الموسيقا > سلسلة الأوبيراهات

أوبرا نورما… صراع الألوهة والرغبة

في ربيع عام 1831 أنهى المؤلف الإيطالي فنشينزو بيليني كتابة ما يُعدُّ أعظم أعماله الأوبرا، وأسماها أوبرا "نورما" لتُعرض لاحقاً في شهر كانون الأول من العام نفسه في مسرح "لا سكالا" في مدينة ميلان الإيطالية. أعاد الكاتب "فيليس روماني" صياغة النص أو ما يعرف في الأوبرا ب(الليبيريتو) مستنداً إلى القصة الرئيسية للكاتب أليكساندر سوميه، إذ عدَّل روماني الحبكة الأساسية بما يتناسب مع ثقافة الجمهور وايديولوجيته آنذاك.

كتب بيليني أحدَ عشرَ عملاً، وقد تكون أوبرا نورما الأكثر تراجيديةً وأكثر أعماله تجسيداً لأسلوبه التأليفي في كتابة جمل غنائية شديدة الطول وانسيابية في آن معاً، ويُعدُّ الدور الرئيسي في هذه الأوبرا "نورما" أحد أصعب الأدوار تأديةً على الإطلاق، إذ اشتهرت بتأديته ماريا كالاس وتحديداً آريا.

“Casta Diva”

تترجم من الإيطالية إلى "الآلهة المطلقة" وتُعَدُّ من أفضل ما كتب من آريات للصوت السوبرانو على الإطلاق.

وصفت السوبرانو البارعة ريناتا سكوتو بأن "أوبرا نورما هي إيفيرست الأوبرات" ولا يُؤدَّى الدور الأساسي إلا من قبل مغنية أوبرا تحترف تقنية البيل كانتو، بالإضافة لما فيها من تحديات تقنية وموسيقية حتى على الصعيد العاطفي والنفسي والتمثيلي!.

نورما" من حيث الحبكة الدرامية تحمل إسقاطات متعددة، وتعاني البطلة من تناقضات وصراعات شخصية عدة، فهي من جهة الراهبة التي تكرس نفسها دينياً، والأم الحامية لأطفالها، ومن جهة ثالثة العاشقة والزوجة التي تواجه الخيانة بلا شيء آخر سوى مزيد من التضحية والغيرية، ورابعاً نورما الثائرة والمقاومة للاستبداد الروماني..

كم هائل من التعقيدات على المستوى الإنساني الشخصي والمجتمعي، إذ يظهر الصراع على السلطة وهيمنة رجال الدين على فكر المجتمع، والتضحيات الإنسانية والثورة العاطفية أو "الغرامية"، إذ تواجه نورما الامرأة أوجه الحب كلها من الانتقام للتضحية للشغف للندم... إلى حد الجنون.

 

تتمحور بالطبع الأحداث حول نورما الكاهنة الحارسة للمعبد في مدينة "جول" التي تقع في غرام الطاغية الروماني "بوليون". خلال الاحتلال الروماني للمدينة يهجر بوليون نورما وأبنائهم بالرغم من أنها قد تنازلت من أجله عن عقيدتها ومبادئها الدينية لتحافظ على علاقتهم الغرامية التي حاول الاثنان إبقاءها سراً، لكنه يقع في غرام "أدالجيسا" الراهبة أيضاً ويراود بوليون حلماً يرى به أن نورما علمت بعلاقتهما الخفية وأنها ستحاول بشتى الطرق أن تجعل حياة أدالجيسا فصلاً من الجحيم.

يعزم بوليون تدمير الدين الذي تتبعه نورما وشعبها ومعبدهم، ولكن نورما تعلمه أن سقوط مدينتها جرى بسبب الفساد المتفشي داخلها... تظهر أدلجيسا الطرف الثالث من المعادلة وتصلي  للإله ذاته ليبقي حب بوليون لها متَّقِداً، فيتقدم بوليون إليها ويحاول إقناعها أن إلهها قاس يطلب منها أن تغادر معه إلى روما، ثم تقرر أدالجيسا الاعتراف للكاهنة الكبرى نورما بعلاقتها غير المشروعة وتطلب منها المغفرة وتسامحها نورما وتطلب منها ذكر اسم الرجل وحالما تنطق أدالجيسا باسم بوليون تُصاب نورما بالجنون، لكنها رغم ذلك لا تلقي اللوم على الراهبة أدالجيسا، بل على عشيقها الخائن، وتعِدُ أدالجيسا نورما بالابتعاد عنه نهائياً وأن تقنعه بالعودة إلى أولاده ونورما.

تفكر نورما في ثورة غضبها بقتل أطفالها لكنها تندم بشدة وتعود إلى صديقتها كلوتيد لتخبرها بأنها قررت الانتحار وأن عليها أخذ أطفالها إلى والدهم الحقيقي. تحاول أدالجيسا إصلاح الأمور، لكنَّ بوليون يؤكد على أنها حبه الحقيقي وأنه سيبعدها بأي شكل كان عن المعبد، وعند معرفة نورما بذلك تقرر بأن تعلن الحرب في كل مكان على الرومان.

في داخل المعبد يؤتى بشخص مقيد بالأغلال لنورما، وليس هو إلا بوليون ويُقِر بأنه حاول خطف أدالجيسا، فتستل نورما سيفاً لتقتل بوليون لكنها لا تستطيع، وتخبره بأنها ستحرق أدالجيسا، فيركع بوليون مترجياً إليها ألا تؤذيها.

تستدعي نورما الكهنة إلى القاعة وتخبرهم بأن هناك كاهنة مذنبة يجب أن تُحرق حتى الموت لتخليها عن رهبانيتها، وعند سؤالهم عن اسم الراهبة تلك فلا تلفظ إلا اسمها "نورما"... عند ذلك يندم بوليون على تخليه عنها ويشعر بالذنب

فتلقِي بنفسها في النيران بجانب بوليون عسى أن تحظى بجانبه بحياة أفضل في العالم الآخر.

Casta Diva:  آريا “كاستا ديفا” بصوت السوبرانو ماريا كالاس

هنا

المشهد الأخير من نورما, و تؤدي دور نورما السوبرانو جون ساذرلاند:

هنا

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا