الفيزياء والفلك > فيزياء

ثابت الجاذبية؛ هل نتفق على ثبوت قيمته؟

عندما يتعلقُ الأمر بثابتِ الجاذبية فقد يَصعُب علينا معرفة عدم اتفاق العلماء على قيمةٍ ثابتةٍ له، إذ يَكمُن السبب الأساسي في ضعفِ قوة الجاذبية إذا ما قورنت بباقي القوى الكونية الأخرى، فضلًا عن أنَّ النتائج التي تتوصَّل إليها التجارِب تعطي قيَمًا مختلفةً عن بعضها البعض، وهو ما كشفَتَ عنه مؤخرًا تجربتان فائقتا الدقة لقياسِ ثابت الجاذبية G في الصين، وقد عزَّزتِ النتائجُ من صعوبةِ الاتفاق على قيمةٍ واحدةٍ لأحد أهم ثوابتِ علم الفيزياء.

لمحةٌ تاريخيةٌ:

وفقًا لقانون الجذب العام الذي وضَعَه العالِم إسحق نيوتن؛ فإنَّ قوة الجاذبية (F) المتبادلة بين جسمين بكتلة (m1) و(m2) تفصِل بينهُما المسافة (d) تساويGm1m2d2، وكما هو الحال مع الثوابت الفيزيائية فإنَّ قيمة ثابتِ الجاذبية G هي قيمةٌ تجريبية؛ بمعنى أنَّها قد أُثبِتت حسب تجارب وملاحظاتٍ لاحقةٍ لها، وبالتأكيد كان إسحق نيوتن أول من قدَّمَه للعالَم كجزءٍ من ورقتِه الشهيرة Philosophiae Naturalis Principia Mathematica في عام 1687، ولكن أُعلن عن أول قيمةٍ لثابت الجاذبية G عام 1798 من قِبَل العالِم هنري كافنديش Henry Cavendish -الذي استخدَم ميزان التواءٍ صُمِّم من قِبَل جون ميشيل John Michell لقياس ثابت الجاذبية بنسبة ريبةٍ قدرها 1%- قد يصدِمكم الفارِق الزمني الكبيرُ بين الثابتِ والقيمةِ التجريبية الأولى له، ولكنَّ هذا الأمر مقبولٌ في الفيزياء إذ تسبقُ التنبُّؤات الرياضيةُ البراهينَ التجريبية عادةً، وعمومًا نُعوِّض في العلاقة أعلاه عن G بـ

6.674×10−11 N·kg–2·m2

يُرمز للثابت هنا بالرمز G لتمييزه عن g ثابت الجاذبية الأرضية  9.81m/s2    .

ميزانُ الالتواء:

يتكوَّن ميزان الالتواء torsion balance من كتلةٍ على هيئة ثقالةٍ حديديةٍ (دمبل) معلَّقةٍ من مركزها بسلكٍ رفيع، فتُوضَع كتلتان كبيرتان على جانبي الثقالة مما يجعل من قوة الجاذبية المتبادلة بينهما تُسلِّط عزم دورانٍ على الثقالة فيتمكن من الدوران، وعندما يبدأُ السلك بالالتفاف يُحسَبُ عزم الجاذبية عن طريق التواءِ السلك حتى تتوقَّف الثقالة الحديدية، ثم عن طريق تحليلِ هذه الحركة يُحسَبُ ثابت الجاذبية.

التجاربُ مستمرةٌ:

أُجرِيت منذ ذلك الوقتِ الكثير من التجارب التي هدَفَت لقياس G بدقةٍ أكبر، وإنَّ القيمةَ المقبولة اليوم هي مزيجٌ لعدة مقاييس وبنسبةِ ريبةٍ قدرُها 47 جزءًا لكل مليون، مع تفاوتٍ كبيرٍ في قِيَمِ الريبة؛ فكانت أقل نسبة 13 جزءًا من المليون، في حين أُجرِيَت تجربةٌ بدقةٍ عاليةٍ وصَلَت فيها قيمةُ الريبة إلى 500 جزءٍ من المليون.

لا يزال عدمُ وجودِ إجماعٍ تجريبي على قيمةٍ محدَّدةٍ لثابت الجاذبية مصدرَ جدلٍ وحيرةٍ للفيزيائيين، وهذا اللغز هو أساس دراسةٍ قُدمِّت من فريقٍ فيزيائي في جامعة هاوزونغ للعلوم والتكنولوجيا Huazhong University of Science and Technology في الصين بالتعاون مع مركزٍ بحثيٍّ في روسيا، إذ أُجريت تجربتان بقيمٍ مختلفةٍ في توازن الالتواء في المختبر نفسه لمعرفةِ قِيَم ثابتِ الجاذبية المختلفة.

أُجرِيت إحدى التجربتين وِفق تِقنيَّةِ مُدَّة التأرجُح TOS -وهي المدةُ التي يتأرجحُ فيها البندول- إذ يُحدَّدُ تردُّد البندول بالنسبة لمواقع الكتلتين الخارجيتين، ويمكن استنتاجُ قيمةِ الثابت تجريبيًّا عن طريق مقارنة التردُّدات المحددة للكتلتين الخارجيتين، في حين تستخدم التجربة الثانية نتائج التعجيل الزاويّ AAF والتي تتضمن تدوير الكتلتين الخارجيتين والبندول على قرصين منفصلين، وتراقب آلية النتائج زاوية تطوُّر البندول والتي تبدأ بالصفر ثم تتغيَّر بتغيُّرِ السرعة الزاويّة لأحد القرصين، ويُحسبُ الثابت عن طريق معدَّلِ التغيير المطلوب لتصفير الزاوية.

بَلغَت نسبة الشكِّ لتجربة وقت التأرجُح وتجربة التعجيل الزاويّ 11.64 و11.61 جزءًا من المليون على التوالي، وهي نسبٌ غير مسبوقة، وفي حين توافَقت قيمةُ الثابت G مع نتيجةِ تجربة وقتِ التأرجُح لم تتوافَق نتيجةُ التجربة الثانية، إذ إنَّ نتيجة التجربة الثانيةِ تفوقُ الأولى بنحو 45 جزءًا من المليون، وعلى الرغم من أنَّ الدقة المتوخَّاة في قياسِ ثابتِ الجاذبية في تحسنٍ مستمرٍ فلا يزال سبب عدم وجود قيمةٍ ثابتةٍ غامضًا، وربما أكثر التفسيرات المقبولة هي تقليل العلماء من تأثير متغيرٍ واحدٍ أو أكثر أثناء إجراء التجارب، ويَقترح الفريق أنَّه قد يكمُن السببُ في عدم مرونة الأسلاك والتي تؤدِّي إلى اختلافٍ في تردُّد التذبذب، ولا ننسى احتماليةَ وجود جانبٍ فيزيائيٍّ جديد، وعلى الرغم من أنَّ الاحتمال مثيرٌ للاهتمام لكنَّ البتَّ فيه يحتاجُ الكثير من البحوث والدراسات.

 

 

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا

روابطٌ من مقالاتنا السَّابقة: هنا

/p>