البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

حياة أطول وأكثر صحة؛ هل لا تزال أسطورة؟

اكتشف فريق من الباحثين بقيادة الدكتور جان غروبر قدرة تركيبة دوائية على زيادة العمر السليم في الدودة المجهرية Caenorhabditis elegans؛ اختصارًا: C. elegans، وتأخير مُعدَّل الشيخوخة فيها أيضًا؛ وهو اكتشاف يمكن أن يعني حياةً أطولَ وأكثر صحة للإنسان يومًا ما.

نُشرت الدراسة في مجلة Developmental Cell؛ والتي من شأنها أن تضع أساسًا مهمًّا للمزيد من الأبحاث بهدف تصميم تركيبات دوائية أخرى تُعطي التأثيرات نفسها عند الثدييات.

يقول الدكتور غروبر: "تُواجه العديد من دول العالم مشكلات ترتبط بالشيخوخة السكانية، وإذا استطعنا إيجاد طريقة لإطالة العمر السليم وتأخير الشيخوخة عند البشر؛ فيمكننا مواجهة الآثار الضارَّة الناتجة عن الشيخوخة السكانية؛ الأمر الذي يُوفِّر للبلدان نوعية حياة أفضل لشعوبهم، إضافة إلى الفوائد الطبية والاقتصادية".

أراد الفريق البحثي أن يعرف إلى أيِّ مدى يُمكن تمديد العمر السليم؛ وذلك عن طريق الجمع بين أدوية تستهدف عدة مسارات (تتحكَّم بآليات بيولوجية مُعيَّنة) معروفة بتأثيرها على مدة الحياة. فعلى سبيل المثال: يُعطى المركَّب الدوائي rapamycin حاليًّا للمرضى بعد عمليات زراعة الأعضاء بهدف منع جهاز الجسم المناعي من رفض الأعضاء المزروعة. ولكن أظهرت التجارب السابقة التي أجرتها مجموعات بحثيَّة أخرى أنه يُطيل عمر العديد من الكائنات الحية، متضمنة ديدان C.elegans وذباب الفاكهة والفئران.

أعطى الفريق البحثي مزيجًا من مُركَّبين أو ثلاثة مركبات تستهدف مسارات مختلفة للشيخوخة عند ديدان C.elegans؛ وأظهرت النتائج أنَّ اثنين من التراكيب الدوائية على وجه الخصوص قد حقَّقت تأثيرًا تآزريًّا واستطاعت إطالة مُتوسِّط العمر عند الديدان أكثر من إعطاء كل مُركَّب على حدة، وفي مزيج أُضيف له مركبٌ ثالث؛ تضاعف مُتوسِّط الأعمار تقريبًا. إنَّ هذا التأثير أكبر من أيِّ تمديد للعمر مُسجَّل سابقًا لأيِّ تدخُّل دوائي في الحيوانات البالغة.

لم يكن للمعالجات الدوائية أية آثار ضارَّة وسلبية على صحة الديدان؛ إذ اكتشف الباحثون أنَّ الديدان التي عُولِجت كانت أكثر صحة في جميع الأعمار وتعيش في صحة جيدة لنسبة أكبر من أعمارها التي أُطيلت أساسًا. وحسب رأي الدكتور غروبر فإنَّ هذه نقطة مهمة في حال تطوير تداخلات دوائية للشيخوخة عند البشر في المستقبل؛ إذ إنَّ زيادة الفترة الصحية -وليس زيادة العمر فقط- سيكون لها فوائد طبية واقتصادية كبيرة، ولن تقتصر الفائدة على مدة حياة أطول فحسب؛ بل سننفق المزيد من تلك السنوات في حالة صحية جيدة وخالية من الأمراض المرتبطة بالتقدم في العمر مثل التهاب المفاصل أو أمراض القلب والأوعية الدموية أو السرطان أو مرض ألزهايمر؛ إذ تتطلَّب هذه الأمراض علاجات باهظة حاليًّا، وبهذا فإنَّ الفوائد الاقتصادية -في حال البقاء في صحة أفضل وفترة أطول- ستكون هائلة. وأشار الدكتور غروبر إلى دراسة أُجريت عام 2017 أثبتت أنه إذا انخفض مُعدَّل شيخوخة المواطنين في الولايات المتحدة بنسبة 20٪ فإن الحكومة الأمريكية ستوفِّر 7.1 تريليون دولار أمريكي من تكاليف الصحة العامة على مدار الخمسين عامًا القادمة.

وعند معاملة نوع من ذباب الفاكهة Drosophila melanogaster بمزيج مُماثل للمستخدم آنفًا؛ لُوحِظ حدوث إطالة كبيرة للعمر.

يُشير الحصول على النتائج نفسها عند هذه الكائنات المُتباعدة تطوريًّا إلى أنَّ الآليات البيولوجية التي تُنظِّم تفاعلات هذه الأدوية مع مسارات الشيخوخة هي آليات قديمة تطوريًّا؛ ما يُرجّح أنَّ التفاعلات المُماثلة مع مسارات الشيخوخة في البشر يمكن استهدافها أيضًا.

ويقول الدكتور غروبر: "إنَّ هذه الدراسة هي دليل على صحة المبدأ؛ إذ تبيَّن أنَّ التدبير الدوائي الذي يستهدف مسارات مُتعدِّدة للشيخوخة هو استراتيجية واعدة من أجل إبطاء الشيخوخة وتمديد فترة الحياة السليمة لدرجة كبيرة عند الحيوانات البالغة".

ستركز خطوات هذا البحث التالية على ثلاثة مجالات واسعة؛ إذ يتضمن المجال الأول توسيعَ نطاق هذه الطريقة بهدف تصميم تدابير أكثر فعالية من تلك التي طُوِّرت في هذه الدراسة، أما المجال الثاني فيتضمن تحديد الآليات الجزيئية والبيولوجية لكيفية تفاعل الأدوية لتأخير الشيخوخة وزيادة العمر من أجل تطوير نماذج حاسوبية لمُحاكاة هذه التفاعلات؛ الأمر الذي يسمح للباحثين باختبار آلاف التركيبات الأخرى عن طريق النمذَجة الحاسوبية، أما الهدف النهائي لهذا المحور البحثي فهو تطوير تدابير دوائية آمنة بما يكفي لإبطاء الشيخوخة لدى البشر؛ وهو الهدف الذي تسعى إليه العديد من فرق البحث الأخرى في أنحاء العالم.

مصادر المقال

هنا