الفيزياء والفلك > علم الفلك

ممَّ تتكوَّن الشمس؟ ومتى ستموت؟

تتكوّن الشمس -كأيّ نجم يعيش في فترة القمّة- من ناحية النشاط من ذرات الهيدروجين التي تندمج زوجيًّا لإنتاج الهيليوم؛ و بمعنى آخر؛ فإنَّ كلّ ذرتَيْ هيدروجين تتّحدان معًا ليشكّلا ذرة واحدة من الهيليوم، وهو ما يُعرف بتفاعل الاندماج النوويّ ، ومن تبعات هذا الاندماج إصدارُ طاقة كبيرة جدًّا

لكنَّ المكوّنات الرئيسة التي تتحكّم بحياة الشمس أو أيّ نجم آخر هي عناصر أكثر ثقلًا وكثافة ندعوها جميعنا بالمعادن مهما كانت نسبتُها ضمن النجم؛ بمعنى أنّ أيّة زيادة أو نقصان في نسبة هذه المعادن كافيةٌ لِتُغيِّرَ مصيرَ النجم كليًّا، ونحن نعلم جميعًا بأنَّ المعادن تمتصّ الإشعاع الناتج عن أيّة عملية نووية أو عنصر مشعّ، لذلك كلّما كان النجم ذا خصائص معدنية؛ ويحوي نسبًا أكبر منها؛ كان مظلمًا إشعاعيًّا أكثر، وهذا يؤدّي دورًا رئيسًا في خواصّ النجم بما في ذلك درجة حرارته، وسطوعه، وحجمه، إضافةً إلى خواص رئيسة أخرى يمتلكها النجم، فمثلًا؛ كم بقيَ له حتى يموت، إضافة إلى كيفيّة الوفاة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ لِمَ كلّ تلك الأهمية لهذه المعرفة ؟

حسنًا، فمن جهةٍ؛ إنَّ معرفة العمر المتبقَّي للشمس أمر محوريّ في تحديد مصير البشريَّة على المستوى البعيد، ومن جهة ثانية؛ فجميع الكواكب والنجوم والمجرَّات تُقاسُ بالنسبة إلى نموذج نجم معياريّ وهو الشمس، فمثلًا؛ إذا أردنا أن نقيس حجم نجم  كبير نقول إنَّه يساوي ثلاث كتل شمسية وهكذا.

لذلك إذا استطعنا معرفة المزيد عن الشمس وخواصها فذلك سيغيّر نظرتنا إلى الكون أجمع ونجومه، انطلاقًا من معرفة  مكوّناتها المعدنية مرورًا بدرجات حرارتها وصولًا إلى عمرها، ومتى، وكيف ستفنى .

وبالعودة إلى العشرين عامًا الماضية؛ ظنَّ العلماء أنّهم وصفوا مكوّنات الشمس وصنّّفوها بطرائق مباشرة و غير مباشرة.  ووصلوا آنذاك إلى نسبة معدنية تقدر بــ 1.8% من كتلة الشمس، ممّا أدّى إلى اعتقادهم بأنّهم لا يفهمون الأطياف الكهرطيسية الصادرة عن الشمس، بل كيفية عمل الشمس أيضًا.

وهنا يمكننا القول إنّنا نستطيع باستخدام أطياف العناصر ومعرفة كلّ عنصر وقياس طيفه على حِدة بطريقة ما معرفة ما تحويه الشمس من مكونات بدقّة.

علمًا أنَّه في وقتنا الحالي أصبحتْ أجهزة قياس الأطياف في دقّة متزايدة منذ بدايات القرن الحالي، وخاصة تلك التي تختصّ بقياس الأطياف الصادرة عن الشمس، والتي أدّت  في النهاية إلى نتيجة مفادها بأنّ الشمس تتكوّن من 1.3 % من المعادن.

وبالتوازي مع ذلك؛ فإنّ علمَ الهليوفيزيولوجيا helioseismology عِلمٌ يُقدّم طرائق قياس غير مباشرة لمعرفة تكوين الشمس، ويقول بأنَّ نسبة المعادن ما تزال تبلغ 1.8 في المائة.

ولكن؛ إذا كانت ما تُسمَّى  بنظريةِ "النَّموذج الشمسيّ القياسيّ" صحيحة؛ ينبغي أن تتّفق الطريقتان: طريقةُ القياس الطيفيّ من جهة، والطريقة غير المباشرة التي يقدّمها علم الهليوفيزيولوجيا؛ أي إنَّ الفلكيين يجب أن يكونوا قادرين على الوصول إلى نسبة المعادن نفسها في كلتا الطريقتين، لكنّ ذلك لم يحدث حتى الآن، ممّا يشكّل معضلةً  ليس لفيزياء الشمس فقط ؛ ولكن لعلم الفلك ككل أيضًا.

فلقد أتى الأمل أخيرًا بعد سنوات من الجمود في هذه الأبحاث لإيجاد حلقة الربط التي تُمكّننا من معرفة تكوين النجوم بدقة عالية، وذلك بدراسة النيوترونات المُنبعثة من الشمس، والتي سُمّيت (بالنيوترونات الشمسية) لهذا السبب، وقد وجدَ العلماء أنَّها تحمل طاقات مختلفة؛ أي إنَّها ناتجة عن تفاعلات نووية لعناصر عدّة، وتحمل عند انطلاق تلك النيوترونات بعض المعلومات عن مصدرها. وهكذا أصبح لدينا أمل بمعرفة تكوين الشمس، وقاد اتباع هذه الفكرة إلى رصْد  نسبة 1.8 % من المعادن داخل الشمس.

وهنا جاءَ اكتشافٌ آخرُ ليغيّر نظرتنا إلى التحليل الطيفيّ ضمن ظروف خاصة، فمثلًا؛ عند وجود ضغط عالٍ - كما يحدث داخل الشمس- فإنَّ المعادن تصبح ذات قدرة امتصاصية عالية جدًّا أكثر ممّا كان معروفًا؛ أي  أكثر عتمة، ممَّا يؤدّي إلى خفْض التقديرات الخاصة بنسبة المعادن داخل الشمس إلى 1.3 %، وهذا يعني أنَّه يجب إعادة النظر، ومراجعة أعمار النجوم والمجرات.

ونهاية القول؛ لسوء حظِّ شمسِنا -والحياة المستقبلية على الأرض- أنَّ النجوم الحاوية على نِسب معادن منخفضة تَحرق الوقود بسرعة أكبر من تلك التي تحتوي على نسب أعلى من المعادن، لذا فالعمرُ المتبقّي للشمس أقلّ بنحو مليار سنة ممَّا كنّا نظنّ.

المصدر: هنا