الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

رحلةُ الـ 2000 ميل

الفراشات الملَكيَّة (Monarch butterfly)؛ هذه الحشرات الصغيرة التي تنجز واحدة من أكثر رحلات الهجرة إدهاشاً على كوكبنا، فمع بداية كل خريف تطير فراشات المونارش من كندا والولايات المتَّحدة الأمريكية لمسافة تزيد عن 2000 ميل (ما يقارب 3220 كم) مُتَّجهة نحو المكسيك بهدف قضاء شتاءٍ دافئ. وسنتعرَّف في هذا المقال إلى الآلية الفيزيولوجية التي تستخدمها هذه الفراشات في تحديد وجهتها وصولاً إلى هدفها بنجاح.

اكتشف فريق من الباحثين سرَّ البوصلة الجينية البيولوجية التي تستخدمها فراشات المونارش لتحديد الاتِّجاه الصحيح في رحلتها السنوية نحو الجنوب لقضاء شتاء دافئ، وتعتمد هذه البوصلة على دمج نوعين من المعلومات؛ أحدهما توقيت النهار والآخر موقع الشمس في السماء، وتوظِّف الفراشات ذلك في تحديد اتِّجاه الجنوب.

إذ تستخدم الفراشات عيونها المركَّبة الكبيرة لرؤية موقع الشمس في السماء ولكن ذلك يُعدُّ غير كافٍ لها، لذا يتوجَّب عليها تحديد التوقيت ودمج هذه المعلومات للحصول على التحديد الصحيح للاتِّجاه، وهي تنجز ذلك عن طريق ساعة بيولوجية مُتوضِّعة في قرونها الاستشعاريَّة التي تنقل المعلومات إلى الدماغ عن طريق نواقل عصبية، وتعمل هذه الساعة البيولوجية بأنماطٍ فيزيولوجية وسلوكية محدَّدة كما في باقي الحيوانات والبشر.

وسجّل الباحثون هذه الإشارات الواردة من قرون الاستشعار والتي تحمل معلومات التوقيت، إضافة إلى المعلومات المرتبطة بموقع الشمس والواردة من العيون، وحصلوا على نموذج تعامل الدماغ مع هذين النوعين من المعلومات.

يجري التحكُّم بنوعيِّ الإشارات الواردة إلى الدماغ عن طريق آليَّتين عصبيَّتين، واحدة محفِّزة و أخرى مثبِّطة، وبإجراء توازن بين هاتين الآليَّتين يُساعَد الدماغُ في توظيف هذه المعلومات لتحديد اتِّجاه الجنوب الغربيّ.

يوفِّر ذلك النموذج أيضاً خاصِّية فريدة لتصحيح المسار في حال ضلَّتِ الفراشات طريقها بسبب عاصفة أو عوامل مُناخيَّة أُخرى وتسمَّى نقطة الفصل؛ إذ تُستخدم نقطةُ الفصل هذه لتوجيه الفراشة يميناً أو يساراً بهدف التركيز على اتِّجاه الجنوب بدلاً من اتِّخاذ أقصر الطرق للعودة إلى الاتِّجاه الصحيح.

وكذلك يوضِّح هذا النموذج أيضاً قدرة الفراشات على العودة باتِّجاه الشمال الشرقيِّ في فصل الربيع عائدة إلى الولايات المتِّحدة وكندا.

أتاحت هذه الدراسة الفرصة لمعرفة كيفية إتمام هذه الفراشات رحلتها المميَّزة والمتكرِّرة جيلاً بعد جيل، ولكنَّنا ما نزال في حاجة إلى مزيد من الدراسات لاكتشاف أسرار هذه الكائنات الرائعة.

المصدر:

هنا