبرتَك المهنية من قائمة مكتوبة إلى تمثيلٍ فعلي لمعرفتِك وخبرتك، لا يمكن للأشخاص التفاعلُ معها؛ فمثلًا يمكن للمحامي الذي يتقاضى مئاتَ الدولارات في الساعة السماح للأشخاص باستشارةِ الممثِّل الرقمي له بسعر أقلّ بكثير، ويمكننا أيضًا استشارة خبراء وأشخاص لن نتمكّن مطلقًا من مقابلتِهم في الحياة، فتصوّر مثلًا أنَّك تقترح فكرةَ تطبيق ذكي على مؤسّسِ شركة أبل -ستيف جوبز- أو تخيّل أن ترسل ممثِّلَك الرقمي إلى اجتماع لا تستطيع حضوره بسببِ انشغالك في ذلك الوقت؛ يا للروعة!!

المصدر:

هنا