الغذاء والتغذية > منوعات غذائية

هل تؤثر أطعمة الصويا على خصوبة الرجال؟!

"كيف يمكن للنظام الغذائي النباتي أن يجعل الرجال أقلَّ خصوبة؟"

بهذا العنوان المثير للجدل، استهلّت صحيفة The Daily Mail تقريرها حول هذا الموضوع المصيريّ، وتناول التقرير بحثًا يشيرُ إلى إمكانية ارتباطِ تناول التوفو Tofu (نوع من الجبن النباتي المصنوعِ من حليب الصويا) بعددِ الحيوانات المنوية.

نُشرت الدراسةُ أيضًا في صحيفة The Guardian التي ذكرت أن عدد الحيوانات المنوية انخفض بمتوسطٍ قدرُهُ 41 مليون حيوانٍ منوي في كل ميلليترٍ من السائل المنوي، وذلك لدى الرجال الذين يتناولون أكثر من حصتين من التوفو يوميًا، ونوّهت الصحيفة إلى أن فول الصويا لا يسبب العقم لدى الرجال الأصحّاء، لكنّه قد يمتلك تأثيرًا أكبر في حال معاناة الرجل سابقًا من انخفاض عدد الحيوانات المنوية.

كيف بدأت هذه القصة؟

بدأ الأمر برغبةِ الباحثين بدراسة العلاقةِ بين انخفاضِ عدد الحيوانات المنوية وما يتناوله الذكور من منتجات الصويا والإيزوفلافونات Isoflavones، وتعرّف الإيزوفلافونات بأنّها إستروجين نباتيّ موجودٌ في بعض المواد النباتية، أهمّها فول الصويا.

وبالفعل بدأ البحث بإشراف الدكتور Jorge Chavarro مع زملائه في كلية الصحة العامة في جامعة هارفارد Harvard School of Public Health، ومشفى Brigham and Women’s Hospital، ومشفى ماساتشوستس العام، ومدرسة هارفارد الطبية، ومُوِّلَ البحث من قِبل المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية، والمعهد الوطني للسكري وأمراض الكلى والجهاز الهضمي، ونشرت الدراسةُ في المجلة الطبية Human Reproduction.

فحص الباحثون الارتباطَ بين أغذية الصويا وكلٍّ من حجمِ السائل المنوي وعدد الحيوانات المنوية وتركيزها وحركتها وتركيبها، كذلك دُرِس الارتباط بين أنواعٍ محدّدةٍ من الإيزفلافونات مع المؤشرات نفسِها، آخذين بعض العوامل الخارجيةِ الأخرى بعين النظر، منها التدخين ومؤشر كتلة الجسم والعمر ووقت الامتناع عن ممارسة الجنس وتناول الكافيين والكحول.

وقد سُجّلَت معلوماتٌ عن التاريخ الطبي للمشاركين ونمط حياتِهم وأطوالِهم وأوزانِهم، ومن ثمَّ ملؤوا استبياناتٍ مختصرةً لتحديد معدّل استهلاكِهم من 15 نوعًا من المواد الغذائية المحتويةِ على فول الصويا؛ منها التوفو وبرغر التوفو والشوربة والحليب والمثلجات ومكسّرات فول الصويا.

ما هي النتائج التي حصل عليها الباحثون؟

بلغ إجمالي عدد المشاركين بالدراسة 99 رجلًا من أصل 598 متقدّمًا، زاروا مركز خصوبة مستشفى ماساتشوستس العام مع شركائهم بانتظامٍ بين عامَي 2000 و2006. وكان تركيز الحيوانات المنوية ضمن المعدّلات الطبيعية لدى 90% من الرجال المشاركين، كذلك كانت تحاليلُ السائلِ المنوي طبيعيةً لدى 42% منهم وشملت شكلَ الحيوانات المنوية وحركَتَها وتركيزَها.

وبحسب الاستبيانات الغذائية، وُجد أن 39 رجلًا قد امتنعوا عن تناول أطعمة من الصويا خلال الأشهر الثلاثة السابقةِ للدراسة، وتدرّجت الكميات المُتناولة من قِبل المشتركين الآخرين بين مرتين شهريًا وصولًا إلى مرتين على الأقلّ أسبوعيًّا.

ولوحظ أن تركيز الحيوانات المنوية كان قليلًا لدى الرجال الذين تناولوا أطعمة الصويا مقارنةً بالرجال الذين امتنعوا عنها، لكنّه لم يخرج عن المعدّلات الطبيعية، علمًا أن الباحثين سجّلوا ملاحظاتٍ تخصّ معاناةِ المشاركين من البدانة والوزن الزائد. ويُذكر أن شكل الحيواناتِ المنوية وحركتَها لم يتأثّرا بمعدّل تناول أطعمةِ الصويا، وبذلك خلص الباحثون في دراستهم إلى وجود ارتباطٍ عكسيٍّ بين المدخولِ الغذائي من الصويا والإيزوفلافونات وتركيز الحيوانات المنوية حتى بعدَ أخذِ العواملِ الأخرى المؤثرةِ بعين النظر، وبمعنى آخر ينخفض تركيز الحيوانات المنوية في السائل المنوي مع زيادةِ المدخول من فول الصويا.

ما هو رأي الباحثين الناقدين لهذه الدراسة؟

تصنّفُ هذه الدراسةُ من الدراساتِ المستعرِضة Cross-sectional، وتعدُّ صغيرةً من جهةِ مجملِ عددِ المشاركين. ويُذكر أن فكرة تأثيرِ فول الصويا على خصوبة الذكور ليست بالجديدة، إذ سبقَ أن نُشرَت مجموعةٌ من الأبحاث بخصوصِ هذا الموضوع، وعلى الرّغم من ذلك، لم يلقَ الارتباطُ بين هاتين الناحيتين إجماعًا حتى الآن، ولا بدّ من إجراء مزيدٍ من الدراساتِ السريريةِ لتحرّي حقيقةِ الارتباطِ المذكور.

وهناك عددٌ من الأسباب التي تدفعُنا إلى تفسير هذه الدراسةِ بعنايةٍ ودقة، منها:

تصميم الدراسة: لا يمكن للدراساتِ المستعرضةِ تحديدُ وجودِ صلةٍ سببيةٍ بين جودةِ الحيوانات المنوية والنظام الغذائي؛ فقد لا يكون تناول الصويا العامل الوحيد المسؤول عن مشاكل عدد ونوعيةِ الحيوانات المنوية، كذلك الأمر لا يمكن الجزمُ أن تناول الصويا قد سبقَ مشاكل عددِ ونوعيةِ الحيوانات المنوية.

مؤشر كتلة الجسم: من الملاحظِ أن معظمَ المشاركين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، وقد أشار الباحثون القائمون على الدراسة إلى ذلك، ومن المحتمل أن يؤثر الوزن الزائد في جودةِ السائل المنوي، وهذا يعني أن النتائج المذكورة قد لا تنطبقُ على الرجال متوسطي الوزن.

الاعتماد على الاستبيانات: اعتمد الباحثون على ذاكرة المشاركين في الدراسة لتحديد ما تناولوهُ من منتجاتِ الصويا خلال الأشهر الثلاثةِ السابقة للدراسة، ويحمل هذا الأسلوب قدرًا لا يمكن تجاهُلُه من الخطأ البشري، إذ يمكن للشخص بسهولةٍ أن يُخطئ في كميةِ الطعام التي تناولَها، مؤثّرًا بذلك على دقةِ معلومات المدخول الغذائي المستخدمة في الدراسة.

اقتصار الدراسة على إيزوفلافونات الصويا: لم تشمل الدراسةُ مصادر أخرى للإيزوفلافونات باستثناء فول الصويا، ومن المرجّح أن تختلف قياسات الارتباط بين الإيزوفلافونات وعدد الحيوانات المنوية فيما لو شملت الدراسات مصادرَ أكثر.

النظام الغذائي الآسيوي: من المعروف أن النظام الغذائي الآسيوي يحتوي على كمياتٍ كبيرةٍ من الإستروجين النباتي، وعلى الرّغم من ذلك، لم تسجّل أي حالاتٍ لانخفاض الخصوبة لدى شعوب تلك المنطقة.

لذا، وبناءً على السلبيات المحيطة بالدراسة، يمكننا القول أن استهلاك منتجات الصويا لا يؤثر سلبًا على خصوبة الرجال حتى الآن، لكنّ الأمر ما زال يحتاجُ إلى مزيدٍ من الدراسات السريرية.

ماذا كان رد الشركات المنتجةِ لأطعمة فول الصويا على نتائجِ هذه الدراسة؟

أكّدت Nancy Chapman، المديرة التنفيذية لرابطة أطعمة الصويا Soy Foods Association أن الدراسة لم تتوصل لوجودِ علاقة بين أغذية الصويا والمقاييس المهمّة المتعلقةِ بجودة الحيوانات المنوية وخصوبة الرجال، منوّهةً مرةً ثانيةً إلى القيود التي أشار إليها الفريق القائم على الدراسة، وخصوصًا صِغر العينة المُشاركة وزيادة الوزن، إذ يُعرف أن ارتفاع مستوى الدهون لدى الرجال يؤدي إلى إنتاجِ كمياتٍ أكبر من هرمونِ الإستروجين.

وأشارت Chapman إلى أن انخفاضَ تركيز الحيوانات المنوية لدى المشاركين في الدراسة قد يعودُ إلى ارتفاعِ كميةِ السائل المنوي المُنتَجة، ممّا يؤدي إلى انخفاض التركيز في مجملِ العينة المأخوذة دون اختلافاتٍ ملحوظةٍ في مجملِ تعداد الحيوانات المنوية.

ختامًا، لا داعي للشعور بالقلق أو الخوف من استهلاك أطعمةِ الصويا أو منتجاتِها سواء كان ذلك من قِبل الأشخاص النباتيين أو الخضريين أو حتى الرياضيين الذي يعتمدون على الصويا كثيرًا، مع التأكيد على ضرورةِ اتّباعِ نظام غذائي متوازن ومعتدل لضمان الحصول على جميع العناصر الغذائية الضرورية للصحة.

الدراسة المرجعية:

Chavarro JE، Toth TL، Sadio SM، Hauser R. Soy food and isoflavone intake in relation to semen quality parameters among men from an infertility clinic. Hum Reprod. 2008;23(11):2584-90 هنا

هنا

التقارير الإخبارية:

هنا

هنا

هنا=

هنا

هنا

تحليل الدراسة:

هنا

هنا