كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية موطن الألم: وطنٌ منسيٌّ لم يبقَ منه سوى اسمه!

تتناول الكاتبة الكرواتية دوبرافكا أوجاريسك في روايتها "موطن الألم" موضوعًا موغلًا في العمق ألا وهو آثار الهجرة والحرب في حياة الناس.

تروي البطلة تانيا لوسيتش أحداثًا شخصية عند انتقالها من زغرب إلى ألمانيا مع زوجها جوران، وذاك بعد اندلاع الحرب بين كرواتيا وصربيا وسلبِ شقتهما وطردهما من وظائفهما، ليسافر بعدها جوران إلى اليابان وتستقر تانيا في أمستردام عاصمة هولندا بعد تلقيها اتصالًا من صديقتها إنيس كادفتش لتدريس فصل اللغات السلافية في جامعة أمستردام.

تلتقي تانيا بطلابها الذَين قدموا إلى هولندا وسجلوا في هذا القسم لتسهيل إمكانية أخذ الإقامة، إذ لم تكن العلاقة بينهم علاقة معلمة بطلابها فقد كانوا أصغر منها بفارق سنين معدودة ،ومنهم من كان أكبر منها. وإنَّ أول ما لفت انتباه تانيا في طلابها هو الصفعة غير المرئية على وجوههم وآثار لغتهم المشتركة التي تنزلق بين جملهم ولقب "رفيقة" الّذي كانوا ينادونها به.

تتألف الرواية من خمسة أجزاء وخاتمة جميعها تُروى على لسان الآنسة تانيا، ففي الجزء الأول تتحدث تانيا عن معاناتها في أثناء محاولة التأقلم في هولندا وشقتها الصغيرة في قبو أحد العمارات، وتتحدث عن أمستردام بشوارعها وأزقتها ومنازلها أيضًا، وعن الهولنديين وطبعهم الصريح غير الحذر.

ونلاحظ سيطرة الماضي في حضور لغتهم السابقة أو كما اتفق الجميع على تسميتها بـ "لغتنا" وملاحظة تانيا الدائمة لهؤلاء القادمين من وطنها من كبار السن المتجمعين في الحانات أو من الوجوه المارّة في الشوارع حاملين تلك الصفعة ذاتها على وجوههم كأنّها هويّة للتعريف بوجعهم المشترك.

تبدأ السنة الدراسية؛ ولتسهيل الأمر على طلابها، تطلب تانيا من طلابها أن يجيبوا عن سؤال بسيط جداً بدايةً، (من أنت؟) لتصلها إجابات مختلفة قد تفسر أو تقرب فهمها لهم. ومن بعدها تطلب منهم كتابة أيّ شيء عن يوغسلافيا السابقة على الرغم من اختفائها للأبد.

إن الانتقال السلس بين وصف تانيا للأحداث وما كتبه الطلاب على اختلافهم يوضحُ مشاعر لا يختبرها إلّا اللاجئون وما يعانونه من الانتماء والهوية المفقودة ومحاولاتهم فهم البلد الذي كانوا فيه يومًا، الذي انتهى كونُه بلدًا أو حتى وطنًا.

في الجزء الثاني تزور تانيا أمها في زغرب وتكون هذه الرحلة من أشد التجارب التي تؤثر فيها، فمع عودتها تعود الذكريات وما كان قد بقي في عقلها عن المكان والأشخاص، وها هي الآن في مواجهة مع الحاضر المختلف تمامًا على الرغم من معرفتها السابقة بحجم التغيُّر لكنّها تمتلئ رعبًا لمجرد أنها أضاعت الطريق في منطقة تعرفها كمعرفتها أصابعَ يدها؛ كما قالت.

في الجزء الثالث تعود تانيا من عطلتها لتُصدَم بخبر انتحار أحد طلبتها، فيملؤها الندم لشعورها بأنها السبب وراء انتحاره لما حركته في وجدان طلابها من حنين وذكريات بدءًا بالشنتة ذات الألوان الأزرق والاحمر والأبيض التي رافقت طفولة الجميع، وانتهاءً بآخر سهرة قد اجتمعوا فيها حيث ذهب فيهم السكر لاستحضار الأغاني بـ "لغتهم".

ويفاجئ تانيا ما أخبره سيز رئيس القسم عن شكوى الطلاب من طريقة تعليمها التي لم تفدهم بشيء، فتقررُ تغيير تعاملها معهم لمعرفة الواشي وتخضعهم في نهاية السنة لاختبار جدّي.

أما الجزء الرابع فيحكي عن إيجور الطالب الراسب الوحيد في فصلها، وزيارته للآنسة تانيا في شقتها وما يدور بينهما من نقاش في كثير من القضايا لينتهي بحادثة غريبة غير متوقعة. وتبقى جملة إيجور الأكثر منطقية في كلّ هذا الهذيان التابع للهجرة والاغتراب بأنَّ الإنسان في مثل حالتهم لديه ثلاثة خيارات: إمَّا أن يصبح شخصًا أفضل، أو أن يصبح شخصًا أسوأ أو أن يُطلق رصاصةً على رأسه.

تتناول الكاتبة في الجزء الخامس بدء مرحلة جديدة بعد انتهاء السنة الدراسية وانتقال الآنسة إلى شقة إحدى طالباتها ومختلف المعتقدات والأفكار التي تدور داخل كل إنسان في حياته الطبيعية إنسانًا ومغتربًا وفاقدًا لبلده وكلّ ما كان يدعوه يومًا بالوطن!

إن لغة الرواية من البساطة ما يجعل الأفكار أهمَّ من الاحداث، ثمّ إنَّ التفاصيل العميقة المذكورة بعناية تقرّب القارئ من الحالة النفسية للبطلة وللشخصيات.

رواية "موطن الألم" رواية تحاكي الوجدان الإنساني وتطرح أفكارًا ليست بالبعيدة عن كلّ مغترب سواء عن وطنه أو عن أي شيء انتمى له في لحظة ما.


معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: موطن الألم.

اسم الكاتبة: دوبرافكا أوجاريسك.

اسم المترجم: د. محمد فرغل.

عدد الصفحات: 339 صفحة.

دار النشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (الكويت) ضمن سلسلة إبداعات عالمية