الطب > أمراض نسائية وتوليد

الرنا الميكروي وأهميته في تشخيص سرطان الثدي.

يُعدُّ اكتشاف الرنا (الحمض النووي الريبوزي) أحدَ أهمِّ إنجازات العلوم البيولوجية في العقد الماضي؛ فهو المسؤول عن تنظيم التعبير الجيني ما بعد النسخ، ويمكن لنا أن نُعدَّ (الرنا المرسال المُنتج للبروتين) أهم أنواعه.

وقد بيَّنت الدراسات المتعدِّدة حديثًا أنَّ هناك أنواعًا كثيرةً منها "الرنا الميكروي"؛ وهو جزيئات مجهرية صغيرة من الرنا غير المشفَّر، والتي ترتبط مع الرنا المرسال عن طريق تكامل تسلسلي (أي تقابل توافقي في النكليوتيدات)، وتعمل على عَرقلة ترجمته بمنع ارتباطه بالريبوسومات؛ إذ حُدِّد أكثر من 940 جزيء مجهري حتى اليوم (أي ما تبلغ نسبته من واحد إلى خمسة بالمئة من الجينوم البشري).

وعلى الرغم من أنَّه لا يُعرَف إلا قليلٌ من الأهداف المُحدَّدة والوظائف البيولوجية للرنا الميكروي؛ لكنه من الواضح أنَّ له دورًا حاسمًا في تنظيم التعبير الجيني وضبطه، والذي يتحكَّم بمسارات الخلية المُتعدِّدة، وتبيَّن -مع التقدُّم المُثير لعلم الأحياء الجزيئي- أنَّ له آثارًا عميقةً في الطب؛ إذ لُوحِظ الخلل في تنظيم التعبير عن الرنا الميكروي في عديد من الأورام؛ الأمر الذي يعني أنها تُشارك في تطور السرطانات غالبًا، ولا سيَّما سرطان الثدي؛ ما أسهم في اكتشاف صلة سريرية تربطه بالتشخيص السرطاني والتطورات والإنذار.

إنَّ سرطان الثدي هو ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعًا في العالم وأكثرها انتشارًا بين النساء، ثُم إنَّ هناك فروقًا واضحةً في الإنذار بين الأورام المُكتَشفة مُبكِّرًا وتلك المُشخَّصة في مراحل مُتقدِّمة؛ لذلك فقد كان هناك دائمًا حاجةٌ ماسَّةٌ لابتكار أساليب جديدة بأسعار معقولة؛ وذلك للمساعدة في التشخيص واقتراح العلاج الأنسب للمرضى.

تُستخدَم حاليًّا أدواتُ تشخيص للكشف المُبكِّر؛ كتصوير الثدي الشعاعي والموجات فوق الصوتية؛ ولكن هناك عدَّة قيود تقنية لهذه الطرائق مثل كثافة الثدي أو التكلُّس، ويوجد أيضًا طرائق تشخيص مُكمّلة وأكثر فعالية في تحديد الأماكن المشبوهة في الثدي مثل التصوير بالرنين المغناطيسي؛ ولكن هذا الأخير مُكلِفٌ ماديًّا وذو حساسية محدودة؛ إذ لا ينجح في التمييز بين الآفات السرطانية والحميدة دائمًا.

وقد تُوصِّل -مع التطور العلمي وتقدُّمه- إلى أمرٍ واعد؛ وهو أنَّ الرنا الميكروي قد يعدُّ مُؤشِّرًا حيويًّا واعدًا في سرطان الثدي؛ إذ يمكن اكتشافه بسهولة في خزعات الورم، ثم إنه موجود على نحو ثابت في سوائل الجسم كالدم والبلازما والمصل واللعاب.

أما عند الإصابة بالسرطان؛ فقد تتعرَّض كميَّة هذا المنظِّم المهم للتعبير الجيني للخلل عن طريق ارتفاع معدَّله أو انخفاضه على نحو مُحدَّد في أنسجة الثدي وفي سوائل الجسم، وقد مكَّنت هذه الميزاتُ الباحثين من سهولة استخدامه مُؤشِّرًا حيويًّا جزيئيًّا سهَّل الوصول وبأسعار معقولة إلى تحليل أنسجة الثدي والتشخيص والتنبؤ بالنتائج العلاجية.

ختامًا؛ لا تستهينوا بالأشياء؛ فقد يُصبح هذا الجزيئي الصغير جدًّا يومًا ما مفتاحًا سريًّا للسرطان الذي هو أحد أخطر الأمراض البشرية وأكثرها فتكًا.

المراجع:

Macfarlane LA, Murphy PR. MicroRNA: Biogenesis, Function and Role in Cancer. Curr Genomics. 2010 Nov;11(7):537-61.

Bertoli G, Cava C, Castiglioni I. MicroRNAs: New Biomarkers for Diagnosis, Prognosis, Therapy Prediction and Therapeutic Tools for Breast Cancer. Theranostics. 2015 Jul 13;5(10):1122-43.

McGuire A, Brown JA, Kerin MJ. Metastatic breast cancer: the potential of miRNA for diagnosis and treatment monitoring. Cancer Metastasis Rev. 2015 Mar;34(1):145-55.