الرياضيات > الرياضيات

لا أحد يحبُّ الاحتمالات!

انطلقت في صيف العام 2018 مباريات كأس العالم لكرة القدم، ومع أنَّ فريق الولايات المتحدة الأمريكية لم يتأهل إلى النهائيات؛ فإنَّ ذلك لم يمنع مجموعاتٍ من الأمريكيين من التنبؤ بالنتائج، معتمدين على كلِّ مجموعةٍ من المعطيات يمكن أن يقدِّمها تاريخ هذه الرياضة. ففي عام 2014؛ بذلت شركة Bloomberg وموقع FiveThirtyEight قصارى جهدَيهما في تحليل الإحصائيات، للوصول إلى احتمالاتٍ مئويةٍ للفِرَق التي ستتأهل إلى الجولة التالية.

  ومن المؤسف لأنصار الخوارزميات والتحليل الكمِّيّ أن الفِرَق ذات الاحتمال الأعلى وفق موقع FiveThirtyEight لم تحقق الهيمنة المتوقَّعة؛ فقد أعطى هذا الموقعُ البرازيلَ نسبة 45% بأنها ستنال كأس العالم الماضية، وأعطى ألمانيا نسبة فوز بلغت 10%، وفي النهاية لم تتأهل البرازيل إلى النهائي حتَّى. يا للخيبة!

أما هذه المرة؛ فقد اعتمد موقع Bloomberg على توقُّعات البنك السويسري UBS الذي يستخدم فريقًا مؤلَّفًا من 18 محلِّلًا؛ لإجراء محاكاة حاسوبية للبطولة لعشرة آلاف مرة. هاكُمُ المعطيات لكيفية إجراء هذه المحاكاة.

هنا

يقول UBD: إن نسبة فوز ألمانيا أو البرازيل أو إسبانيا باللقب تبلغ 60 بالمئة، وهذه نسبة عالية حقًّا! أما موقع 538، فقد أدار عشرين ألف محاكاة مبنية على "مؤشِّر القوة في كرة القدم" (SPI Soccer Power Index). تجدون هنا كيفية تحديد هذا المؤشر:

يعطي موقع 538 أعلى نسبة للفوز في البطولة لألمانيا والبرازيل وإسبانيا. هكذا يبدو التفصيل للمجموعات الثلاث:

الخوارزميات لا تساوي اليقين التام

  لا بدَّ من أنَّ دارسي التحليل الكمي يُحبون هذا النوع من المحاكاة، بما تنطوي عليه من جداولَ جميلةٍ وإحصائياتٍ مُتقدمةٍ؛ لتمثيل مدى تقدم الفِرَق في البطولة، لكنَّ المشكلة الكبيرة في كل ذلك هي أن الاحتمالات تفسِّر مجموعةً من النتائج الممكنة، التي قد يصعب على أدمغتنا أن تفهمها جيدًا. فهل نستطيع حقًّا إدراكَ الفرق بين نسبة 56% بالمئة أو 64% لخروج فريقٍ ما من مرحلة المجموعات؟

  نحصل على النسب على أساس الأداء السابق، وتلك الإحصائيات هي كل ما نملك لمعرفة ما قد يحدث مستقبلًا، لكن ذلك لا يعني أنه سيحدث حقيقةً؛ فهو لا يشبه توقع نسبة المطر في المستقبل القريب على أساس ضغطِ الهواء ونماذجِه الحاليَّة، أو توقع نتيجة الانتخابات على أساس عدد المصوتين الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين واستطلاعات الرأي، إذ يمكن للمرء التقاطُ القليلِ من المعلومات. ففي حالة كأس العالم؛ لا توجد إحصائيات تُظهِر كيف سيؤدِّي كلٌّ من اللاعبين في كلِّ مباراة؛ ولهذا السبب يجد الناسُ الرياضةَ مثيرةً، لأنك لن تعرف من سيغلب في كل مرة!

  ومثال على ذلك؛ إقالةُ مدرب منتخب إسبانيا قبيل البطولة، وهو ما لم يدخل في نموذج الاحتمال الذي أعطى لإسبانيا نسبة فوز 17%:

كما قال الخبراء إن للاعبي روسيا فرصَ تقدمٍ أعلى؛ لأنهم يلعبون في بلادهم؛ فهل هذا لأن روحهم المعنوية سوف ترتفع؟ إن كان كذلك؛ ما الإثبات الإحصائي لهذا المعيار؟ هذا هو السبب نفسه الذي استُعمِل للتوقُّع بأن البرازيل ستفوز في كأس العالم الماضي؛ لأنها تلعب في بلدها، ولكن ذلك لم يحدث. يشبه ذلك عندما يتحدث المحللون الماليُّون عن الانهيار المالي الآتي الذي سيحدث: فهم عندما يخطئون لا يُلقَى لهم بال، أما عندما يكون أحدهم على حق يحصل على عقد لنشر كتاب وبرنامج تلفزيوني!

  ما نريد أن نقوله هو أن هذه الأرقام هي مجرد تخمينات، وهي تخمينات مدروسة بدقة باستخدام آخر النماذج ونظم التحليل؛ لكنها مع ذلك تبقى تخمينات، ولن يمكنك أن تعرف حتى متى ستكون صحيحة، وقد رأيتَ أن المحاكاة تُجرى لعشرات آلاف المرات، لكنها تُختبَر مرةً واحدةً فقط (عند حصول الحدث فعليًّا) ولعلَّ ذلك سيكون كابوسًا في التحليل الكمي. يمكنك بناء نموذجك على مقدار كبير من المعطيات؛ لكنَّ هناك تجربةً واحدةً سَتُعرف بها نتيجة النموذج؛ فلن تُثبتْ فاعلية هذه النماذج أو عَدَمُها لبضعٍ من دوريات كأس العالم، إذ تُغربل مئات المباريات (تتعرّض للفلترة).

كيف نتلقى الاحتمالات؟

على الرغم مما سبق؛ ما زال من الممتع اختيارُ فريقٍ بعد النظر إلى الإحصائيات، فتميل إلى جانب الأقوى أو الأضعف الذي لديه فرصة إحصائية جيدة للفوز. وفي هذه الحالة؛ ستكون تلك الفرق: بلجيكا، وإنكلترا، والأرجنتين، وفرنسا (وفرصها للفوز تقع بين 7 و9 بالمئة طبقًا لـ 538)؛ لكن من الصعب للناس فهم معنى هذه النسب المئوية؛ فإذا بدأ العالم بالاعتماد على الاحتمالات المبنية على المعطيات فعلينا فهمها أكثر بوصفنا بشرًا. وإنَّ الرسم البياني "غير العلمي" الآتي يُظهِر كيفية إدراك الإنسان للاحتمالات مقابل الاحتمال الفعلي لحدوث شيء ما:

وبالطبع إن كان فريقك أو لديك بعض التحيز المعرفي السابق في دماغك، قد يبدو الأمر هكذا:

لا تفهمنا خطأً، فتشجيع فريقك ممتع، لكن عليك أن تعرف أن الإحصائيات ليس لديها طريقة لتخبرك ما سيحدث؛ لأنها مبنيةٌ على السلوكيات الإنسانية نفسها. ومن السهولة القول إن نسبة 70 بالمئة لحدوث شيء ما طبقًا لمحاكاة ستتحول في رأسك إلى نسبة 99 بالمئة.

المصدر:

هنا