البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

هل تدرك الكلاب مشاعرنا حين تسمعنا؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

لطالما اعتقدنا أنَّ الحيواناتِ التي نتعامل معها (غبيّة) نوعاً ما بالمقارنة معنا، وأنَّ ما يدفعها هو الغرائز الخالية من الاستيعاب والفهم. فهل الفهم حكرٌ علينا نحن البشر؟ أم من الممكن أن نكتشفَ أنَّ حيواناتِنا الأليفة تفهمنا وتحسّ بمشاعرنا وتكشفها من نبرة صوتنا!

هل تفهمنا الكلاب وتحسّ بمشاعرنا؟

في دراسةٍ نشرناها سابقاً هنا أظهرت دراسةُ وظائف دماغ الكلاب أثناء استيقاظها وباستخدام fMRI أو المرنان المغناطيسي الوظيفي، أنَّ الكلابَ تشعر بطريقةٍ مشابهة لنا، أي أنَّ عرض صورٍ معينة أمامها يجعل أدمغتها تفرز الدوبامين وتظهر استجابة شبيهةً بتلك لدى دماغ الإنسان. وفي البحث الذي سنعرضه عليكم اليوم، أجريت وللمرّة الأولى مقارنةٌ وظيفيةٌ دقيقة بين أدمغة البشر وأدمغة حيواناتٍ لا تنتمي إلى الرئيسيات- وهي الكلاب.

أثبتت هذه المقارنة أنَّ الكلاب بالإضافة لامتلاكها المشاعر، فهي تمتلك ميزةً من الفهم، فهي تستطيع استشعار السعادة أو الحزن في صوت صاحبها، اعتمدت الدراسة على مقارنة أدمغة البشر والكلاب عند سماع حوالي 200 مقطعاً من أصوات مختلفة (أصوات حزينة، سعيدة، أصوات طبيعة أو من البيئة المحيطة، أصوات من محادثةٍ ما، الخ...) وكما في البحث السابق، فقد واجهت العلماء صعوبة في تثبيت الكلاب بدون حركة داخل جهاز المرنان المغناطيسي الوظيفي من دون تخديرها، بهدف دراسة الاشارات العصبية في أدمغتها وهي واعية، هذه المرّة تطلّب الاختبار الجلوس بلا حركةٍ مدّة ست دقائق كاملة! (وحتى البشر البالغون قد يواجهون صعوبةً بالغة في هذا). تمّت الاستعانة بطريقة تدريب أتيلا انديكتس من أكاديمية هنغاريا للعلوم من بودابست، تعتمد هذه الطريقة على تدريب الكلاب على الجلوس بطريقة أبو الهول ووضع سماعات في آذانها لاخفاء صوت جهاز الرنين المغناطيسي المزعج، ولأنَّ الكلابَ كائناتٌ مخلصةٌ يسرّها ألا توفّر أيّ جهد لأجل إرضاء أصحابها، فقد تبين أنَّ أفضل طريقة هي أن يرى الكلب صاحبه أمامه أثناء هذه العملية ويحصل منه على الطعام كمكافئة على جلوسه بثبات.

تمّت الدراسة هذه المرّة على أدمغة 11 كلباً و22 شخصاً، من أجل مقارنة الإشارات الدماغية لكليهما عند سماع أصوات معينة. وقد كان هناك بعض الفروقات في "التكافؤ العاطفي" أو ردود الأفعال العصبية في الدماغ لدى سماع أصوات معينة، ولكنّ الأدمغة أظهرت تشابهاتٍ كبيرة. ظهرت أكثر أوجه الشبه عند سماع الكلاب والإنسان أصواتاً مرتبطةً بالعواطف الإيجابية أو السلبية، إذ وجدت إشارات متشابهة في القشرة السمعية في الدماغ أثناء تشغيل هذه الأصوات. ولكن لم يكن لكلّ الأصوات والمشاعر نفس رداتِ الفعل العصبية، بل كان لبعض الإشارات أماكن مختلفة في الأدمغة عند المقارنة.

من الأمثلة على ذلك، عند وضع أصواتٍ من الطبيعة (غير كلامية) فإنَّ 48% من المنطقة الحساسة للسمع في الدماغ عند الكلاب تعطي إشارات، أما عند الانسان فقط 3% من هذه المنطقة الحساسة تعطي اشارات. وأيضاً: عند الإنسان، أعطت 87% من هذه المنطقة الحساسة إشاراتٍ عند سماع محادثة أو كلمات، ولكن عند الكلاب، أعطت 10% فقط إشارات.

تدلّ نتائجُ هذا البحث على أنَّ التعايش المشترك بين الإنسان والكلب في بيئة اجتماعيّة متشابهة أدّى إلى تطوّر المناطق الدماغية المسؤولة عن تمييز المشاعر لدى الكلاب كما البشر، وقد يعني هذا البحث ضرورةَ تغييرنا للتوقّعات السابقة عن تاريخ تطور هذه المناطق الدماغية لدى الثدييات، إذ قد يعود هذا التشابه بيننا وبين الكلاب إلى احتمالين: إمّا أنَّ تلك المناطق كانت موجودةً في أدمغة الثدييات منذ أكثر من 100 مليون عاماً، أو أنها تطورت لدى كلٍّ من البشر والكلاب بشكلٍ منفصلٍ ومتواز.

المصادر:

هنا

هنا