الكيمياء والصيدلة > الآثار الجانبية

إحصائيات مقاومة الصادات في الدول العربية تثير القلق!

جاء اكتشاف البنسلين -بوصفه أولَ مضاد حيوي- في حقبةٍ كان يموت فيها البشر بعدّة أمراض معدية يُعَدُّ علاجُها اليوم من المسلمات، ففي عام 1928؛ وإبّانَ الأوضاع السياسية والاجتماعية غير المستقرة؛ اكتشف أليكسندر فليمنغ البنسلين في لندن، ولاحظ خواصه المضادة للجراثيم، لتصبح المضادات الحيوية حجر أساسٍ في الطب الحديث.

وعبَّر فليمنغ عن قلقه من تطوير الجراثيم مقاومةً لاكتشافهِ الجديد في محاضرة جائزة نوبل عام 1945، واليوم نقف وجهًا لوجه مع تحذيرات فليمنغ التي غدَت حقيقة وتحديًا، فدونَ وجود مضادات حيوية فعالة؛ ستكون معظم الإجراءات الطبية مُهدَّدةً بالفشل مع زيادة صعوبة شفاء الأمراض المعدية.

نُشِر بحثٌ في شهر تشرين الأول لعام 2018 في مجلة لانسيت للأمراض المعدية Lancet Infect Dis يتناول إحصائيات عن مقاومة بعض الجراثيم الشائعة للمضادات الحيوية في البلدان العربية، ويمكننا القول -على أقل تقدير- أنَّ الأرقام في هذا البحث كانت مثيرةً للقلق.

تضمَّنت الأرقام مقاومةَ عدةِ أنواعٍ من الجراثيم لمختلف أنواع المضادات الحيوية، فعلى سبيل المثال؛ تجاوزت نسب مقاومة الأمعائيات -كالكلبسيللا والإشريكية القولونية (E. Coli, Klebsiella)- لصادات الجيل الثالث من السيفالوسبورينات الـ 50% في سورية ومصر. ولوضع هذه النسبة في سياق مفهوم؛ في حال إصابة فردَين بهذه السلالات المقاومة على الأرجح؛ سيفشل علاج أحدهما بهذه الصادات في حال عدم توافر علاج فعَّال آخر.

كان هنالك تباين في نتائج الإحصائيات بين البلدان العربية يُعزَى إلى الامتداد الجغرافي الواسع للبلدان العربية على مناطق بيئية مختلفة وأنماط معيشية واجتماعية مختلفة، فتجاوزت نسب سلالات السَّلْمونيلَة Salmonella المقاومة للفلوركينولون الـ 30% في عدة مناطق، في حين تراوحت نسب سلالات المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميتيسلّين (Methicillin-resistant Staphylococcus aureus: MRSA) ما بين 20% و30% في معظم البلدان المدروسة، ولكنها تجاوزت الـ 60% في العراق ومصر، وتشكّل هذه السلالات على وجه الخصوص أكبرَ مخاوف المشافي والعاملين في قطاع الصحة.

وأوضحت الإحصائيات في هذه الدراسة ضرورةَ اتخاذ إجراءات على مستوى الصحة العامة وعلى مستوى الممارسات الطبية للحدّ من انتشار هذه المقاومة وزيادة الوعي بالمشكلة.

على مستوى الممارسات الطبية:

الاستخدام المُبرَّرُ للصادات الحيوية هو جزءٌ رئيسٌ من الممارسات الطبية، ويكون هذا الاستخدام أكثر ملائمة عند توافر المعلومات والإحصائيات عن المقاومة للصادات في المنطقة السكانية التي ينتمي إليها المرضى، إذ باعتماد بياناتٍ كهذه؛ تزداد فعالية العلاج بسبب اختيار المضاد الحيوي المناسب الذي لم تُطوِّر الجراثيم مقاومةً ضده بعدُ. فعلى ضوء هذا؛ نستطيع رؤية الحاجة إلى تطوير برامج وطنية للتحكم بعلاج الأمراض المعدية بناءً على الأنماط المناطقية لمقاومةِ الصادات.

على مستوى الصحة العامة:

إنَّ استخدام أدوية المضادات الحيوية المفرط دونَ وصفة طبية هو أحد أهم أسباب تفاقم مشكلة تطور المقاومة ضد المضادات الحيوية، فنسبةُ استهلاك المضادات الحيوية دون وصفة طبية في بلدان الشرق الأوسط تتراوح بين 20% إلى 85% في بعض المجتمعات. وتضعنا هذه الأرقام مجتمعاتٍ ودولًا أمامَ مسؤوليةٍ كبيرة لوضع تشريعات وقوانين لمنع صرف المضادات الحيوية دون وصفة طبية.

لا تقتصر مقاومة المضادات الحيوية على السلالات المعزولة من البشر فحسب، بل تؤكد عدة تقارير وجود سلالات مقاومة في البيئة؛ في المياه السطحية والدواجن وحيوانات المزارع، مع احتمالية انتقال هذه السلالات المُقاوِمة إلى البشر عن طريق الغذاء. فمن الواضح أنَّ إعطاء المضادات الحيوية للمواشي هو من العوامل المساهمة في المشكلة، ومع ذلك؛ فإنَّ تنظيم هذه الاستعمالات شبه معدوم.

وبالتأكيد؛ لا يخلو الأمر من بعض البرامج أو المحاولات لتنظيم استعمال المضادات الحيوية، إذ يوجَدُ هناكَ عدةُ برامج في دول الخليج العربي ولبنانَ للحد من الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية، فأتت الإحصائيات الخاصة بدول الخليج تشابه البيانات في دول شمال أوروبا وغربها متضمنةً فرنسا وهولندا وألمانيا.

ووضعت هذه الدراسة التحدي القادم على الطاولة، ووضَّحت بالأرقام خطورةَ الوضع الحالي، إضافةً إلى ضرورةِ وجود سياسات وجهود إضافية لزيادة التوعية أو تنظيم التداوي بالمضادات الحيوية لحماية مجتمعاتنا من خطر صحي بهذه الجديّة.

المصادر:

هنا

Jessica M. A. Blair, M.A.W., Alison J. Baylay, David O. Ogbolu and Laura J. V. Piddock, Molecular mechanisms of antibiotic resistance. NATURE REVIEWS /MICROBIOLOGY, 2014.

هنا