الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

كيفَ أصبح "جيف بيزوس" أغنى رجلٍ في أمريكا والعالم؟

منذ عام 1994؛ هذه هي المرّة الأولى التي لا يكون فيها Bill Gates مؤسسُ "مايكروسوفت" هو أغنى أمريكي، فـ "بيزوس" -وبثروةٍ صافيةٍ تقدّر بـ 160 مليار دولار- كان قد نجح في مضاعفة ثروته تقريبًا في أثناء العام الماضي محطمًا رقمًا قياسيًا في زيادة ثروته بمبلغٍ قدره 78.5 مليار دولار، وذلك يعود إلى زيادةٍ بنسبة 104% في سعر أسهم شركة "آمازون". وبالفعل فقد حققت شركة "آمازون" مبيعاتٍ تزيدُ قيمتها عن 100 مليار دولار على مدى الأشهرِ الستة الأولى من عام 2018، وبزيادةٍ قدرها 41% مقارنةً بالعام المنصرم.

تتبّعت "فوربس" تقدُّمَ "بيزوس" منذ عام 1998، إذ ظهرَ أوَّل مرةٍ في ذلك العام على قائمة "فوربس 400" في المرتبة 102 بثروةٍ تقدّر بـ 1.6 مليار دولار، وذلك بعد أربع سنواتٍ فقط من تأسيس الموقع الإلكتروني لـ"آمازون"، وبعد سنةٍ واحدةٍ من طرح أسهم الشركة إلى العموم. تلا ذلك صعودٌ يتَّصفُ بالثبات والبطء، وفي عام 2015؛ نجح "بيزوس" في الوصول إلى المراكز العشرة الأولى؛ إذ أصبح رابع أغنى أمريكي بثروةٍ تقدّر بـ 47 مليار دولار. وبعد أقلِّ من عامين في 27 يوليو/تموز عام 2017 تفوّق "بيزوس" على "غيتس" أوَّل مرة مُسجلًا لقب أغنى رجلٍ في العالم وفقًا لتصنيفات "فوربس" لأغنياء العالم حينها، لكنَّ احتفاظَه بهذا اللقب آنذاك لم يدم سوى ساعاتٍ قليلة، ففي اليوم ذاته؛ خيّبت "آمازون" توقعات المحللين لأرباح الربع الثاني مما أدّى إلى انخفاض سعر أسهم الشركة وخسارة مؤسِّسها لموقعه كأغنى رجلٍ في العالم.

بعد ثلاثة أشهرٍ فقط؛ أعلنت آمازون عن أرباحٍ قوية في الربع الثالث من العام، وأدّى ذلك إلى ارتفاعٍ كبير في أسعار أسهمها بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 بمقدار 13% مقارنةً بسعرِ إغلاقِ اليوم السابق، فازدادت ثروة "بيزوس" بمقدار 10 مليار دولار مستعيدًا بذلك لقبه من جديد والذي بقي محتفظًا به منذ ذلك الحين، وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017؛ تجاوزت ثروته الصافية 100 مليار دولار.

 

كيفَ وصل "بيزوس" إلى هنا؟

أنشأ "بيزوس" شركته بوصفه بائعًا نهائيًّا عبر الإنترنت لكل شيءٍ في الوجود تقريبًا. وزيادةً على بيع التجزئة؛ وسّعَ "بيزوس" نطاق "آمازون" لتشمل تصنيع أجهزةٍ تقنيةٍ (القارئ الإلكتروني) Kindle، وتقديمَ العديد من الخدمات؛ كالحوسبة السحابية وخدمات التوصيل. لكنه وقع في بعض العثرات كهاتف Amazon Fire الذي لم يدم طويلًا.

لربما يكون نجاح "آمازون" في كل خطِّ أعمالٍ اتبعته ناتجًا عن فلسفة "بيزوس" القائلة: "استخدموا دائماً التجارة الإلكترونية كما لو أنه كان أول يوم لكم في العمل". ولتذكير الجميع بروح أول يوم "Day one ethos"؛ فإن "بيزوس" يرفق باستمرارٍ في خطابه السنوي لحملة الأسهم نسخةً من أول خطاب للمساهمين عام 1997 عندما كان لدى الشركة 1.5 مليون عميلٍ مقارنةً بـ 560 ألف موظفٍ يخدمون ما يزيد عن 100 مليون عميلٍ الآن.

كتب "بيزوس" في خطابه عام 1997 مشيرًا لأشياءَ مقبلة: "كما كنا نقول منذ زمنٍ طويل؛ إنَّ بيع الكتب عبر الإنترنت والتجارة عبر الإنترنت عمومًا يجب أن تبرهن على أنها سوق كبير جدًّا. ونحن راضون عما فعلناه، بل ونحن متحمسون أكثر بشأن ما نريد فعله".

 

 

اليوم الأول:

أسس "بيزوس" موقع "آمازون" الإلكتروني بوصفه بائعًا للكتب عبر الإنترنت من مرآبٍ في "سياتل" في 3 أبريل/نيسان عام 1995. وبعد ثلاث سنوات وسَّعَ "بيزوس" نطاق منصته لتشمل الأقراص المدمجة، واستمر في إضافة مزيدٍ ومزيدٍ من المنتجات إلى "آمازون" بدءًا من خلاطات الخرسانات (مواد بناء)، إلى أجهزة الكشف عن الدخان عام 1999، لتصل إلى الدراجات الكهربائية ومضارب التنس و700 نوعٍ مختلفٍ من الجبن في عام 2003.

وفي عام 2005؛ أطلقت "آمازون" خدمتين جديدتين هما Amazon Prime (الشحن المجاني مدَّة يومين برسوم سنوية قدرها 79 دولار)، و Mechanical Turk (سوقٌ إلكترونيٌ يطابق بين العنصر البشري والمهام التي لا تستطيع الحواسيب إنجازها). وبعد سنة من ذلك في مارس/آذار عام 2006؛ أُسِّسَ (آمازون لخدمات الويب) Amazon Web Services المعروف بالاختصار AWS؛ إذ يوفر AWS للشركات خيارَ استئجار الطاقة الحاسوبية وتخزينِ قواعد البيانات، وسريعًا ما أصبحَ منصّةَ الحوسبة المفضلة لدى كثير من الشركات الناشئة في Silicon Valley. وفي الأشهر الستة الأولى من عام 2018؛ أقرَّت "آمازون" بربحٍ تشغيليٍّ يزيد عن 3 مليار دولار لوحدتها AWS، وهو أعلى بقليل من الدخل التشغيلي لأعمال بيع التجزئة في أمريكا الشمالية.

إن المحاولة الأولى والناجحة للشركة في إنتاج أداةٍ تقنية وبيعها هي قارئ الكتب الرقمية Kindle، الذي ظهر أول مرة في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2007، فقد بيعَ كامل الإنتاج في غضون خمس ساعاتٍ ونصف الساعة وبقي خارج المخزون أشهرًا. وبعد أربعة سنوات حُدِّثَ مع Kindle Fire والذي يضم إمكانية الوصول إلى 100 ألف فيلمٍ وعرضٍ تلفزيوني، و400 مجلةٍ وصحيفةٍ ملونة بالكامل، إضافةً إلى 100 كتابٍ فكاهي.

بالاستفادة من التدفقات النقدية الثابتة لـ"آمازون"؛ قاد "بيزوس" عدة إستراتيجياتٍ استحواذية؛ ففي يناير/كانون الثاني عام 2008 اشترت "آمازون" شركة Audible للكتب الصوتية بمبلغ 300 مليون دولار، وبعد عامٍ ونصف اشترت شركة التجارة الإلكترونية للأحذية Zappos أيضًا بمبلغٍ يقلّ عن مليار دولار. وفي آب 2017 أنجزت آمازون أكبر عملية استحواذ لها حتى الآن؛ إذ اشترت سلسلة محلات البقالة Whole Foods مقابل مبلغ 13.6 مليار دولار نقدًا.

في يوليو/تموز من هذا العام أعلنت "آمازون" عن استحواذٍ مختلف؛ وهو شراؤها لشركة PillPack الناشئة التي تعمل مع الصيدليات من أجل توصيل الدواء إلى منازل العملاء.

حسنًا؛ يمكن لـ "آمازون" توصيل البقالة، والكتب، ولوازم الاستحمام إلى منزلك، فلماذا لا يكون توصيل الدواء أيضًا؟

 

على الرغم من الإنجازات التاريخية التي حققها "بيزوس" بالفعل حتى الآن، فإنه لا يُظهِر أي مؤشرٍ للتباطؤ. "فيما يخصُّ جميعَ الاحتياجات العملية، فإنَّ حجم السوق غير مقيَّد"؛ هذا ما قاله "بيزوس" لـ Forbes الشهر الماضي، متحدثاً كما لو أنه ليس قائدَ شركةٍ ذات قيمة سوقية تبلغ قرابة 1 تريليون دولار.

وبالنسبة إلى "بيزوس"؛ وبعد كل ما حققه؛ فإنَّ هذا لا يزال اليوم الأول فقط.

المصدر:

هنا