علم النفس > الصحة النفسية

المسامح كريم، ويتمتع بصحةٍ أفضل أيضًأ!

متى كانت آخر مرة غفرت فيها للآخرين شيئًا قالوه أو فعلوه؟ هل استغرقت وقتاً طويلاً أو مجرّد بضع دقائق؟ هل جاء ذلك بعد اعتذار؟ هل غفرت مؤخراً لنفسك أو لعائلتك؟هل تساءلت يوماً عن معنى المغفرة؟

قبل أن تكون متأكداً من قرارك في المغفرة أو عدمها؛ عليك على الأقل أن تعرف الأجوبة عن الأسئلة الآتية:

ماذا تعني المغفرة أو المسامحة برأي علم النفس؟

يعرّف علماء النفس الغفران -عمومًا- على أنه قرارٌ واعٍ ومدروس لإطلاق مشاعر الاستياء أو التخلي عنها أو الانتقام تجاه شخصٍ أو جماعةٍ أو جهةٍ ألحقت بك الضرر، بغضّ النظر عمَّا إذا كانوا يستحقون المغفرة أم لا.

لا يقلُّ أهميةً في تعريف الغفران إدراك ما لا يُعَدُّ غفراناً؛ إذ يوضّح الخبراء الذين يدرّسون أو يعلّمون المغفرة أنّه عندما تغفر، لا يعني ذلك أن تتستّر أو تنكر خطورة جريمة موجهةٍ ضدك؛ فالمغفرة لا تعني النسيان أو التغاضي عن المخالفات أو إغفالها.

وعلى الرغم من أن المغفرة يمكن أن تساعد في إصلاح العلاقة التالفة؛ لكنّها لا تلزم بالتصالح مع الشخص الذي سبب لنا الضرر، فقد يكون وجوده في حياتك سامّاً، ولا بإطلاق سراحه من المساءلة القانونية، على سبيل المثال؛ إذ لا ينبغي أن تتصالح ضحية سابقة للإساءة مع شخص مسيء ذي سوابق إجرامية مثلاً، فقد يكون هذا خطيراً ومهدداً للحياة، فالغفران لا يعني ترك الشخص المؤذي ليفلت من العقاب العادل؛ بل هنا تكمن عظمة المسامحة! فهي ليست العدالة بل خطوة إضافية نحوها، وهي أن تمشي طريقاً أسمى يمنحك القدرة على التعاطف وعلى تملّك قدرةٍ لتفهّم من أساء إليك.

لماذا عليّ أنْ أسامح؟

من الشائع الاعتقاد بأن المغفرة هي نوع من الشجاعة، فهي فعلُ رحمة أو تعاطف يمتدّ إلى شخصٍ ليس بغير النافع فقط؛ بل إنه مسيءٌ أيضاً.

ولا نكون مخطئين باعتقادنا هذا، و تضيف الأبحاثُ إلى هذا الاعتقاد على مدى العقود القليلة الماضية الكثيرَ من الفوائد الشخصية الهائلة لممارسة الصفح و الغفران؛ أي أن علم النفس يدعمُ قرار المسامحة.

ووفقاً لهذه البحوث؛ نجد عشرة أسبابٍ جواباً لسؤالنا أعلاه:

- المسامحة تجعلنا أكثر سعادة: لا تشير الأبحاث إلى أنّ الأشخاص السعداء يميلون أكثر إلى الغفران فحسب؛ بل إلى أنّ المسامحة  تُشعِرُ الناس بالسعادة أيضًا، ولا سيّما عندما يسامحون أحد المقرّبين إليهم.

- المسامحة تحمي صحتنا العقلية: إن الأشخاص الذين يتلقون العلاج المُصمَّم لتعزيز المغفرة يختبرون تحسناً أكبر في علاج الاكتئاب والقلق من أولئك الذين لا يتلقون العلاج، وقد يؤدي الغفرانُ دوراً آخر في الحيال دون الانتحار.

- المسامحة تحسّن صحتَنا: عندما نميلُ إلى حمل الضغائن؛ يرتفعُ ضغط الدم ويزدادُ معدّل ضربات القلب حتى يصل لمستوياتٍ عالية، وهذه من علامات الإجهاد والتوتر التي تضرّ الجسم، أما عندما نغفر؛ يحدث العكسَ؛ تنخفض مستويات الإجهاد لدينا، ولذا يُعدُّ الأشخاصُ الأكثر تسامحاً محميّين من الآثار الصحية السلبية للإجهاد. وتشير الدراساتُ أيضاً إلى أن حملَ الضغائنِ والشعورَ بالمرارة قد يقوّضان نظامَ المناعة لدينا؛ ما يجعلنا أكثر عرضةً للمرض.

- المسامحة تحافظ على العلاقات: عندما يؤذينا أصدقاؤنا أو يخيبون آمالنا، فإن إثقال النفس بالضغينة يجعلنا أقل استعداداً للتضحية في سبيلهم أو التعاون معهم؛  ما يُضعف مشاعر الثقة والالتزام، ويزيد من المسافات الفاصلة بيننا وبينهم، وتشير الدراسات إلى أن غفران عثراتهم يمكن أن يوقف هذا التآكل المتزايد في الروابط وأن يرأب الصدع قبل انقطاع خيوط الوصل نهائياً.

- المسامحة جيدة للزواج (معظم الوقت): الأزواج الذين هم أكثر تسامحاً وأقل ميلاً للانتقام أفضلُ في حلّ الصراعاتِ بفعاليةٍ في زواجهم، ووجدتْ دراسةٌ طويلةُ الأمد أن الزوجين الأكثرَ مسامحةً يحظيان بعلاقاتٍ أقوى ويشعرون برضىً أكبر، ومع ذلك؛ فإنَّ تعرََُض أحد الزوجين -الذي يميل للمسامحة على نحوٍ أكبر- لسوء معاملة مستمر و متكرر، يجعلُ منه أقلّ رضىً بعلاقةِ الزواجِ هذه.

- الصفح يعزز علاقات الألفة والترابط الإنساني: الأشخاص الذين يسامحون أكثر لا يشعرون فقط بأنهم أكثر إيجابية تجاه شخص جرحهم؛  بل يميلون أيضاً إلى الرغبة في التطوع والتبرع بالمال للأعمال الخيرية، ويشعرون أنهم أكثر ارتباطًا بالآخرين عمومًا.

- يمكن أن يساعد الغفران على شفاء جروح الحرب: فعلى سبيل المثال؛ طُبِّقَتْ في رواندا  Rwanda برامجُ تدريبٍ للمسامحة والغفران أساسُها البحث العلمي بين الهوتو و التوتسي (وهما قبيلتان سكنتا رواندا نشأتْ بينهما حربٌ أهليةٌ شعواء بين عامي 1990 و1993. نتجتْ عن هذه الحرب انتهاكاتٌ كبيرةٌ لحقوقِ الإنسان أخطرُها الإبادة الجماعية)، ونتج عن هذه البرامج تخفيف هول الشعور بالصدمات وتعزيز المواقف الإيجابية بين الطرفين المتنازعين، ووجدت دراسة أُجريَت على أشخاصٍ تعلّموا مهاراتِ الغفران في سيراليون الأفريقية، التي مزقتها الحرب، أنهم يشعرون بأنّهم أقلُّ اكتئاباً وتوتراً، وأكثرُ امتنانًا وإقبالاً على الحياة.

- الغفران مفيد للأطفال والمراهقين: الأطفال الذين يتسامحون أكثر مع أصدقائهم يتمتعون بمستوى أعلى من الصحة والعافية، ويمكن أن يساعد تدريب المغفرةِ للفتيات المراهقات اللواتي يتعرضن للتخويفِ والمضايقة على تقليل غضبهنّ وعدوانهنّ، وزيادة تعاطفهنّ وتحسين درجاتهنّ في المدرسة.

- الغفران جيد لأماكن عمل أفضل: الموظفون الذين يكونون أكثر تسامحاً هم أيضاً أكثر إنتاجيةً ويأخذون إجازاتٍ أقل، ويرجع ذلك جزئياً إلى انخفاضِ الإجهاد في علاقاتهم.

يميلُ الأشخاص الذين يمارسون مسامحة الذات إلى الحصول على صحة جسديةٍ وعقليةٍ أفضل، وقد تحسن مسامحة أنفسنا علاقاتنا بالآخرين أيضًا.

كيف يمكنني أن أسامح بخطوات عملية؟

لا يوجد جدول زمني لما قد يستغرق الغفران من زمن، صحيحٌ أننا عرفّنا الغفران بأنّه قرارٌ واعٍ، ولكنّ ذلك لا ينفي حقيقة كونه سلوكاً يمكن تدريبه، و يحدثُ أيضاً على مراحل، كما هو الحال مع تجاوز الحزن، ويقدّم مشروع المسامحة في جامعة ستانفورد الخطوات الآتية لتطبيق الغفران، والتي كتبها فريد لوسكن FRED LUSKIN ، ونُشرَت أيضاً في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. ونذكر الآتي:

أوّلاً: أن تعرف تماماً كيف تشعرُ فيما يخصّ ما حدث لك وتكون قادراً على توضيح ماهيّة الوضع أو الموقف الذي تختبره، سواءً أكان مقبولاً أم لم يكن، ويمكنك أن تستشير أصدقاء موثوقين أو خبراءَ ليساعدوك.

ثانياً: قم بعقد التزام مع نفسك أولاً، فذكّر نفسك أنّ المغفرة بالمرتبة الأولى تصب في مصلحتك قبل أي أحدٍ آخر.

ثالثاً : المسامحة لا تعني بالضرورة التصالح مع الشخص الذي أزعجك أو التغاضي عن الإساءة؛ في الغفران تفوز بالسلام الذي يُنزع منك عند إلقاء اللوم على الناس، و تمتلك قدرةً أكبر على تفهّم الآخرين وعدم أخذ المواقف والإساءات على محملٍ شخصي.

رابعاً: اسعَ أن تدرك دائماً التعريف الصحيح للمواقف والأحداث، مثل إدراك أن شعورك بالضيق يأتي من مشاعر الجرح والأفكار والانزعاج الجسدي الذي تعاني منه الآن، وليس مما أزعجك أو ألحق بك الضرر قبل دقيقتين أو عشر أعوام.

خامساً: في اللحظة التي تشعر فيها بالضيق، مارس إدارة الإجهاد والتوتر (يمكنك البحث عن طرق عديدة لذلك) لتهدئة جسدك ومنعه من الدخول في حالة رد فعل الهروب أو القتال . عندها يكون الجسم تحت تأثيرِ مزيجٍ من الهرمونات؟.  

سادساً : التخلي عن توقع أشياءٍ من حياتك أو من أشخاص آخرين لا يرغبون بإعطائك إياها. ذكّر نفسك أنه يمكنك أن تأمل في الصحةِ والحبّ والصداقة والازدهار والرفاه، وأن تعمل بجهدٍ للحصول عليها. ومع ذلك؛ فالحياة فيها  "قواعد غير قابلة للتنفيذ" ويمكن تسميتها "قدريّة"، وإنّك سوف تعاني عند مطالبتك بحدوث هذه الأشياء مع أنك لا تملك القدرة على تحقيقها.

سابعاً: أفرغْ طاقتك في البحث عن طرق أخرى لتحقيق أهدافك الإيجابية، حتى من قلب التجربة التي تؤلمك.

ثامناً: تذكّر مايلي: إنّ أفضلَ انتقام يمكنك أن تطبقه هو نجاحك وعيشك لحياتك بأفضل ما يمكنك، بدلًا من التركيز على مشاعرك المجروحة، أي إهداء الكثير من الطاقة و السيطرة للشخص الذي تسبّب بألمك. تعلّمْ أن تبحث عن الحبّ والجمال واللطف من حولك، وضع المزيد من الطاقة لتقدير ما لديك بدلاً من الاهتمام بما لا تملكه.

تاسعاً: عدّل الطريقة التي تنظر بها إلى ماضيك حتى تذكر نفسك باختيارك البطولي للغفران.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا