الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

مُنحنى عائدات السندات وفعاليته في التنبؤ بالمتغيراتِ المستقبليَّة "الجزء الثاني".

سنتعرف في هذا الجزء إلى مُنحنى عائدات السندات وأنواعه وكيفية قراءة كل منها.

المنحنى البياني لعائدات السندات: هو التمثيل البياني لعائداتِ سنداتٍ لديها نسبة المخاطر نفسها (صادرة عن الشركة نفسها مثلًا) ونسبة لتواريخ استحقاقها المختلفة.

قراءة منحنى العائدات:

يُستخدَم مصطلح منحنى العائدات عادة للدلالة على عائدات سندات الخزينة الأمريكية بالترتيب من أقصرها أمدًا إلى أطولها. فيصِف منحنى العائدات علاقة معدلات الفائدة للسندات بتواريخ استحقاقها المختلفة، وعادة ما تُمَثَّل هذه العلاقة بيانيًا؛ إذ تكون تواريخ الاستحقاق على المنحنى الأفقي (س) والعائدات الخط العمودي (ع).

يُبيِّن المثال الآتي منحنى عائدات سندات الخزانة الأمريكية بتاريخ 11-12-2015

يُظهر منحنى العائدات أعلاه أنَّ العائدات للسندات ذات تواريخ الاستحقاق القصيرة الأجل هي أقل من العائدات على السندات ذات تواريخ الاستحقاق الطويلة الأجل؛ إذ تزداد العائدات تدريجيًّا كلما طالت فترة استحقاق السند.

ونستطيع أنْ نبني نقاطًا مستقبلية على منحنى العائدات عند فهم العلاقة بين معدل العائد للسندات وتواريخ استحقاقها، وبها نبني تصوّرًا إجماليًّا عن النشاطات الاقتصادية ومعدلات الفائدة المستقبلية.

الصورة الآتية هي مثال لمنحنى عائدات لشهر كانون الأول 2008

سندات الخزينة الأمريكية.

يُشير انحدار منحنى العائدات هذا إلى توقعات سوق السندات عن الحركة المستقبلية لمعدلات الفائدة القصيرة الأمد (التي تعكس النشاط الاقتصادي ومعدل التضخم المستقبلي)، ويُدعى منحنى العائدات هذا بمنحنى العائدات المقلوب على المدى القصير، وهو يشير إلى أنَّ معدلات الفائدة القصيرة الأمد ستنخفض في غضون السنتين القادمتي،ن وهذا يعني انخفاضًا مُتوقَّعًا في الاقتصاد الأمريكي.

ملاحظة: لا يجب أنْ يُستخدَم المثال أعلاه لاستنتاج أنَّ السوق يَتوقع معدلات الفائدة بعد سنتين من الآن ستكون 2.7% (عائدات السندات لاستحقاق سنتين للمنحنى البياني أعلاه)، فهناك أدوات أخرى تُستخدَم للتنبؤ بمعدلات الفائدة في تاريخ معين وبصورة أوضح.

وإنَّ أهم استخدام لمنحنى العائدات هو بناء توقعات عامة وليس التنبؤ بمعلومات دقيقة.

وتعني العائدات على المنحنى لفترة استحقاق سنتين أنه "الآن" معدل الفائدة "السوقي" لسند يستحق بعد سنتين هو 2.7%.

أنواع منحنيات عائدات السندات:

هناك عدة أنواع لمنحنيات السندات: المنحنى الطبيعي – والمنحنى شديد الانحدار – والمنحنى المقلوب – والمنحنى المسطح، موضحة جميعها فى التمثيل البياني الآتي:

المنحنى الطبيعي:

كما نرى بتتبع المنحنى البرتقالي؛ فإنَّ منحنى العائدات الطبيعي يبدأ بعائدات صغيرة للسندات ذات فترات الاستحقاق القصيرة الأمد، وتزداد العائدات بازدياد فترة الاستحقاق، فيكون اتجاه منحنى العائدات الطبيعي من الأسفل الى الأعلى، ولكنْ عند الوصول إلى أطول فترات استحقاق السندات يُصبح المنحى مسطَّحًا على نحو مستمر.

ويُستدَل من اسم هذا المنحنى "الطبيعي" أنَّه النوع الشائع لمنحنى العائدات.

إنَّ السندات ذات تواريخ الاستحقاق الطويلة لديها عائدات أكبر من السندات ذات تواريخ الاستحقاق الأقصر، فعلى سبيل المثال: السندات الآتية ستُشكِّل منحنى عائداتٍ طبيعي عند تمثيلها بيانيًّا: سند بتاريخ استحقاق سنتين وبعائدات 1%، وسند بتاريخ استحقاق خمس سنوات وعائد 1.8%، وسند بتاريخ استحقاق عشر سنوات بعائد 2.5%، وسند بتاريخ استحقاق 15 سنة وعائد 3%، وسند بتاريخ استحقاق عشرين سنة وعائد 3.5%.

يعكس هذا النوع من منحنى العائدات حالةً اقتصادية مستقرة ستكون السائدة لأطول فترة خلال الدورة الاقتصادية الكاملة.

المحنى شديد الانحدار:

كما نرى بتتبع المنحنى الأزرق؛ فإنَّ شكل منحنى العائدات شديد الانحدار يُشبه شكل المنحنى الطبيعي، ولكنْ يختلف عنه بشيئين رئيسيين: الأول، أنه عند الوصول إلى أطول فترات استحقاق لا ُيصبح المنحنى مسطحًا بل يستمر في الارتفاع؛ أي تستمر العائدات في الارتفاع، أما الفرق الثاني فهو أنَّ العائدات أكبر مما هي عليه في منحنى العائدات الطبيعي لفترات الاستحقاق نفسها.

يُخبرنا هذا النوع من منحنى العائدات أنَّ الاقتصاد ينمو ويتجه نحو تحسنات إيجابية، وتكون هذه الحالة مترافقة مع معدلات تضخم مرتفعة والتي تنتج عنها عادة معدلات فائدة مرتفعة، وقد يَطلب المُقرضون عوائد أكبر على أموالهم المُقرَضة لتغطية التضخم، مما ينعكس على المنحنى ويجعله أشد انحدارًا. إنَّ السندات بفترات استحقاق أطول لذلك تصبح أكثر مخاطرة فتدفع عوائد أكبر.

المنحنى المُسطَّح:

ويُدعى بالمنحنى الأحدب أيضًا، وينتج عندما تكون العائدات متساوية تقريبًا لجميع فترات الاستحقاق، وقد يكون لبعض نقاط فترات الاستحقاق عائدًا أعلى قليلًا من غيرها مما يُسبب ظهور بعض الحدبات في المنحنى، وتظهر هذه الحدبات عادة في السندات ذات فترات الاستحقاق المتوسطة الأجل (من ستة أشهر إلى سنتين).

وُيستدل من الاسم "مسطح" أنَّ السندات ذات تواريخ الاستحقاق المختلفة يكون لها العائدات نفسها، فعلى سبيل المثال: السندات الآتية ستُشكِّل منحنى عائدات مسطح عند تمثيلها بيانيًا: سند بتاريخ استحقاق سنتين وبعائدات 6%، وسند بتاريخ استحقاق خمس سنوات وعائد 6.1%، وسند بتاريخ استحقاق عشر سنوات بعائد 6%، وسند بتاريخ استحقاق عشرين سنة وعائد 6.05%.

يخبرنا هذا النوع من منحنى العائدات أنَّ الوضع الاقتصادي غامض/غير مؤكد، فهذه الحالة تحدث عند انتهاء فترة نمو -مثلًا- إذ تكون معدلات التضخم مرتفعة ويكون هناك تَخوُّف من انحدار اقتصادي، أو في فترات ترقُّب كتلك التي ترافق التوقعات بأن البنك المركزي سيزيد أسعار الفائدة فلا يمكن تحديد العائدات لفترات الاستحقاق المختلفة في توقف التعامل (حركة البيع والشراء) حتى صدور قرار البنك المركزي.

المنحنى المقلوب:

كما نرى بتَتبُّع المنحنى الأصفر، فإنَّه معاكس للمنحنى الطبيعي؛ إذ يتجه من الأعلى الى الأسفل، فإنَّ منحنى العائدات المقلوب يبدأ بعائدات كبيرة للسندات ذات فترات الاستحقاق القصيرة الأمد وتنخفض العائدات بازدياد فترة الاستحقاق والعكس بالعكس، فعلى سبيل المثال: السندات التالية ستُشكِّل منحنى عائدات مقلوب عند تمثيلها بيانيًّا: سند بتاريخ استحقاق سنتين وبعائدات 5%، وسند بتاريخ استحقاق خمس سنوات وعائد 4.5%، وسند بتاريخ استحقاق عشر سنوات بعائد 4%، وسند بتاريخ استحقاق 15 سنة وعائد 3.5%.

إنَّ منحنى العائدات المقلوب نادر الحدوث وهو يدل بقوّة على انحدار اقتصادي حاد جدًّا، وقد دلَّ حدوث هذا المنحنى تاريخيًّا على حدوث الركود اقتصادي.

الدِّقة التاريخية لمنحنى العائدات:

يتغير شكل منحنى العائدات عند تدخل الظروف الاقتصادية وتِبعًا للتطورات على مستوى الاقتصاد الكلي، مثل تغيرات أسعار الفائدة والتضخم والناتج الصناعي والناتج المحلي الإجمالي والميزان التجاري.

ولا يمكن استخدام منحنى العائدات للتنبؤ بالرقم الدقيق لمعدلات الفائدة والعائدات، ولكن بتتبع تغيرات المنحنى تتبّعًا دقيقًا يمكن توقع التغيرات الاقتصادية القصيرة و المتوسطة الأمد والاستفادة من التنبؤ بها قبل حدوثها.

ومن النادر جدًّا حدوث المنحنى المقلوب؛ إذ إنَّ المنحنى الطبيعي هو السائد عادةً، ويتشكل كل من المنحنى المسطح والشديد الانحدار تشكُّلًا متكررًا مما يعطي قوة لمنحنى العائدات للتنبؤ بالمتغيرات الاقتصادية بدراسة شكله.

كان منحنى شهر تشرين الأول لعام 2007 مُسطّحًا، وتلاه ركود اقتصادي عالمي في أواخر عام 2008، وبعدها أصبح المنحنى شديد الانحدار وذلك يدل على فترة النمو الاقتصادي القادمة، وذلك تبعًا لتقليل الحكومة الفدرالية العرض النقدي مما رفع معدلات الفائدة.

استخدام منحنى العائدات للاستثمار:

تُعَدُّ ترجمة انحدار منحنى العائدات أداة فعالة جدًّا لاتخاذ قرارات الاستثمار في مختلف الأصول، فعلى سبيل المثال: إذا كنت تستثمر في الأسهم وكان منحنى العائدات يشير إلى بطء اقتصادي في غضون السنوات القليلة القادمة؛ فربما عليك أنْ توزع استثماراتك في أسهم شركات أثبتت أداءً جيدًا في فترات بطء اقتصادي سابقة مثل شركات السلع الاستهلاكية، أما إذا أشار منحنى العائدات إلى أنَّ معدلات الفائدة سترتفع في السنوات القليلة القادمة؛ فإنه عليك أنْ توزع استثماراتك في أسهم شركات دورية/ فصلية، كشركات السلع الفخمة وشركات السلع الرفاهية.

وتستطيعُ استخدام قوة انحدار منحنى العائدات أيضًا إذا كنت من المستثمرين بسوق العقارات، فإنَّ بطء الأنشطة الاقتصادية قد يؤثر سلباً في أسعار العقارات، ويمكن أنْ يدلَّ الانحدار القوي في منحنى العائدات (يشير إلى التضخم في المستقبل) أنَّ أسعار العقارات سترتفع في المستقبل.

قد تكون من المستثمرين في سوق الأوراق المالية ذات الدخل الثابت (السندات) عندها تستخدم انحدار منحنى العائدات كما يأتي، مثلًا: إذا كان المتوقع اشتداد انحدار منحنى السندات مشيرًا إلى فترة نمو اقتصادي وإلى معدلات تضخم عالية فإنَّ المستثمر الذكي يميل إلى الاستثمار بالسندات القصيرة الأمد، لأنه لا يريد أنْ يحجز أمواله فترةً طويلة بعائد قد يتآكل نتيجة ارتفاع الأسعار، أما إذا كان من المتوقع أن يصبح منحنى العائدات مسطحاً فيزداد التخوف من ارتفاع التضخم وأن يدخل الاقتصاد في فترة ركود، فيستثمر المستثمر أمواله بأوراق مالية قصيرة الأمد وبسلة أسهم لأصول مختلفة ولأوراق مالية طويلة الأمد.

وتستطيع استخدام منحنى العائدات كذلك في اتخاذ قرار شراء سيارتك الجديدة، فبطء الأنشطة الاقتصادية يعني انخفاض مبيعات منتجي السيارات وهذا قد يؤدي إلى زيادة هذه الشركات للخصومات والحوافز على أسعارها لدفع المبيعات.

 

الخلاصة:

لا يجب أنْ تقتصر دراسة سوق السندات على مستثمري الأوراق المالية ذات الدخل الثابت، فقد برهنَ منحنى عائدات السندات تاريخيًّا قدرته على التنبؤ بالمتغيرات الاقتصادية في توجُّه العالم لسوق السندات في رؤية التغيرات المستقبلية للأنشطة الاقتصادية ولمعدلات الفائدة والتضخم وبمساعدة المستثمرين على اتخاذ قرارات مالية واسعة.

من الصعب جدًّا التغلب على السوق؛ لذلك فإن المستثمر الحكيم يوظف أدوات فعالة؛ مثل منحنى السندات؛ في الوقت المناسب؛ لمساعدته على اتخاذ قرار استثماري صائب، وتذكّرْ أنَّ التوقيت هو كل شيء.

المصادر:

هنا

هنا  

هنا     

هنا