الطب > مقالات طبية

الضّحك؛ في جانبَيه المضيء والمظلم!

لنبدأ بالجانب المُضيء للضحك (أي الجانب الذي لا يخفى على أحد)؛ فقد وجد الباحثون أنَّ الضحك ليس مجرد صوت وحركة، بل هو تعاون بين عضلات كثيرة على مستوى الجسم كله، ونظرًا إلى أهمية الضحك؛ فقد أصبح هناك علم خاص بدراسته يُسمَّى gelotology. ويعتقد كثيرٌ من الناس أنَّ للضحك فوائدَ علاجية كثيرة، فهل يُعدُّ الضحك علاجًا فعَّالًا حقًّا؟

تعتمد الإجابةَ على عدَّة عوامل؛ إذ ثبت أنَّ الضحك:

-يرفع ضغط الدم.

-يزيد مُعدَّل النبض.

-يُعدِّل التنفس.

-يدعم الجهاز المناعي.

-يُحارب الاكتئاب.

-أحد وسائل التغلُّب على الألم.

-يُقوّي الذاكرة والتعلُّم.

يستطيع الضحك أن يُفيد مرضى القلب والمرضى الذين يُعانون المشكلاتِ التنفُّسية؛ وذلك عن طريق مساعدتهم في إخراج المُفرزات ودعم التهوية، حتى إنَّ هناك بعض المستشفيات التي تحوي غُرفًا للضحك بهدف تسريع الشفاء.

ولكن يجب الانتباه إلى أنَّ الضحك ليس علاجًا فعَّالًا دائمًا؛ إذ هناك بعض الحالات التي سبَّب الضحك فيها نوبةً قلبيةً أو سكتةً دماغية، ولا يجوز الضحك بعد العمليات المُجراة على البطن أيضًا كي لا تتمزَّق القطب الجراحية، ثم إنه لا يجوز الضحك عند المرضى ذوي الأضلاع المكسورة.

وهذا ليس كل شيء، فنحن لم نبدأ بعدُ بأكثر الجوانب ظلمةً من الضحك.

هل سبق وسمعت بالصَّرَع الضَّحكيّ؟ فما هو؟ وما دور الدماغ في الضحك؟

هناك نوع من الصرع يُسمَّى (الصَّرَع الضحكيّ gelastic epilepsy)؛ يحدث في أغلب الأحيان بسبب ورمٍ في الوطاء ويتمثَّل بحدوث هجمة مُختصرة من الضحك غير المبرر وغير الإرادي مع تقبُّضات في الوجه، ويبدأ غالبًا في عمر صغير، حتّى إنه يبدأ أحيانًا منذ سنِّ الرَّضاعة ويتطوَّر نحو الأسوأ، ويزدادُ تواترُ حدوثه في أثناء اليوم الواحد مع التقدُّم في العمر.

نشرت مجلة nature مقالةً تصف حالةً من الصرع الضحكي عند طفلة في عمر الـ 16 عامًا قد أُجري لها عملية جراحية بهدف التحكُّم بنوبات الضحك التي كانت تُعانيها.

وجد العلماء في دراسةِ دماغ هذه الطفلة أنه عندما تُنبَّهُ منطقةٌ صغيرةٌ من الفصِّ الأمامي للدماغ تكون الطفلة تضحك، ولكنه لم يكن ذلك النوع من الضحك المُتولِّد بعد الضرر الدماغي أو بعد الصرع الضحكي، بل كان ضحكًا مُصاحِبًا المرح؛ ففي كلِّ مرةٍ تُنبَّه فيها هذه المنطقة كانت الطفلة تضحك وتقول بأنَّ هناك شيئًا مرِحًا قد أَضحكَها، وكانت الأسباب التي أضحكتها مختلفة في كل مرة يحدث فيها التنبيه.

ومن هنا استنتج كاتبو المقالة أنَّ المنطقة التي سبَّبت الضحك عند الفتاة هي جزءٌ من دارةٍ تضمُّ عددًا مختلفًا من مناطق الدماغ، وكلُّ منطقة لها وظيفةٌ مُحدَّدة؛ مثل:

-المنطقة المسؤولة عن المشاعر المُتولِّدة عن موقفٍ مُضحك.

-المنطقة المسؤولة عن فهم الموقف أو الفكاهة.

-المنطقة المسؤولة عن تحريك عضلات الوجه للضحك.

وعلى الرغم من معرفتنا ببعض مناطق الدماغ التي تُشارك في عملية الضحك؛ لكنَّ ذلك لا يُفسِّر لنا سبب الضحك أو لماذا نجد شيئًا مُضحكًا  وآخرَ غير مضحك أو لماذا لا نستطيع أن نُدغدغ أنفسنا.

اعتقد بعض العلماء أنَّ فعل الدغدغة يُحرِّض نوعًا من المنعكسات العصبية، ولكن لو كان ذلك صحيحًا لكان بإمكاننا أن نُدغدغ أنفسنا، لكننا لا نستطيع ذلك!

ولهذا السبب؛ لا يوجد حتى الآن معرفةٌ دقيقةُ بأجزاء الدماغ أو الآلية المسؤولة عن الضحك.

إلى أي مدى يمكن أن يُصبح الضحك مُعدِيًا؟

من الطبيعي أن ترى في الأحوال العادية أشخاصًا يضحكون ثم تجد نفسك تضحك معهم دون أن تفهم الحديث أو الموقف كاملًا، لكن هناك بعض الحالات التي نقلت عبارة (الضحك مُعدٍ) إلى مستوىً آخرَ تمامًا. صدّق أو لا تصدق! إذ ستبدو هذه الظاهرة من نسج الخيال، ولكنها حالة حقيقية حدثت في دولة تنزانيا شرق إفريقيا عام 1962.

وتقول القصة أنَّ مجموعةً من الطلاب بدؤوا موجةً من الضحك والبكاء غير الإرادي، وانتقلت هذه الموجة إلى بقية الطلاب في المدرسة ومن ثمَّ إلى الأهالي، وأُغلقت المدارسُ في نهاية الأمر، في حين استمرَّت موجة الضحك الهيستريائي بالانتشار لتصيب أكثر من 1000 شخص وتنتقل إلى بلدات مجاورة.

سُمِّيت هذه الحالة (وباء الضحك)، ولكن ليس هناك أي شيء مضحك فيه؛ فقد كان حالةً من الذُّعر والقلق، واستمرَّت هذه الظاهرة قرابة السنة ونصف السنة قبل أن تتلاشى تمامًا.

ووجد الباحثون في دراسةِ هذه الظاهرة أنَّ المشكلة كانت بسبب إجهادٍ خفيٍّ مُشترَك بين السكان، وكان الضحك علامةً أو عرَضًا لهستيريا كبيرة عُرفت باسم (المرض الجماعي نفسي المنشأ mass psychogenic illness أو الهيستريا الوبائية Epidemic hysteria)؛ وهو مرض نفسيُّ المنشأ يظهر بين شخصين أو أكثر، ويتظاهر بأعراض عضوية دون وجود سبب مُحدَّد، وعُرف بردِّ فعلِ الإجهاد المرتبط بالثقافة culture-bound stress

reaction أيضًا، وله آليَّتان مُنفصلتان:

1.     الأولى: الشكل القلِق: وأعراضه ألم بطني وصداع ودوار وإغماء وغثيان وفرط التهوية.

2.     الثانية: الشكل الحركي: تتظاهر بأعراضٍ كالرقص والضحك ونوبات التشنُّج والاختلاجات المُزيَّفة.

وغالبًا ما تكون الحوادث البيئية هي العامل المُطلق لهذه الظاهرة؛ مثل الانبعاث النووي والتعرُّض للدخان والضباب وتلوث مصادر المياه وغيرها.

تُخفي الهيستريا الوبائية خلفَها ضغوطًا خفية كالملل والقلق والضغوط المادية والإنتاجية وغيرها، وبحدوثها فإنها غالبًا ما تُتيح للأفراد هروبًا مُؤقتًا من هذه الضغوط بسبب إغلاق المدارس أو المصانع أو أماكن العمل ريثما تُدرَس هذه الجائحة أو تتلاشى.

وفي النهاية؛ تبقى هذه الحالات نادرةً جدًّا. ومن المُؤكَّد أنَّ فوائد الضحك -الاجتماعيةَ منها والصحية- كثيرةٌ جدًّا، وهي تفوق هذه الحالات السلبية المُخيفة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا