الطب > مقالات طبية

اكتشاف جديد يُعطي أملًا في محاربة السكتة الدماغية

تُعدُّ السكتة الدماغية واحدة من أهم أسباب الشلل والموت في العالم، وهي تشير إلى مجموعة من الحالات الناتجة عن نقص الأوكسجين بسبب انغلاق وعاء أو نزف ناتج عن تمزق وعائي في الدماغ، ويُعدُّ نقص مرور الدم إلى أنسجة الدماغ سببَ تمَوُّت النسيج العصبي وتشكُّل جوف من النسيج الميت والالتهاب الذي يتبع نقص الأوكسجين والذي يؤدي دورًا كبيرًا في تطور السكتة الدماغية

ولكنَّ أثره الجيد يقتصر على المرحلة الأولى فقط؛ فالاستجابة الأولية للالتهاب ضرورية لتخلصنا من البقايا الخلوية وتمنع انتشار الإصابة النسيجية؛ ولكنَّ السيتوكينات التي تُفرَز من الخلايا البالعة في أثناء الالتهاب تسبب زيادة الأذيَّة الخلوية وزيادة مساحة النسيج المتأذي أيضًا.

ومن ناحية أخرى فإنَّ أي إصابة تحيق بالدماغ يتبعها ما يُعرَف باسم الدباق التفاعلي (reactive gliosis) أي استجابة النسيج الدبقي، وإنَّ هذه العملية تترك أثرًا جيدًا وآخرَ سيئًا على الوظيفة الدماغية بعد الاصابة في آن معًا؛ ففي المرحلة الأولى تسبب حصرًا للمنطقة ومنع زيادة مساحة النسيج المتأذّي أيضًا، وكذلك فإنَّ الخلايا الدبقية تؤدِّي دورًا في زيادة التوعية الدموية؛ ممَّا يزيد تغذية النسيج العصبي ودعمه

ويشكِّل تجمع الخلايا الدبقية ما يشبه الندبة الخلوية، ويعمل الغشاء القاعدي لهذه الخلايا حاجزًا فيزيائيًّا  يمنع مرورَ محاور الخلية العصبية عبره؛ ثمَّ تقوم بمنع حدوث استجابة لعوامل النمو، ولذلك تمنع نمو الخلايا العصبية واستشفائها الكامل؛ لذلك فإنَّ الاستراتيجية الناجحة لشفاء النسيج الدماغي المتضرر بعد السكتة تقتضي إيصال مواد تحفز تكوين أوعية دموية وخلايا عصبية جديدة وتقلل الالتهاب وتكون دعمًا للسماح بمرور محاور الخلايا العصبية، وقد طُبقَت سابقًا العديد من التجارب التي استهدفت تعزيز تولد الأوعية الدموية (توعية) في النسيج الدماغي علاجيًّا باستخدام عامل نمو الخلايا المبطنة للأوعية

(VEGF)! ولكن كان لهذا العلاج تأثير خطر في زيادة نفاذية الحاجز الدموي الدماغي الذي يؤدِّي إلى حدوث وذمة للدماغ !

وبناءً على ذلك اقترح الطبيبان سيغورا وتوماس تصميم مادة حيوية تحوي عامل نمو الخلايا المبطنة للأوعية قابلة للحقن في المنطقة المتضررة من الدماغ مباشرة لتفادي الأثر السابق؛ فكانت الهُلاميات المائية المُحضرة من الحمض الهيالوريني حاملةَ جزيئات الهيبارين مع عناقيد من عامل النمو ذاته (VEGF)  أحد الاقتراحات؛ إذ إن هذه الهلاميات المائية أدت إلى إعادة توعية النسيج المتضرر بعد السكتة دون ملاحظة أي أعراض كزيادة حجم النسيج  الدماغي المتضرر عبر الوذمة، وكان لهذه المادة الحيوية قدرة كبيرة على دعم النمو الوعائي؛ فعاملُ النمو المرتبط بالنسيج الخارج خلوي،وقد صُمِم ليكون تحفيزًا مستمرًا لمستقبلات عامل النمو؛ فنتج عن ذلك زيادة التوعية بعد الحقن المباشر زيادة كبيرة بل أشدّ وأكثر في الجانب المقابل من الدماغ الذي لم تحدث فيه السكتة ولم يخضع للعلاج، وعندما قُورِن شكل الأوعية الجديدة وُجد أنَّ الأوعية التي حُفِزت عبر هذه المادة الحيوية لم تختلف عن الأوعية الطبيعية.

تحفيز نمو الخلايا العصبية

اعتمدت هذه المحاولات في جوهرها على الفرضية التي تقتضي أنَّ الخلايا العصبية تتشكَّل من جديد بعد تشكُّل نسيج وعائي داخل النسيج المتأذي نتيجة السكتة الدماغية، وذلك يحدثُ بهجرة الخلايا المُنشِئة للخلايا العصبية إلى المناطق المتأذية؛ فقد أوضحت العديد من التجارب وجود علاقة مهمة ومتبادلة بين الخلايا المبطِّنة للأوعية والخلايا العصبية ودور كلٍّ منهما في نمو الآخر، وقد لوحظ ازدياد محاور الخلايا العصبية في المنطقة بعد الحقن أيضًا.

ولأنَّ وجود المحاور العصبية وتشكيل المشابك مرتبطان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا؛ إذ يُعدَّان ضروريين لإنشاء وصلات عصبية وظيفية في نظامنا العصبي؛ فكان لا بدَّ بعد ذلك إدراك التأثير الكبير الذي حلَّ بوظائف الكائن الحي:

الفأر الذي اعتمدوه في التجارب الأولى؛ فبعد تحفيز سكتة دماغية في منطقة من القشرة الدماغية لفأر ثمّ حقن المادة الحيوية؛ لوحظ بعد وضع قطعة طعامٍ أمام الفأر: ازدياد استخدامه لأصابع الجهة المعاكسة لنصف القشرة الدماغية الذي تعرض للسكتة في الأكل ونقصان الزمن الذي يستغرقه في الأكل**

ولكن ما دور جزيئات الهيبارين التي صمّموها للحقن بالتعاون مع عوامل النمو ؟

أمَّا جزيئات الهيبارين التي عُرفِت بخواصها المضادة للتخثُّر- منذ قرون - التي أظهرت الأدلة وجود خواصَ مضادة للالتهاب فيها أيضًا بسبب قدرتها على منع التصاق الكُريات البيض بجدار الأوعية؛ فكان لها دور كبير في خفضِ مستويات السيتوكيتين المحفَّز بعد السكتة الذي يُعدُّ عاملًا أساسيًّا في الالتهاب؛ لذلك فإنَّ استخدام هذه الجزيئات بالتعاون مع عامل النمو للخلايا البطانية؛ كان له دورٌ في تعديل الأثر الالتهابي ممَّا ساهم في تأمين وسط مناسب لتشكِّيل نسيج دماغي متكامل.

 نهايةً:

إنَّ حقن الهلامية المائية في الدماغ بعد سكتة قد اختُبِر في العديد من نماذج السكتة الدماغية الحيوانية وليس في الفأر فقط، وقد زودَّنا بطريقة مبتكرة للتعامل مع نسيج دماغي مصاب بالاحتشاء دون المرور أو إحداث أيّ ضرر للنسيج المحيط به.

ويُعدُّ هذا المزج بين إنتاج نسيج وعائي عصبي جديد مباشرة في الجوف المتضرر مع تقليل الندبة الدبقية والاستجابة الالتهابية بعد السكتة أمرًا لم يشهده طب الأعصاب من قبل، وهو ما يعطي أملًا جديدًا في التخلص من الآثار التي تتركها السكتة على ضحاياها.

**حاشية: القشرةُ الدماغية لنصف الكرة المُخية الأيمن تتحكم بأجزاء الجسم الأيسر والعكس.

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا