علم النفس > الصحة النفسية

هل سيحُدِث Acetyl-L-Cartinine ثورة في تشخيص الاكتئاب وعلاجه؟

على الرّغم من إثبات العلم أن أساس الأمراض النفسية هو بيولوجي حتمًا، لكن اعتمد تشخيصها -على مدى العصور- على المقابلات السريرية في العيادات واستبعاد الأمراض العضوية الأخرى؛ وذلك لسبب واحد وهو عدم التَوصُّل إلى اسم حيوي نوعيّ خاص بكل مرض نفسي؛ إذ يمكن يمكن تشخيص داء السكري بتحليل بسيط لسكر الدم، ويمكن إثبات حدوث نوبة قلبية بتخطيط القلب الكهربائي، وأمّا الداء الاكتئابي؛ فيُشخَّصُ تشخيصًا رئيسيًّا عن طريق مجموعة من الأسئلة الموجهة المُركَّزة عن المشاعر والمزاج والوجدان، أو هكذا كانت الحال حتى مؤخرًا، فما الذي تغير اليوم؟

توصَّلت مجموعة من العلماء إلى تحديد مُركَّب كيميائي قد يُحدِث ثورة في تشخيص الاكتئاب؛ المرض الذي يُعَدُّ من أهم الأمراض المسببة للعجز عالميًّا، فقد قدَّمت الباحثة Carla Nasca مع زملائها المركب Acetyl-l-cartinine أو  - اختصارًا- (ALC) على أنه سيكون المُركَّب المُستهدَف في علاج الاكتئاب وتشخيصه مستقبلًا.

إنَّ الـ ALC جُزيئة تُصنَّع داخليًّا في الجسم وتُشتق من الحمض الأميني اللايسين-Lysine، ويمكن الحصول عليها من الغذاء، ولها دور في  تزويد الخلايا بالطاقة اللازمة لعملها من خلال استقلاب الحموض الدسمة لنقلها إلى الميتوكوندريا.

وقد أظهرت الدراساتُ الأثرَ المفيد لمشتقات الـ Cartinine في بعض الأدواء منها للأمراض الوعائية والقلبية والقصور الكلوي وحتى الزهايمر.

ونُشرت عام 2015 دراسة في مجلة Neuroscience أشارت إلى أثر ALC  المضاد للاكتئاب في الفئران ووصفته بـ "السريع"، فتوالت الدراسات على القوارض على مدى السنين المتوالية لتُنشر دراسة Nasca التي أظهرت هذا الأثر لدى البالغين من البشر.

وقد قارنت الدراسة الأخيرة المستويات الدموية للـ ALC  لدى 71 فرد مصاب بالاكتئاب بـ 45 فرد غير مصاب بالاكتئاب؛ أوردت الدراسة: كانت مستويات الـ ALC  لدى الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب أقلّ على نحو ملحوظ من المجموعة الثانية، وليس ذلك فحسب؛ بل كان مستوى ALC في الدم يتناسب عكسيًّا مع الاكتئاب؛ بمعنى أنه كلما كان تركيزه الدموي أقل كلّما كانت شدة الاكتئاب أكبر!

والمثير للاهتمام أنه من بين 71 مريض اكتئاب كان هناك 43 منهم ممّن يعانون الاكتئاب الحاد، وهؤلاء هم من سجلوا أقل التراكيز الدموية للـ ALC، وتُعَدُّ النتيجة السابقة  ذات أهمية بالغة؛ فهي تحمل أملًا بوجود فحص دموي في القريب يساعد الأطباء النفسيين في تقييم شدة اكتئاب المريض ووضع الخطة العلاجية الأنسب له.

وقد دفعت النتائج السابقة جميعها  إلى التساؤل عن أثر تعويض الـ ALC دوائيًّا في التخفيف من الاكتئاب وعلاجه، وهذا ما حفّز Nasca  لتجربة ذلك سريريًّا على القوارض، وهي من المراحل الأولى في اختبار أيّ دواء قبل تجربته سريريًّا على البشر.

وأكدت النتائج مجددًا هنا ما وُجد مسبقاً؛ إذ لوحِظ  تحسن دائم و سريع في الأعراض الاكتئابية، على العكس من جميع الأدوية المضادة للاكتئاب المتوافرة حاليًّا والتي تتطلب شهورًا لتحدث أثرًا فعالًا في الأعراض الاكتئابية.

توالت التجارب بعد ذلك على البشر، وفي مراجعة منهجية نُشرت عام 2018 لـ 12 تجربة سريرية منضبطة معشاة شملت جميعًا 791 مريضاً؛ تم تأكيد الأثر الإيجابي للـ ALC لدى مرضى الاكتئاب،

وقد أشارت إلى أفضلية العلاج بتعويض ALC دوائيًّا على العلاج بمضادات الاكتئاب التقليدية؛ إذ أحدَثَ الأول آثارًا جانبية أقل من الثاني.

إذًا؛ كيف يعمل هذا الدواء السحري على تعديل الاضطراب الاكتئابي بهذه السرعة؟

تقترح النظرية الأقوى حاليًّا أن للـ ALC  دورًا في تنظيم التعبر الجيني للجينات المُرمَّزة  المهمة من أجل المركبات المسؤولة عن مرونة المشابك العصبية، وتُساعد هذه المركبات الدماغ في تعزيز بقاء هذه المشابك أو تخريب مشابك عصبية وبناء  أخرى جديدة؛ إضافة إلى تعزيز الإجراءات التي تعمل كمضادات للاكتئاب، وبالنسبة إلى مرضى الاكتئاب؛ هذه العملية معطوبة، فإصلاحها بإضافة الـ ALC يمكن أن يُحسِّن من حالتهم تحسُّنًا ملحوظًا.

الطريق طويل، ولكن البداية مشرقة والجهود حثيثة في دراسةِ مدى إمكانية استخدام الـ ALC لتشخيص الاكتئاب وتحديد إنذاره، وعلى الرغم من أن فكرة العلاج بالـ ALC قد تبدو واعدة لدرجة كبيرة؛ لكنَّ هذا المركب يحتاج لأن يخضع لدراسات أكثر تعمقًا ومراحل مخبرية، وربما في نهاية المطاف لتجارب سريرية على أعداد كبيرة من المرضى لتوثيق الأثر الناتج عنه بدِقّة، فضلًا عن تحديد جرعته المناسبة، وكذلك الفئات التي يمكن أن تستفيد منه أكثر من غيرها، إضافةً إلى دراسة الآثار الجانبية قريبة الأمد وبعيدة الأمد الناجمة عن العلاج به؛ ممّا سيؤخر توافره في الصيدليات ووصفه من قبل الأطباء في حال حدوث هذه الخطوة.

مصادر المقال

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا