التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

الساديّة، كيف تبدو خارج الأفلام الإباحيّة؟

تسوّق الأفلامُ الإباحيّةُ للساديّةِ والعنفِ الجنسيّ إلى درجةٍ تُظهرُهما سلوكًا طبيعيًّا يمكن أن يظهر لدى الجنسَين على حدٍّ سواء. وفعليًا، يظهرُ هذا السلوكُ لدى الرجالِ بدرجةٍ أكبر من النساء، ويُنظَر إليه بأنّه صفةٌ تترافق مع مفهومِ "الرجولة"، ممّا قد يسوقُ الذكورَ أحيانًا إلى التفاخرِ بامتلاكِهم ميولًا كهذه. لكنْ؛ هنالك خطٌّ رفيع يفصل بين الخيالات الجنسيّة الطبيعيّة والاضطراباتِ الجنسيّة المؤذية، فكيف نميّز بينهما؟

يمكننا الانطلاق من إحدى الصفاتِ الأساسيةِ للسلوك الجنسي الساديّ؛ وهي الاستثارةُ الجنسية الناتجةُ عن تطبيق الألم أو المعاناة أو الإهانة على شخصٍ آخر، والتي تتميز بكونِها حقيقيّةً وليست مجرّد تمثيلٍ أو تخيّلاتٍ جنسية. ويُنسبُ مُصطلحُ الساديّة إلى رجلٍ أرستقراطيّ فرنسيّ يُدعى الماركيز دوناتيان دو ساد Donatien de Sade، الذي عاش في الفترة الممتدةِ بين عامَي 1740 و1814، واشتهر بكتابةِ رواياتٍ ربطَت الألم بالمتعةِ الجنسيّة حتى أصبحَ يُطلق على من يمارس هذا السلوك بالشخص الساديّ.

علميًا؛ تُصنّفُ الساديّةُ Sadism كأحد أنواعِ البارافيليا؛ وهي كلمةٌ لاتينيّةٌ تعني الشذوذ وتُعرَّف بأنّها مجموعةٌ من السلوكيّات والنشاطات الجنسيّة التي تُمارس دون موافقة الشريك أو مع شريكٍ غيرِ ملائم كالأطفال أو الحيوانات، وتشملُ التخيّلاتِ الجنسيةَ والشعورَ بالإثارةِ لمجرّد التفكير بهذه السلوكيّات أيضًا حتى وإن لم تُمارَس حقًّا.

ما هي صفات السلوك الجنسيّ الساديّ؟

كما ذكرنا آنفًا؛ يشعرُ الأفراد المشخَّصون بالاضطرابِ الساديّ بالمتعة والإثارة الجنسيّة نتيجةَ التسبّبِ بالألم والمعاناةِ والإهاناتِ لشركائهم في العمليةِ الجنسية، وغالبًا ما يكون الشريك غيرَ موافقٍ على هذه الممارسات، كذلك يعانون اضطراباتٍ سلوكيّةً أُخرى ناتجةً عن سلوكيّاتِهم وتخيّلاتِهم الساديّة. وغالباً ما تعكس الأعمال السادية التي يمارسها المُصاب ويتخيّلُها رغبتَه بالسيطرة الجنسيةِ أو النفسية على شخصٍ آخر.

وتتنوع السلوكيات المرتبطة بالاضطراب الساديّ بين الأعمالِ المهينةِ وغيرِ الضارة جسديًا؛ مثل التبوّل على الشريك أو التغوّطِ عليه، وتقييده أو حبسِه باستخدام الأصفاد أو الأقفاص أو السلاسل أو الحبال، والصفعِ والضرب والعضِّ والجَلْدِ والحرق والصدمات الكهربائية، وصولًا إلى بعض السلوكيّاتِ الإجراميّةِ التي يُحتمل أن تؤدّي إلى الموت كالجرح والاغتصاب والتشويه أو حتى القتل العَمد. وبحسب  الدليل التشخيصيّ والإحصائي للاضطرابات النفسيّة DSM، تزدادُ احتمالية التسبّبِ بحوادثَ كارثيّةٍ إذا كان المصابُ يعاني الاضطرابَ الجنسيَّ الساديّ الحادّ أو عندَ ترافقِهِ باضطرابِ الشخصيّة المعاديةِ للمجتمع مثلًا.

ولا بدّ من التنبيهِ إلى أنَّ موافقةَ الطرف الآخر على التعرّض لهذهِ الأشكال من الإهاناتِ والمعاناةِ تشيرُ إلى معاناتِه من اضطراب السلوك المازوخيّ Masochism، والذي تُنسبُ تسميتُهُ للروائيّ النمساويّ ليوبولد فون زاخر-مازوخ Leopold von Zacher-Masoch الذي عاش في الفترة الممتدة بين عامَي 1836 و1895 ووصَّف هذا الاضطراب في كتاباته، ويُذكر أن بعض المراجعِ تشيرُ إلى ميل الأفراد الساديين إلى اختيارِ شركاءَ غير مازوخيين كونَهم يشعرون بمتعةٍ أكبر عند عدمِ تلذّذ الطرفِ الآخر بالألم والإهاناتِ المطبّقةِ عليهم في أثناء العمليةِ الجنسية.

الأسباب والأعراض:

لا توجدُ نظريّةٌ ثابتةٌ ومقبولةٌ علميًّا لتفسيرِ أصل الساديّة الجنسيّة أو السادومازوخية Sadomasochism، لكنَّ بعض الباحثين يحاولون تفسيرَ السلوكيات الجنسيّة الشاذة بإرجاعِها إلى أسبابٍ بيولوجيّة عن طريق إيجادِ دلائلَ تدعمُ تفسيراتِهم في الفحوصات العصبيّة أو العصبيةِ النفسيّة. ويشيرُ بعض الباحثين إلى ارتباطِ الشذوذات السلوكية الجنسية عمومًا -أي البارافيليا- بمشكلاتٍ أخرى؛ مثل الإصابات الدماغية أو الفصام أو الاضطراباتِ النفسية، وكثيرًا ما يُشخّص اضطرابُ السلوك السادي بالترافقِ مع غيرِه من الأمراضِ النفسيّة.

من جهةٍ أخرى؛ توجد نظريّةٌ أخرى لتفسير البارافيليا وتنحدرُ من نظرية التعلّم، وترجّحُ هذه النظريةُ أنَّ البارافيليا تتطوّر لدى الأشخاص بسبب اضطرارهم لكبت خيالاتِهم الجنسية غيرِ اللائقةِ وإخفائِها في بدايةِ تكوّنِها لديهم، ممّا يزيد الرغبة في تنفيذها لاحقًا حالَما تسنحُ الفرصة لذلك، الأمرُ الذي يسبب شعورًا بالاضطراب أو الإثارة لدى المتسبّب. لكنَّ تلك النظرية لم تلاقِ قبولًا في أوساطِ خبراء الطب الشرعيّ في مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي FBI والذين يعتقدون أنّ أصحاب هذه الخيالات لا يكبتونها حقًّا كما تقترح النظريّة، بل يبدؤون بسلوكيّاتٍ متوسطةِ العنف تزداد تدريجيًا حتى تصبحَ مؤذيةً، وهو ما يلاحظونَه في معظم حالاتِ الموقوفين بجرائم العنف الجنسيّ والذين يكون معظمهم من الرجال.

ويبدو في قاعدةِ بياناتِ الـ FBI أن هؤلاء الأشخاص يبدؤون بتجميعِ المواد الإباحية المحتويةِ على أفعال سادية في فتراتٍ سابقة، وقد يرسمون حبالًا أو سلاسل على عارضات البورنو، ثم يتطور بهم الأمر إلى ملاحقة النساء عن بعد، أو توظيفِ بائعةِ هوى لتنفيذِ خيالاتهم ومن ثمَّ يطلبون ذلك من شريكاتهم أو أي شريكٍ آخر يقبل بتنفيذ رغباتهم، ويزداد هذا التطبيق بمرور الوقت.

ويُذكر أنَّ الخيالاتِ الجنسية الاعتيادية تبدأ في أعمارٍ مبكرة، لكنَّ الأفعال الجنسية التي تمتلك صفةَ السادية تظهرُ في أثناء البلوغ المبكر وتتطور إلى شكلٍ مزمن، وخصوصًا في حال عدمِ الحصول على مساعدةٍ من الخبراءِ والمختصّين.

التشخيصُ والعلاج.. والوقاية:

يعدُّ تشخيصُ الاضطراب الساديّ صعبًا، إذ لا يرغب المريض عادةً بالتوجّه إلى العلاج طوعيًا، بل غالبًا ما يحدث ذلك بصورةٍ قسريّةٍ بناءً على أمرٍ من المحاكم أو نتيجةَ خوفِ المُصابِ من اكتشافِ ربِّ العمل أو أفراد العائلة معاناتَه هذا الاضطراب، وأحيانًا بسبب اضطراب الشريكة وخوفها من هذا السلوك. ويُبَتُّ بأمر التشخيصِ عادةً من قِبل طبيبٍ نفسي أو بعض الممارسين المتخصّصين بعد مقابلةِ المريض وتفحّص خيالاته وأفعالِه الجنسيّة. ولا بدّ من الحذر في التمييز بين الاضطراب السادي والإثارة الجنسية الطبيعية وغيرِهما من التجارب الجنسيّة التي لا تتضمّن ضررًا حقيقيًا على الآخرين.

وغالبًا ما يُستخدَم العلاجُ النفسي السلوكي للتعامل مع مرضى البارافيليا بأنواعِها، ويقوم على محاولةِ تعديلِ شروطِ الإثارة الجنسية والاستمناء لدى الشخص، ويتضمّن إعادةَ هيكلةِ المهارات الاجتماعية لديه فضلًا عن عددٍ من التدريبات المتخصصة. وفي بعض الحالات، يترافق ذلك مع بعضِ الأدوية التي عادةً ما تكون هرموناتٍ أنثويةً تُساعد في تخفيف أثر التستوسترون في الجسم، وتكون المتابعة بإشراف المحاكم المتخصصة في حال ممارسة السلوكيات السادية مع شركاء غيرِ موافقين على العملية الجنسية.

أخيرًا؛ لا بدّ من التنبيه إلى أنَّ الوقاية من هذا النوع من الحالات ليس بالأمر السهل، فالخط الفاصل بين التجارب الجنسية الطبيعية وتلك السادية صعبُ التمييز ويحتاجُ خبرةً وتخصصًّا طويلًا، فضلًا عن كونِ تلك التخيّلات والاضطرابات تبدأ في الطفولة وفي أعمارٍ مبكرة. ولا يسعُنا إلّا أن نؤكد على ضرورةِ الامتناع عن ممارسة أي سلوكٍ جنسيّ مع شريكٍ غير موافق فضلًا عن الحذر من تطبيق التخيّلات الجنسية المؤذية على الآخرين.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا