المعلوماتية > روبوتيك

أسراب روبوتات ميكروية على كوكبنا التقني؛ أهذا حقيقة أم خيال؟!

في عام 2002؛ كتب Michael Crichton رواية الخيال العلمي "Prey" تتحدَّث عن شركة تُصنِّع سربًا من النانو روبوت فائقة الصّغر؛ ذات استقلالية وقدرة على التنظيم الذاتي، وذلك في منشأة سرية في وسط صحراء نيفادا.

صحيح أنَّه عمل خيالي؛ لكنَّه يتجلى اليوم -على نحوٍ غير مسبوق- في ظل أحدث الأبحاث والتطورات في مجال الروبوتات، فعلى سبيل المثال؛ بدأت فرق بحثية هندسية في جامعة كورنيل بتصميم ربوتوات صغيرة وبرمجتها تتصرَّف مثل سرب من الحشرات المستقلة.

قدّم Vicente Matellán Olivera من مجموعة Robotics التَّابعة لقسم الهندسة الميكانيكية والحاسوب والهندسة الفضائية في جامعة ليون في فرنسا تحليلًا  في OpenMind (وهو مشروع غير ربحيّ يهدفُ إلى نشر المعرفة عن القضايا الأساسية في عصرنا بطريقة مفتوحة وحرة؛ رابط المشروع هنا) يعكس أوجه الشبه بين خيال Michael Crichton وواقعنا الحالي؛ إذ سيجد من قرأ رواية "prey" بعض الأفكار من الرواية، والتي قد أُنجزت فعلًا على أرض الواقع من خلال التِّقنية الروبوتية.

وكما هو الحال في الكتاب؛ تعمل العديد من المجموعات المتخصصة في مجال الروبوتات من جميع أنحاء العالم حاليًّا على تطوير روبوتات صغيرة قادرة على التصرف والتفاعل مثل أسراب الحشرات، فعلى سبيل المثال؛ يعمل فريق من المهندسين من مختبر هارفارد للدراسات الميكروية للوصول إلى هذا الهدف عبر تطوير روبوت أطلق عليه اسم "RoboBee"، وعُرض على الجمهور أوَّل مرة عام 2013، وكان الإصدار الأول من هذا الروبوت الصغير مستوحى من الحشرات، وبلغ وزنه 80 مليغرامًا مع أجنحة بطول 3 سنتيمترات، وجُهِّز بمستشعرات الرؤية والحركة واعتمَد على مصدر طاقة مركزي، وفي نهاية عام 2017 كُشِف النّقاب عن الجيل اللاحق - الهجين RoboBee - بوزن 175 مليغرام، وقادر على الطيران والتنقل تحت الماء على نحوٍ مستقل؛ هذا الروبوت قادر على دمج صفائح إلكتروليتية تُحوِّل الماء إلى وقود  (أوكسي-هيدروجين).

ويهدف مطوّرو RoboBee إلى جعله قادرًا على العمل ضمن سرب والقيام ببعثات الاستطلاع والبحث والإنقاذ، فضلًا عن المراقبة البيئية.

تاريخ الروبوتات الميكروية و الروبوتات النانوية:

كانت ولادةُ تكنولوجيا النظام الميكروي Microsystem Technology أو MST المقدّمةَ لتطوير تكنولوجيا النانو وتكنولوجيا النانو الحيوية؛ فمع تطوّر تِقنيَّات MST ظهرت الأفكار الأولى لإنشاء روبوتات ميكروية، وأتاح التطور السريع لتكنولوجيا التصنيع متناهي الصغر توفيرَ مكونات للروبوتات الميكروية بكلفة معقولة، ومن ناحية أخرى؛ أصبح تطوير MST وتكنولوجيا النانو معتمدًا على استخدام الروبوتات الميكروية عالية الدقة؛ الّتي تمكننا من التعامل مع تقنية النانو.

وأدّت الحاجة إلى أدوية مستهدفة للخلايا إلى إعطاء دفعة جديدة للروبوتات الميكروية، وظهرت فكرة استخدام روبوتات داخل جسم الإنسان أوّل مرة في أفلام الخيال العلمي مثل (Fantastic Voyage (1966،  وبدأت تلك الأفكار تبدو أكثر واقعية مع التطور السريع لـ MST وتكنولوجيا النانو في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان للتقدم في مجالات المسح المجهري الإلكتروني (SEM) والفحص المجهري الضوئي (SPM) تأثيرًا كبير أيضًا في تطوير الروبوتات الميكروية.

أدى هذا كلّه إلى توطيد علم الروبوتات الميكروية وتكوين مجتمعات مهنية ذات صلة في بداية التسعينات؛ هذا يعني أن الروبوتات الميكروية -بوصفها موضوعًا مستقلًا للبحث العلمي- موجودة منذ أكثر من 25 عام، ومازالت تكتسب الكثير من النضج تدريجيًّا.

أُثبتت جدوى استخدام الروبوتات الميكروية طبيًّا في الجسم الحي عن طريق التجارب على الحيوانات؛ إذ نجحت روبوتات ميكروية عالية الدقة في تنفيذ عمليات متناهية الصغر متطورة ومؤتمتة بالكامل على أجسام ذات أبعاد صغيرة تقاس على مقياس النانو، وعلى نحوٍ دائم؛ تقدم العديد من المختبرات نتائج واعدة لاستخدام أسراب الروبوتات الميكروية الذكية، وستصبح الروبوتات الميكروية عضوًا بارزًا في الأسرة الروبوتية الكبيرة الّتي تشمل الروبوتات الصناعية وروبوتات الخدمة والروبوتات الطبية وروبوتات التنظيف وغيرها.

التحديات

عند العمل ضمن مقاييس فائقة الصّغر؛ تكون القوى والتأثيرات مختلفة اختلافًا كبيرًا عن تلك التي نواجهها لدى العمل على المقاييس العادية، فالجاذبية مثلاً تقل أهميتها و حتى نتجاهل ذكرها في بعض التطبيقات، وعلى الجانب الآخر؛ تؤثر القوى السطحية وقوى الاحتكاك على نحوٍ كبير في سلوك الروبوتات الميكروية، والتحدّي الأساسي هنا؛ هو فهم آلية هذه القوى والتأثيرات، ولا يزال هناك ضرورة لإجراء المزيد من الأبحاث الأساسية في هذه الظواهر؛ فالهدف هو القدرة على التنبؤ بسلوك الروبوتات الميكروية على نحوٍ دقيق من أجل التحكم في تشغيلها.

وأحد أهم الخطوات اللاحقة التي تسعى مراكز البحث والتطوير لإنجازها؛ هي تطوير خلايا مؤتمتة بالكامل قادرة على إنجاز مهمّات معقدة، ويمثل الطب التحدي الأكبر؛ إذ  يتوجّب تحقيق سلوك مؤتمت يمكن التنبؤ به والسيطرة التامة عليه، بما في ذلك السيطرة على الأسراب وليس على الروبوتات الفردية فحسب. التّوافق الحيوي وعدم السمّيّة والحاجة إلى إمداد موثوق للطاقة؛ كلّها تحديات أخرى في هذا المجال تضاف إلى تحدّيات تصميم الحركة (الطيران، الزحف، السباحة) لتناسب بيئة النشر، والاتصال بين أسراب الروبوتات الميكروية هو قضية بحثية وصناعية كبرى أخرى في هذا المجال.  

لا شك في أنّنا سوف نشهد في السنوات القادمة تطورًا كبيرًا في أداء الروبوتات الميكروية، وتزايد في عدد الشركات الناشئة التي ستستخدم إمكانات هذه الروبوتات لتعزيز ابتكاراتها، وسنشهد تطورات ثورية في مجالات تطبيق هذه التقنية أيضًا، والأمر الأكيد هو أن حياتنا ستتأثر أكثر وأكثر بالتقنيات الروبوتية وستؤدّي الروبوتات الميكروية دورًا مهمًّا في هذا التطور الرائع.

المصادر:

هنا

هنا