البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة

جينومات قديمة تُظهِر كيفية تأقلم الذُّرة مع الحياة على ارتفاعات عالية

أظهرت سَلسَلة جينومات عائدة لأكواز (عرانيس) ذُرة عمرها نحو 2000 سنة - وُجدَت في كهف في منطقة يوتاه - كيفيةَ تأقلم هذا النبات مع العيش في المرتفعات جنوب غرب الولايات المتحدة؛ إذ وجد الباحثون أنَّ الذُّرة كانت قصيرة وكثيفة، والأهم من ذلك أنها قد طوَّرت الصفات الوراثية التي تحتاجها من أجل البقاء على قيد الحياة في أثناء مواسم النمو القصيرة في المناطق ذات الارتفاعات العالية.

تلقى الذُّرة اهتمامًا كبيرًا عند علماء الوراثة الذين يبذلون جهودًا هائلة لفهم هذا النبات الذي يُعدُّ أحد أهمِّ المحاصيل الزراعية في العالم الحديث، ونُشِرَت مؤخّرًا دراسةٌ مُتفرِّدةٌ من ناحية مُعاينتها الصفات الوراثية المُعقَّدة التي تحكمها تفاعلات بين العديد من الجينات المختلفة، ويمكن استخدام المعلومات الناتجة عن الدراسة لإنشاء لمحة مُفصَّلة عن خصائص محصول ما كان قديمًا في طور الاستئناس لصالح الإنسان؛ الأمر الذي قد يُساعد مُربِّي النبات الحاليين في استنباط أصناف جديدة قادرة على مُقاومة  تغيُّر المناخ العالمي.

نشأت الذُّرة في المكسيك ومنها انتشرت بسرعة إلى السهول في جنوب غرب الولايات المتحدة منذ نحو 4000 سنة؛ ولكنَّ المجتمعات الموجودة في المرتفعات العالية لم تبدأ بزراعة هذا المحصول إلا بعد 2000 عام، وقد حيَّر هذا التأخيرُ طويلًا علماءَ الآثار الذين يدرسون هذه المنطقة، وجعلهم يتساءلون عن سبب عدم  زراعته في المرتفعات منذ البداية.

وللإجابة عن هذا السؤال توجَّه فريقٌ من الباحثين إلى موقع في كهف يوتاه يُسمَّى "Turkey Pen Shelter"؛ فقد عاش في هذا المكان مجتمعٌ زراعيٌّ منذ 2000 عام، وكان سكان الكهف يُربُّون الديك الرومي ويحترفون نسج السِّلال وصناعة الأحذية، ثم إنهم كانوا يمتلكون جميع الموارد اللازمة لمعالجة الذُّرة وتخزينها؛ إذ شكَّلت نحو 80% من نظامهم الغذائي، ومن المرجّح أنهم كانوا يستخدمونها في تحضير الحساء.

وسَلسَل الفريقُ البحثيّ جينومات خمسة عشر كوز ذرة تعود إلى 1900عام مضى مأخوذة من هذا المكان، وقارن الفريق تسلسلَها مع تلك الموجودة في قاعدة بيانات الجينوم والصفات الفيزيائية العائدة لـ 2600 صنف من الذُّرة الحديثة، ثم استخدم الباحثون تلك المعلومات من أجل استقراء الخصائص الفيزيائية لنباتات الذُّرة التي عاشت قديمًا في تلك المنطقة، بما في ذلك الصفات المُعقَّدة مثل وقت الإزهار.

وقد كشف التحليل عن وجود محصول أقصر وأكثر تشعُّبًا من الأصناف الحديثة، ولكنَّ دور هذه الصفات لا يزال غير واضح حاليًّا، فضلًا عن أنَّ المحصول كان يُزهر على نحوٍ أسرع من الأصناف المزروعة في السهول؛ وهو تكيُّف مهمٌّ للحياة على المرتفعات التي تمتاز بمواسم نمو أقصر من تلك التي في المنخفضات.

ويرى الباحثون أنَّه يمكن لهذا التحليل أن يفتح المجال لإجراء دراسات مُماثلة للصفات المُعقَّدة في أنواع أخرى من النباتات والحيوانات والبشر أيضًا، خاصة بوجود الأدوات الجينية والتحليلية التي يمكن استخدامها لهذا الهدف.

ومن النتائج الرئيسة التي خلصت إليها الدراسة؛ أنَّ العوامل الوراثية اللازمة للتكيف مع حياة المرتفعات كانت موجودةً بالفعل عند نباتات مختلفة من الذُّرة منذ آلاف السنين، ولكن التركيبة الصحيحة من العوامل اللازمة لهذا التكيُّف قد استغرقت 2000 عام لكي توجد في النباتات نفسها.

ويُشير الباحثون إلى أنه من الجيد وجود هذا التنوع الوراثي عند نبات الذُّرة؛ الأمر الذي يُفيد المزارعين على وجه الخصوص الذين يُحاولون تكييف أصناف الذُّرة الحديثة للنمو في ظلِّ المناخ السريع التغيُّر، وإن كان هناك حاجة لمثل هذا التكيُّف فلن يستغرق الأمر 2000 عام؛ بل نستطيع إنجازه على نحوٍ أسرع بكثير الآن عن طريق نقل المُورِّثات بواسطة تقنيات الهندسة الوراثية.

مصادر المقال

هنا