الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

مُنحنى عائداتِ السندات، و فعاليته في التنبؤِ بالمتغيراتِ المستقبليَّة

الجزء الأول:

مُعدَّلاتُ الفائدةِ الطويلةِ والقصيرةِ الأمد وعائدات السندات.

 

مقدِّمةٌ عن سوقِ السندات وأسعارِ الفائدة:

إذا قُمتَ باستثمار أموالكَ في الأسهم؛ فإنه يجب عليك مراقبة سوق السندات، وإذا استثمرتَ أموالك في سوقِ العقارات؛ يجبُ عليك مراقبةُ سوقِ السنداتِ أيضًا، وإن استثمرت أموالك في سوقِ السندات؛ فبالتأكيد عليكَ مراقبةُ سوق السندات.

يُعدُّ سوقُ السندات من أقوى المؤشراتِ المستخدمةِ للتنبؤِ بالمتغيراتِ الاقتصادية ومستوياتِ التضخُّمِ المستقبلية؛ وبذلكَ يُستخدم سوق السندات للتنبُّؤِ بأسعارِ العقارات والأسهم وحتى أسعار الأدوات المنزلية.

سنناقشُ في هذا المقالِ أسعارَ الفائدةِ للسنداتِ قصيرةِ الأمد (قيمتها الاسميَّة تستحقُّ الدفع خلالَ خمسِ سنواتٍ أو أقل)، والسنداتِ طويلةِ الأمد (قيمتها الاسميَّة تستحقُّ الدفع خلال أكثرِ من خمسِ سنواتٍ)

 

تمهيدٌ عن أسعارِ الفائدة، وعائداتِ السندات:

ترتبط أسعارُ الفائدةِ وعائداتُ السنداتِ ببعضها ارتباطًا وثيقًا، ويُستخدمانِ على نحوٍ متبادلٍ في أغلب الأحيان.

سعرُ الفائدةِ هو معدُّلُ الفائدةِ على الأموالِ المُقترَضة، وبالنسبة إلى السندات؛ سعر الفائدة (ويطلق عليه معدل الكوبون) هو نسبةٌ سنويةٌ ثابتةٌ من القيمة الاسميَّة للسند، ولا يعكس سعرُ الفائدة العائداتَ الحقيقةَ للسند لأنَّ السنداتَ تُتَداوَلُ في الأسواقِ المالية بأسعارٍ تختلف عن القيمةِ الاسمية لأسبابٍ كثيرة.

كمثال؛ نفتَرضُ وجود سندٍ بقيمةٍ اسميةٍ تبلغُ 1,000$، و معدل كوبون يبلغ 7%؛ مما يعني أنَّ هذا السندَ يدفعُ للمستثمر 70$ سنويًا (عادةً تُدفع على نحوٍ نصف سنوي؛ أي 35$ كل ستة أشهر)، قد يتحدَّدُ سعر هذا السند بـ 900$ عند تداوله في السوقِ المالي، وبهذا ستكون عائداته 7.8% محسوبةً على النحو الآتي 900$/70$ = 7.8%، (70$ هي المبلغُ الثابتُ الذي يدفعهُ السند سنويًا)، فبالنسبة إلى مشتري السند بـ 900$ تكونُ نسبةُ العائدِ له 7.8% وليس 7% كمعدل الكوبون.

 

عائدُ السندات: هو معدَّلُ الخصمِ الذي يمكن استخدامه لتكونَ القيمةُ الحاليَّةُ لجميع التدفقات النقدية لهذا السند مساويةً لسعره بالسوق، وسعرُ السند هو مجموعُ القيم الحالية لكلِّ تدفُّقٍ نقديٍ سيدفعه السند.

التدفقات النقدية للسند: هي دفعاتُ الفائدة السنوية للسند، بالإضافة إلى القيمة الاسمية للسند عند انتهاء مدَّةِ استحقاقه.

القيمة الحالية: هي تعبيرٌ عن القيمة الزمنية للنقود، والذي يعكس مفهوم أنَّ قيمة مبلغٍ ما اليوم لا تساوي القيمة نفسها  بعد سنة، فهذا المبلغ يمكن استثماره؛ وبذالك ستكونُ قيمته أكبر بعد سنةٍ من الآن.

يُقاس العائد على السنداتِ عادةً خلالَ كاملِ فترة الاستحقاق، أي أنَّهُ يُفترض احتفاظُ المستثمر (شاري السند) بالسند حتى تاريخ استحقاقه، فبذلك يوفِّرُ مفهومُ عائدات السنداتِ حتى الاستحقاق معيارًا سنويًا قياسيًّا لعائدات هذا السند.

معدلاتُ الفائدة والعائداتِ قصيرة الأمد مقابلَ أسعارِ الفائدة والعائداتِ طويلةِ الأمد:

تُصدَرُ السندات بفتراتِ استحقاقٍ مختلفةٍ؛ فقد تكونُ فترة الاستحقاق قصيرةً كشهرٍ مثلًا، و قد تكون ثلاثينَ سنة.

من الضروريِّ في أثناءَ التحدُّثِ عن أسعارِ الفائدة أو العائدات فهمُ أن هناكَ معدلاتَ فائدةٍ قصيرة الأمد، ومعدلات فائدةٍ طويلة الأمد، وجميعَ الفترات (النقاط) بينهما.

جميعُ معدلاتِ الفائدة (طويلة وقصيرة الأمد) مرتبطةٌ ببعضها دومًا، ولكن هذا لايعني أنها تتحركُ دائمًا بالاتجاه نفسه، فعلى سبيلِ المثال؛ يمكنُ لمعدلات الفائدةِ قصيرةِ الأمد أن تتحرك نزولًا، بينما تتحركُ معدلات الفائدةِ طويلةِ الأمد صعودًا أو العكس. يساعدُ فهمُ العلاقة الحالية (السائدة في السوق) بين معدلات الفائدة قصيرةِ وطويلةِ الأمد وجميعِ الفترات (النقاط) بينهما في اتخاذ قراراتِ استثمارٍ مدروسة.

 

معدَّلاتُ الفائدةِ قصيرةِ الأمد:

تُدارُ معدلاتُ الفائدةِ قصيرةِ الأمد في العالم من قبلِ البنوك المركزيَّةِ للدول، ففي الولاياتِ المتحدة تحدِّدُ لجنةُ السوق المفتوحة لمجلسِ الاحتياطيِّ الفيدرالي معدلاتِ الفائدة الفيدرالية، ومعدلاتُ الفائدةِ الفيدرالية هي المؤشرُ لجميع معدلات الفائدة قصيرة الأمد الأخرى، في حينِ تقومُ لجنةُ السوقِ المفتوحةِ لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بتخفيضِ أو رفعِ معدلات الفائدة قصيرة الأمد كما تراه مناسبًا إمِّا لتشجيعِ أو لتثبيط الاقتراض من قبل الشركات والمستهلكين.

للاقتراض تأثيرٌ مباشرٌ على الأنشطة الاقتصادية، فإذا ارتأت لجنةُ السوق المفتوحة أنَّ الأنشطة الاقتصادية تتراجع؛ فإنَّه من الممكنِ أن تخِّفضَ هذه اللجنة معدلاتِ الفائدة الفيدرالية لتشجيعِ الاقتراض؛ وهذا يعني تحفيزَ الاقتصاد، لكن على لجنة السوق المفتوحة أن تعيرَ اهتمامها لمعدلاتِ التضخُّم عند تخفيضِ معدلاتِ الفائدة قصيرة الأجل؛ لأنَّ ابقاءَ هذه المعدلات منخفضةً فترةً طويلةٍ يعني ضخَّ كمياتٍ كبيرةٍ من النقودِ في السوق، ومع محدودية السلع في السوق؛ سيؤدي ذلك لارتفاع الأسعار (التضخم). إنَّ مهمَّة لجنةِ السوق المفتوحةِ بالتحكُّمِ بمعدلاتِ الفائدة قصيرة الأمد تنطوي على ازدواجية إبقاء معدلاتِ فائدةٍ منخفضةٍ لتشجيع النمو الاقتصادي ولكن بمستوىً مدروسٍ يضمن احتواء التضخم.

 

معدلات الفائدة طويلة الأمد:

بالمقارنة مع معدلاتِ الفائدةِ القصيرة الأجل التي تُدارُ من قِبَلِ البنوك المركزية للدول؛ فإنَّ معدلاتَ الفائدة طويلة الأجل تتحدَّدُ بفعل قوى السوق. إذ تتحدَّدُ على نحوٍ كبيرٍ بواسطةِ توقعاتِ السوق لمعدلات التضخم المستقبلية الناتجة عن المعدلاتِ الحالية للفائدة قصيرة الأجل، بمعنى أنَّهُ إذا ارتأى السوقُ أنَّ معدلاتِ الفائدةِ قصيرةِ الأجل الموضوعةُ من قبل لجنة السوق المفتوحة منخفضةٌ جدًا؛ سيزدادُ توقُّعُ ارتفاعِ معدلات التضخم المستقبلية؛ وهذا سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة طويلةِ الأجل لكي تكون قادرةً على تغطية الزيادة المتوقعة بالتضخم/بالأسعار (أي لتغطية الانخفاض بالقوةِ الشرائيةِ المرافقة للتدفقات النقدية المستقبلية للسندات، وهي دفعةُ استردادِ القيمة الاسمية للسند ودفعات الفائدة)

بالمقابل؛ إذا ارتأى السوقُ أنَّ معدلاتِ الفائدةِ قصيرة الأجل الموضوعةُ من قبلِ لجنة السوق المفتوحة مرتفعة جدًا، فإنَّ العكس سيحدث؛ إذ انَّ معدلاتَ الفائدةِ طويلةِ الأجل ستنخفض لأن السوق يتوقع انخفاض معدلات التضخم المستقبلية.

 

بعد أن تعرفنا إلى الفرق بين معدلات الفائدة وعائدات السندات، وإلى معدلات الفائدة لفترات استحقاقٍ مختلفةٍ قصيرةٍ وطويلةِ الأجل؛ سنعرضُ في الجزء الثاني من هذا المقال منحنى عائدات السندات وأنواعه وكيفية قراءة كل منها قراءةً تساعدنا في اتخاذ قراراتٍ استثماريةٍ فعالة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا