العمارة والتشييد > الترميم وإعادة التأهيل

سفينةٌ فضائية أم مجرَّدُ ميناءٍ بحري؟ Antwerp Port House - زها حديد

أنشئ هذا المبنى لتحويلِ محطَّةِ الإطفاء المهجورة إلى مقرٍّ جديدٍ للميناء وتجديدها وتوسيعها، ويجمع بين 500 موظف من الميناء كانوا يعملون سابقًا في مبانٍ منفصلةٍ حول المدينة.

قرَّر الميناء عام 2007 بعد أن أصبحت مكاتبه السَّابقة التي تعود إلى فترة التسعينات صغيرةً جدًا أنَّ حلَّ المشكلة يكمن في نقلِ المبنى إلى موقعٍ جديد يستطيعُ جمعَ الخدمات التقنيَّة والإداريَّة معًا، ويتمتَّعُ بالاستدامة والروح المستقبليَّة، وهو ما يمثِّل روح الميناء وقيمه على الصعيد المحليّ والدوليّ دائم التوسع.

وقد اختيرت جزيرةُ المكسيك في مرسى كاتينديك في أنتينتب كموقعٍ للمكتبِ الرئيس الجديد، وقدَّم الموقعُ المجاورُ للماء فوائد هامَّة في مجالِ استدامةِ البناء، إذ سمحَ بنقلِ المواد وعناصرِ المبنى عبر المياه كشرطٍ هامٍّ لتلبيةِ الأهداف البيئيَّة للميناء.

توجَّه المشروع نحو دمجِ محطَّةِ الإطفاءِ القديمة -التي أصبحت مهجورةً بعد إنشاءِ محطَّةٍ جديدةٍ مزوَّدةٍ بالمرافق اللازمة لخدمةِ الميناء المتوسِّع– معَ المشروع الجديد، فنظَّمت وزارةُ الهندسةِ الفلمنكية بالتَّعاون مع سلطاتِ المدينةِ والميناء المسابقةَ المعماريَّة لتصميمِ المقرِّ الجديد.

 انطلقَ تصميمُ مكتبِ زها حديد المعماري من بحثٍ تاريخيٍّ مفصَّل وتحليلٍ شاملٍ لكلٍّ من الموقع والمبنى الحالي، وقال رئيسُ ميناءِ أنتويرب مارك فان بيل: "لم يكن هناك سوى قاعدةٍ واحدةٍ في المسابقةِ المعماريَّة وهيَ المحافظةُ على المبنى الأصلي، ولم تُفرَض متطلَّباتٌ أخرى لتحديدِ موقع المبنى الجديد، لذلك فوجئت هيئةُ المحلَّفين عندما اختار المرشَّحون الخمسة بنيةً حديثةً فوقَ المبنى الأصلي، وجمعوا كل ما هو جديد معَ الطِّراز القديم، لكنَّ تصميم مكتب زها حديد المعماري كان الألمع".

ومن خلال العمل مع الشركة الاستشاريَّة Origin الرائدة في مجال ترميمِ وتجديدِ الآثار التاريخية، عُدَّت دراساتُ زها حديد لتاريخِ الموقع وتراثِه الأسسَ التي يستندُ إليها التَّصميم الذي يؤكِّد على محور شمال - جنوب بالتوازي مع Kattendijkdok الذي يربطُ وسطَ المدينةِ بالميناء والموقع المحاط بالمياه، وتُعَدُّ واجهات المبنى الأربع متساويةَ الأهميَّة دونَ وجودِ واجهةٍ رئيسة، ويُعَدُّ التَّصميمُ الجديد امتدادًا مرتفعًا للمبنى وليسَ حجمًا مجاورًا من شأنه إخفاءُ إحدى الواجهات.

وتحدِّد هذه المبادئ الرئيسة الثلاثة تركيبةَ التَّصميم التي تجمعُ بين القديمِ والجديد: وهي كتلةٌ جديدةٌ تطفو فوق المبنى القديم، وتحترم كلَّ واجهةٍ من الواجهات القديمة.

يشيرُ المبنى الملحق الجديد الذي يساوي حجمه حجمَ المبنى الأصلي تقريبًا، ويأخذُ شكلَ مقدمةِ السفينة نحو شيلدت، ويربط المبنى بالنهر الذي أسِّست عليه أنتويرب.

واجهةُ الملحق الجديدة المحاطة بالمياه سطحٌ زجاجيٌّ يشبه الموجات ويعكس ألوان سماء المدينة، وتسمحُ الأوجهُ المثلثيَّة مع الألواح الزجاجيَّة المسطَّحة بتكوينِ المنحنياتِ المصقولة على جانبي المبنى، وتسهِّلُ الانتقالَ التدريجيّ من واجهةٍ مستويةٍ في الطَّرفِ الجنوبي للمبنى إلى سطحٍ متموِّجٍ في الشمال.

يضمن المزيج المعايَر من الألواحِ المثلثيَّة الشفَّافة وغير الشفَّافة ما يكفي من ضوء الشمس داخل المبنى، معَ التحكُّم بالحمل الشمسيّ لضمانِ ظروفِ العمل المثلى، ويكسرُ تناوب الألواح الشفَّافة وغير الشفَّافة حجمَ الملحق الجديد، ويوفِّرُ إطلالاتٍ بانوراميَّةٍ على شيلدت والمدينة والميناء.

يتولَّد الإحساس بالامتداد في الجهة الجنوبيَّة عن طريق السطوح المستوية التي تتحوَّل تدريجيًّا إلى سطوحٍ ثلاثيَّةِ الأبعاد باتجاه الشمال، ويعيدُ هذا التصور عن الحجم الشفَّاف -الذي اقتطِعَ لإعطاءِ المبنى الجديد مظهره البرَّاق- تفسيرَ لقبِ أنتويرب كمدينةِ ألماس، ويظهر الملحق الجديد كشكلٍ مقصوصٍ بعناية يغيِّرُ مظهره معَ شدَّةِ تغيُّر ضوء النَّهار، وتعكسُ الواجهةُ الجديدة ظروفَ الإضاءةِ المتغيِّرة.

أحيطَ الفناءُ المركزي لمحطةِ الإطفاء القديم بسقفٍ زجاجي، وتحوَّل إلى منطقةِ الاستقبال الرئيسة في بورت هاوس الجديد، ويمكن للزوار من هذا الفناء المركزيّ الوصول إلى قاعةِ القراءةِ العامَّة التَّاريخية والمكتبة التي كانت قاعةَ سيَّاراتِ الإطفاء غير المستخدمة سابقًا، وقد رُمِّمت وحُفِظت بعناية، وتوفِّرُ المصاعدُ البانوراميَّة إمكانيَّةَ الوصول المباشر إلى الملحق الجديد مع جسرٍ خارجيٍّ يربطهُ مع المبنى ويوفِّرُ إطلالات بانوراميَّة على المدينةِ والميناء.

 يراعي التَّصميم متطلَّبات العميل بالحصول على "مكتبٍ قائمٍ على النَّشاط" عن طريق مساحات المطعم وغرف الاجتماع والقاعة الواقعة في مركز الطَّوابقِ العليا للمبنى الأصليّ والطَّوابقِ السفليَّة للملحق، وتحتوي الطَّوابقُ المتبقيَّة والتي تبتعدُ عن المركز مكاتبَ مفتوحة.

طوَّر مكتبُ زها حديد بالتعاون مع مستشار الخدمات Ingenium تصميمًا مستدامًا، يحقِّقُ كفاءةً في الطَّاقة ليصلَ إلى تصنيفٍ بيئيٍّ جيِّدٍ جدًّا في نظام BREEAM، وعلى الرُّغم من تحدِّيات الاندماج مع المبنى التَّاريخيّ المحمي تحقَّقت معايير عالية في التَّصميم المستدام بتنفيذِ استراتيجيَّاتٍ فعَّالةٍ في كلِّ مرحلةٍ من مراحلِ البناء، ويضخُّ نظام الطَّاقة البئري المياه إلى عمقِ 80 مترًا تحتَ الأرض في أكثر من 100 موقعٍ حول المبنى لتوفيرِ التَّدفئة والتبريد، ويستخدم هذا النظام حزمًا مبرِّدة في المبنى الحالي، وأسقفًّا مبرِّدة في الملحقِ الجديد، وتعملُ تجهيزاتُ المراحيض وكاشفات الحركة الخالية من الماء على تقليلِ استهلاك المياه إلى الحدِّ الأدنى بينما تعملُ ميزةُ التَّشغيل الآلي والتحكُّم الأمثل في ضوءِ النَّهار على تقليل الإضاءةِ الاصطناعيَّة.

قال مارك فان بيل: "إنَّ الطراز المعماريّ للمبنى الأصليّ نسخةٌ طبق الأصل من منزلِ هانزا السابق ويذكِّر بالقرن السَّادس عشر -القرن الذهبي في أنتويرب- ولكنَّ الهيكل المعاصر المبني من الزجاج المتألِّق فوق التصميم الأصلي يمثِّلُ قرنًا ذهبيًّا جديدًا لمدينةِ أنتويرب."

فما رأيك عزيزي القارئ؟ هل استطاع التصميم الحفاظ على مظهر البناء الأصلي وواجهاته التاريخية؟ أم أنَّه إضافةٌ غريبة شوَّهت المبنى القديم؟

المصادر: 

هنا

هنا