المعلوماتية > الحوسبة الكمومية

افسحوا الطريق.. الروبوت الكموميّ قادم!

ترتبط أكثر التقنيّات شيوعًا في الحقل العلمي هذه الأيام ارتباطًا وثيقًا بعلوم الحاسوب؛ الذكاء الصنعي (Artificial Intelligence) والحوسبة الكمومية (Quantum Computing)، ويُمكنك عدُّ الذكاء الصنعي حقلًا قديمًا قِدَم أحلامِ الإنسانية في امتلاكِ آلاتٍ ذاتية ومستقلّة، ولكن الحوسبة الكمومية ليست بهذا القِدَم؛ إذ يعدُّ أول اقتراحٍ لاستخدام الأنظمة الكمومية في الحوسبة من قبل ريتشارد فاينمان (Richard Feynman) في عام 1982.

سأُقدّم في هذا المقال مادةً توضِّح لكم قدرةَ الدمج بين هاتين التقنيّتين في تغييرِ العالم، إضافةً إلى تعريفٍ بنموذج الروبوتات الكمومية (Quantum Robots: QR)..

بالحديث عن النتائج المُبتكرة التي أُعلن عنها مؤخرًّا في مجالِ الذكاء الصنعي؛ نذكر القدرةَ على التعرّفِ إلى الصور وقد أدّت هذه الخطوة إلى تقنيّاتٍ ثورية، منها السيارات ذاتية القيادة، فضلًا عن عدّة تقنيات ظهرت في الآونة الأخيرة، ومنها: AlphaGo وDeep Dream وHand Talk، وكثيرًا من التطبيقات التي يجري تطويرَها يوميًّا.

وبالانتقال إلى محورِ حديثنا الحقيقي -الروبوتات الكمومية- تصبُّ أغلب التطوّرات الحاصلة في مجالِ الروبوتية في أهمِّ الإنجازات ضمن حقول العلوم والتقنيّة في القرن العشرين، ومع هذه التطورات التقنية تخدم الروبوتات المجتمعَ على نحو مُتزايد في سياقٍ واسع من التطبيقات؛ منها ما هو في الإنتاج الصناعي والأعمال العسكرية والمُعالجة الطبّية والمِلَاحة، فضلًا عن بعضِ أنواع الروبوتات مثل الروبوتات النانوية (nanoRobot) والروبوتات الحيوية (bioRobots) والروبوتات الطبّية (medical Robots)، التي تُطوَّر باندماجِ تقنيّات النانوية والهندسة الطبية والحيوية (البيولوجية) مع تقنياتِ الروبوتية.

كما يتّضح من النزعة التطوّرية للروبوتات، يُعدّ كلًّا من تزايدِ ذكاء الآلة  وتناقُصِ الحجم الفيزيائي (المادي) للروبوت من أهمّ الدوافع للقيام بالأبحاث والدراسات في هذا المجال.

ومن أقوى المؤشّرات على تزايدِ ذكاء الآلة تحسينُ أداء الحسّاسات (أجهزة الاستشعار)، وازدياد سرعة التعلّم، والسرعة في اتّخاذ القرار؛ إضافة إلى أنّ تقليل الحجم الفيزيائي سيُبرِز التأثيرات الكمومية داخل الآلة ليُصبح هذا الازدياد في ذكائِها أكثر جلاءً؛ ومن هنا تنبثق أهميّةُ إعادة هيكلة العديد من التحدّيات التي تواجهها ثورةُ الروبوتات من زوايا جديدة.

إنّ النظرية الكمومية من أهمّ الإنجازات التي تُكلِّل القرن العشرين. وعمليًّا؛ تدلّ نتائج تقانة المعلومات الكمومية على قدرةِ الحوسبة الكمومية في زيادة فعالية الحلول لأهمّ المشاكل المُستعصية على الحواسيب العادية.

أضف إلى ذلك، قدرةَ الأنظمة الكمومية على زيادةِ درجات الحماية في أنظمة الاتّصالات، وزيادةِ سعة قنوات الاتصال؛ وبالتالي تُعتبر الأنظمة الكمومية وتطبيقاتها من أهمِّ مجالات الأبحاث التي تجذب اهتمامَ أغلبِ علماء العصر.

لقد عُرِضَ مفهوم الروبوت الكمومي من وجهةِ نظر فيزيائية من قبل Benioff عام 1988؛ حيث قام بتسليطِ الضوء على أبرز تطبيقات الحوسبة الكمومية في تصميم هذه الروبوتات، إلّا أنّ التوصيف الذي قدّمه يشير إلى عدمِ قدرة الروبوت على إدراكِ بيئته أو اتّخاذ القرار أو إجراء تجارب وقياسات منطقية؛ ولكنّه مهّد الطريقَ لبدء الأبحاث والدراسات ووضع تصاميم ونماذج للروبوتات الكمومية المنشودة.

نُشرت ورقة بحثية اقتُرحَ فيها روبوتٌ كمومي جديد تمامًا من منظور هندسي، مع التعمّق في التحكّم بطرائقِ تعلُّمه وحصوله على المعلومات.

مُذ تمّت الاستفادة من ميكانيكا الكم في تصميمِ نماذج الروبوت الكمومي؛ حُلَّت المشاكل الناجِمة عن تقليصِ الحجم المادي، علاوةً على ذلك؛ يُمكن تحسين أداء الحسّاسات عن طريق تزويد الروبوتات بحسّاسات كمومية، ويمكن أيضًا زيادة سرعة التعلّم واتّخاذ القرار باستخدام الحوسبة التفرُّعية، وزيادة سرعة البحث وفعالية التعلّم بالخوارزميات الكمومية.

الآن ستتعرّف إلى بنيةِ النظام المُصمَّم  لتسيير هذه الثورة التقنية، وإلى توصيفِ العناصر الأساسية فيه؛ كالمحرّك الكمومي ووحدات التقاط (استحصال) المعلومات.

بنية نظام الروبوت الكمومي:

هو عبارة عن جهاز فيزيائي محمول ومُصمّم للاستفادة من التأثيرات الخاصّة بالأنظمة الكمومية، والتي تتمكّن من تحسّس البيئةِ المحيطة والحالة الآنية ومعالجة المعلومات الكمومية (أي البتّات الكمومية qubits)، وإنجاز مهام هادفة.

التعليق على الصورة: (بُنية نظام الروبوت الكمومي، حيث نراه يتضمّن ثلاثةَ أجزاء رئيسة: وحدة المُعالجة الكمومية المركزية، والمُتحكّم والمُحرّك الكمومي، ووحدات استحصال المعلومات)

1-    MQCU: اختصار للمصطلح (Multi-Quantum Computing Units)؛ وهي وحدة المعالجة الكمومية المركزية؛ دماغ الروبوت.

تقوم باستقبال المهام الموصوفة في اللغات الكمومية، ويتبادل المعلومات مع البيئة الخارجية عبرَ الحسّاسات الكمومية أو وسائل اتّصال خارجية، ويتمكّن من انتهاجِ خوارزميات تحكُّم كمومية مناسبة، وتوليدِ إشارات دلالية لوحدة التحكُّم الكمومية من أجل توجيه المُتحكِّمات (Controllers) لأداءِ عمليات محدّدة؛ عن طريق فرز وتحليل وحساب ومعالجة معلومات متنوّعة؛ من بينها معلومات عن المهام والبيئة والإحساس بها.

تتكوّن الـ (MQCU) من عدّة وحداتٍ معالجة كمومية (QCUs) تقوم كلّ واحدة منها بإنجازِ مهام محدّدة، وتتبادل المعلومات فيما بينها عبر ناقل كمومي (Quantum bus)، الذي يُمكن أن يكون نوعًا من الدارات الكمومية، ويجب أيضًا أن يكون قادرًا على تبادلِ المعلومات الكمومية وتطبيق العمليات التي تسبق المُعالجة عليها.

وبحسب النظرية الكمومية؛ فإنّ (QCUs) قادرةٌ على تبادلِ المعلومات فيما بينها بسرعة وسرّية أكثر من وحدات المعالجة في الروبوتات التقليدية، وقادر على أداءِ مهام محدّدة مسبقًا.

وفي التطبيقات الواقعية يمكن أن يُستخدم الحاسوب الكمومي كجزءٍ رئيسي في (QCUs)؛ باعتباره قادرًا على مُعالجة المعلومات الكمومية وأداء الحوسبة التفرّعية؛ نظرًا لاستخدامه البتّ الكمومي "qubit" الذي يمكن أن يُمثِّل (يُخزّن) الحالتين 0 و1 معًا في ظاهرةِ التراكب superposition على عكس البتّ العادي؛ وعليه، ستصبح الحسابات لبعضِ المشاكل في الحوسبة التقليدية أكثرَ سرعة هنا، والحلول أكثرَ كفاءة.

2-Q. Controller & Actuator: أجهزة التحكّم والتنفيذ (التحريك) في الروبوت.

يستقبل المُتحكِّم الإشاراتَ الدلالية من MQCU ويعالجها، بينما يُبلغ المحرّك لإجراءِ ردّ فعلٍ مناسب لما ورد إليه من معلومات، يؤدّي المتحكّم دورَ صلة الوصل بين الدماغ (MQCU) واليد (المُحرِّك)؛ هو عبارة عن نظام كمومي مثل بوّابة CNOR الكمومية.

ينفّذ المحرّك بعضَ الأفعال المحدّدة من الإشارات الدلالية التي يرسلها المتحكّم.

يمكن أيضًا أن يكوّن نظام كمومي نقي أو جهاز نصف كمومي قادر على معالجةِ المعلومات الكمومية.

عمومًا؛ إنّ المحرّك قادرٌ على تبادلِ المعلومات الكمومية (كما أسلفتُ سابقًا، الـ qubits) مع المتحكّم كما المعلومات العادية (bits).

وفي بعض الظروف يُعدّ كلًّا من المحرّك والمُتحكّم جهازًا منفردًا يستقبل المعلومات مباشرةً من وحدةِ المعالجة المركزية، وينفّذ بعضَ الأفعال في البيئة، إضافة إلى الحسّاسات؛ يُعدّ المحرّك قناة وصلٍ إضافية بين الروبوت وبيئته.

3-Information Acquisition units: وحدات استحصال المعلومات (IAU) التي تُمكِّن الروبوت من استشعارِ بيئته والتقاط المعلومات منها، ويمكن أيضًا استقبال معلومات من وحدة معالجة بعيدة أو من روبوتات كمومية أخرى عبر وحداتِ اتّصال خارجية.

لكن حسب النظرية الكمومية؛ يُعد استحصال المعلومات الكمومية من الصعوبة بمكان؛ لأنّ القياس الكمومي يمكن أن يُفقد النظام حالتَه الكمومية؛ عليه، يُعدّ القياس الكمومي غير التدميري (QND) مهمّةً أساسية في هذا الروبوت.

كما تعلَم  للحسّاسات (أجهزة الاستشعار) دورٌ رئيسي في عمليةِ استحصال المعلومات، وللكمومية منها نوعان حاليًّا:

-         superconduction quantum interference device (SQUID) sensor:

هو جهاز استشعار شديد الحساسيّة للحقول المغناطيسية، ويعتمد على مبادئِ ظاهرة الناقلية الفائقة، وأثرِ مايسنر  Meissner effect، وتكمية التدفّق، وأثرِ جوزيفسون Josephson effect.

واستنادًا إلى أثر جوزيفسون؛ يمكن لهذا الحسّاس أن يحوّل تغيُّرات متناهية الصغر في الحقل الكهربائي أو الحقل المغناطيسي إلى جُهدٍ كهربائي قابل للقياس، و يمكنه الكشف عن حقول مغناطيسية ضعيفة تصل إلى 10-10 تِسلا.

-         Quantum Well Hall (QWH) sensor:

هو جهاز استشعار ذو حساسيةٍ مغناطيسية عالية، وثبات حراري ممتاز للغاية؛ لذلك يمكن استخدامه للكشف عن الحقول المغناطيسية الضعيفة تحت ظروفٍ مختلفة.

لا شكّ في أنّنا ضمن تحدٍّ صعبٍ حتى يتمكّن الروبوت الكمومي من رؤية النور بالفعل؛ إذْ يجب تحديد بنية نظام الروبوت الكمومي أولًا، ثُمّ المُعدّات الفيزيائية بما فيها وحدات المعالجة، والحسّاسات، والمُتحكّمات، وعتاد الاتصال. وثالثًا، يجب تأطير الخوارزميات والقضايا البرمجية المختلفة ضمن السياق البرمجي.

ومن خلال ما قدمّناه من نماذج وتطبيقات؛ نكون قد وجّهنا الأضواء نحو مستقبل واعد، حيث يدخل الروبوت الكمومي في تركيبِ كلّ منظومة ذكيّة متكاملة.

المصادر:

-          هنا

-          هنا

-          هنا

-          هنا