الطب > مقالات طبية

التليُّف الرئوي Pulmonary fibrosis؛ أسبابه وأعراضه ومُضاعفاته. (الجزء الأول)

في هذا المقال؛ سنشرح التليُّف الرئوي وتأثيره في التنفس وأعراضه ومُضاعفاته، لكننا نُؤكِّد أنَّ المعلومات الموجودة فيه تهدف إلى التثقيف ولا تعيض عن الاستشارات الطبية التخصصية.

تابع معنا لتتعرف إلى أحد أهم الأمراض التي تُصيب الرئتين.

يُعرَّفُ التليُّف الرئوي بأنه الحالة التي يُصبح فيها نسيج الرئة متندِّبًا ومُتسمِّكًا ومُتصلِّبًا؛ إذ يُصنَّف ضمن أمراض الرئة الخلالية (تعود كلمة الخلالية إلى الخلال Interstitium؛ وهو الشبكة النسيجية التي تدعم الأكياس الهوائية الصغيرة أو الأسناخ الموجودة في الرئتين)؛ إذ يحدث التسمُّك والتندُّب في الخلال.

يُعدُّ مصطلح "التليف الرئوي" مصطلحًا واسعًا يُغطي مختلف الحالات التي يحدث فيها تراكم الندوب في الرئة، فيؤدي ذلك بدوره إلى جعل الرئة قاسية وأقل مرونة وقدرة على الحركة وسحب الأكسجين من الهواء، وبهذا مع تفاقم الإصابة وتزايدها سوءًا؛ يزداد معها شعور المريض بضيق التنفس.

هناك أنواع مختلفة من التليُّف الرئوي، ثم إنه تتعدَّد العوامل التي قد تُسبِّب الندوب المرتبطةَ بالتليُّف الرئوي، ولكن لا يستطيع الأطباءُ تحديد سبب المشكلة في معظم الحالات، عندها يُطلَق على هذه الحالة اسم التليُّف الرئوي المجهول السبب Idiopathic Pulmonary Fibrosis IPF؛ و هو النوع الأكثر شيوعًا.

لا يمكن إصلاح الضرر الناجم عن التليُّف الرئوي، ولكن؛ يُمكن أن تُساعد الأدوية والعلاجات على تخفيف الأعراض وتحسين نوعية الحياة في بعض الأحيان، مع وجود بعض الحالات التي قد يحتاج فيها المرضى إلى زرع رئة.

كيف يُؤثِّر التليُّف الرئوي في التنفس؟

يدخل الهواء في أثناء الشهيق عبر الأنف أو الفم، ثم إلى الأسفل مرورًا بالحنجرة إلى الرغامى، وكما نعلم أنَّ الرغامى تنقسم إلى أنبوبين هوائيين (القصبتان الهوائيتان)، يمرَّ الهواء عبر القصبتين إلى داخل الرئتين، وتنقسم هذه القصبتان مرارًا وتكرارًا إلى آلاف الممرَّات الهوائية الأصغر المعروفة باسم القُصيبات والتي تنتهي بعديدٍ من الأكياس الهوائية الصغيرة تُسمَّى الأسناخ. يتحرَّك الأوكسجين من داخل هذه الأكياس الهوائية وعبر جدرانها الرقيقة إلى الشُّعيرات الدموية، ثم إلى الأوعية الدموية الأكبر. وبالعكس؛ تلتقط الأكياس الهوائية غاز ثاني أكسيد الكربون من الدم كي تطرحه في عملية الزفير.

في حال وجود تليُّف رئوي؛ يملأ التندُّب الفجوات بين الأكياس الهوائية وحولها (أي الخلال) ويحدُّ من كمية الأوكسجين التي تصل منها إلى الدم، وكلما ازداد النسيج الندبي تُصبح الرئتان أقل قدرة على التمدُّد من أجل أخذ نفَس عميق، فيبدأ مستوى الأوكسجين في الدم بالانخفاض.

ما أسباب التليُّف الرئوي؟

تتعدَّد العوامل التي قد تُؤدِّي إلى تطور التسمُّكات وظهور النسيج الندبي في الخلال الداعم للأسناخ الرئوية، فتُمثِّل هذه العوامل مُسبِّبات الإصابة بالتليُّف الرئوي، وتتضمَّن:

1. العوامل المهنية والبيئية:

يُمكن أن يُسبِّب التعرض الطويل الأمد لعدد من السموم والمُلوثات ضررًا بالرئتين؛ كالتعرض لغبار السيليكا وألياف الأسبست وغبار المعادن الصلبة وغبار الفحم وغبار الحبوب وفضلات الطيور والحيوانات.

2. العلاج بالأشعة:

قد تظهر لدى بعض الأشخاص الذين يتلقَّون العلاج الإشعاعي من أجل سرطان الرئة أو سرطان الثدي علاماتٌ تُشير إلى تأذي الرئة بعد أشهر أو بعد سنوات من العلاج الأولي في بعض الأحيان.

3. الأدوية:

يُمكن أن تُسبِّب العديد من الأدوية ضررًا بالرئتين؛ مثل: أدوية العلاج الكيميائي (المُصمَّمة لقتل الخلايا السرطانية) كالميثوتريكسات methotrexate والسيكلوفوسفاميد cyclophosphamide، وأدوية القلب (بعض الأدوية المُستخدَمة لعلاج عدم انتظام ضربات القلب) كالأميودارون amiodarone، وبعض المضادَّات الحيوية مثل نيتروفورانتوين nitrofurantoin أو إيثامبوتول ethambutol، وبعض الأدوية المضادَّة للالتهاب مثل ريتوكسيماب rituximab أو سلفاسالازين sulfasalazine.

4. بعض الحالات الطبية:

يُمكن أن ينتجَ تلفُ الرئة عن عدد من الحالات أيضًا؛ متضمة:

الالتهاب الجلدي العضلي والالتهاب العضلي المُتعدِّد ومرض النسيج الضامِّ المُختلط والذئبة الحمامية الجهازية والتهاب المفاصل الروماتيدي والساركوئيد وتصلُّب الجلد وذات الرئة.

أما فيما يخصُّ التليُّف الرئوي المجهول السبب IPF -وهو الأشيع- فقد كوَّن الباحثون عددًا من النظريات عما قد يُحرِّض على الإصابة به، مُتضمنة الفيروسات والتعرض لدخان التبغ، إضافة إلى الوراثة التي وُجِد بأنها قد تُؤدي دورًا في ذلك أيضًا.

ثم إنه لُوحِظ أنَّ كثيرًا من المصابين بالتليُّف الرئوي المجهول السبب قد يكونون مصابين بالجزر المَعديِّ المريئيِّ GERD؛ وهي حالةٌ يحدث فيها تدفُّق الحمض من المعدة إلى المريء؛ إذ تهدف الأبحاث الحالية إلى معرفة ما إذا كان الجزر المعديِّ المريئيِّ يُشكِّل عاملَ خطر مُؤهّب للإصابة بالتليُّف الرئوي المجهول السبب أو مسؤولًا عن تطور الحالة السريع؛ إذ لا يزال هناك حاجة إلى المزيد من البحوث لتحديد نوعية العلاقة بينهما.

ما أعراض التليُّف الرئوي؟

1- العرض الأول الذي يُلاحظه الأفراد هو الشعور بضيقٍ في التنفس عند ممارسة الأعمال المُجهدة مثل صعود الدرج؛ ولكن مع تطور المرض قد يشعر المريض بضيقٍ في التنفس باستمرار وليس عند الحركة فقط.

2- السعال المُستمرُّ والشعور بالتعب الشديد طوال الوقت.

3- يمكن أن يُصاب بعضُ الأشخاص المصابين بالتليُّف الرئوي بالحمى أو فقدان الوزن أو قد يعانون آلامًا في العضلات والمفاصل أيضًا.

4- هناك سِمَة مميزة للتليّف الرئوي أيضًا يُطلق عليها اسم تبقرط الأصابع Clubbing؛ إذ يتغير شكلُ الأظافر وتُصبح ناعمةً جدًّا ولينة، وتنتفخ أطراف أصابع اليدين والقدمين، ويمكن أن يترافق التبقرط مع حالاتٍ رئويةٍ أخرى أو نتيجةَ بعض أمراض القلب أو الكبد.

ما مضاعفات التليُّف الرئوي؟

1- ارتفاع ضغط الدم في الرئتين (ارتفاع ضغط الدم الرئوي Pulmonary Hypertension): تُؤثِّر هذه الحالة في شرايين الرئتين فقط، وتبدأ عندما يضغط النسيج الندبي على أصغر الشرايين والشُّعيرات الدموية؛ الامر الذي يُسبِّب زيادةَ مقاومة تدفُّق الدم في الرئتين، وهذا بدوره يزيد الضغطَ داخل الشرايين الرئوية والبُطين الأيمن المسؤول عن ضخِّ الدم إلى هذه الشرايين.

2- فشلُ القلب الأيمن (أو القلب الرئوي Cor pulmonale): تحدث هذه الحالة الخطيرة عندما يضطرُّ البُطين الأيمن إلى الضخٍّ بقوة أكبر من المُعتاد لنقل الدم عبر الشرايين الرئوية المغلقة جزئيًّا.

3- فشلٌ تنفسيٌّ: ويحدث في المرحلة الأخيرة من مرض الرئة المُزمن غالبًا؛ أي عندما تنخفض مستويات الأوكسجين في الدم على نحو خطير.

4- سرطان الرئة: إذ يزيد التليُّف الرئوي الطويل الأمد خطرَ الإصابة بسرطان الرئة.

5- مُضاعفات أخرى تظهر مع تقدُّم المرض: مثل تجلُّط الدم في الرئتين أو عداوى الرئة أو انخماص الرئة.

وبهذا؛ نختتم الجزء الأول من مقالنا عن التليُّف الرئوي، وسنعرض في الجزء الثاني مراحلَ المرض والعوامل التي قد تزيد خطرَ الإصابة وأساليب التشخيص والعلاج والإنذار.

المصادر:

هنا 

هنا 

هنا 

هنا