منوعات علمية > العلم الزائف

لم يعد لغزاً بعد الآن: من هم صانعوا دوائر الحصاد ؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

"دوائر الحقول الظاهرة التي ظهرت في بريطانيا وانتشرت في عدة أنحاء أخرى من العالم، كانت شيئاً يفوق الغرابة. فحسب أنصار نظرية المؤامرة والظواهر الخارقة هي دليل على وجود كائنات فضائية أو قوى خارقة في الطبيعة، و لكن ما هي قصتها الحقيقية؟!! لنقرأ المقال ..

بدأت الحكاية منذ السبعينات فقط (وليس منذ قرون كما يعتقد البعض) حين دأبت دوائر الحقول على الظهور بشكل شبه أسبوعي في بعض الأماكن حول العالم (بالأساس المملكة المتحدة، وانتشرت الدوائر لعدة دول حول العالم لاحقاً)، تظهر الدوائر والأنماط الغريبة بشكلٍ مجهول خلال الليل مثيرة الاستغراب والدهشة والريبة ونظريات المؤامرة لدى السكان المحليين ووسائل الإعلام، لدرجة أنه تم تأسيس صحف خاصة بهذا الموضوع وأحدث البعض مجال بحثٍ كامل –غير علمي- يدعى Cerealogy.

دوائر الحقول تاريخياً: سجلَت بعض الأحداث في التاريخ لحوادث مشابهة لدوائر الحقول ولكن باختلافاتٍ كبيرة وخصوصاً عدم طيّ المحصول وإنما قطعه ووضعه في أشكال مختلفة وأشهرها أسطورة "شيطان الحصاد"، ولكنّ أول مشاهدات حقيقية لدوائر الحقول لم تبدأ حتى 1970 في الريف الانكليزي حيث بدأت بدوائر بسيطة ثم أخذت بالازدياد من حيث العدد والتعقيد ووصلت الذروة في الثمانينيات والتسعينيات حيث شوهدت دوائر دقيقة ومفصلة بعضها تمثّل معادلاتٍ رياضية معقدة! في البداية اعتقد البعض أنها بسبب هبوط صحنٍ طائر وركائز الهبوط الأربع الخاصة به وبعدها عندما وصلت الدوائر إلى درجة من التعقيد حتى اعتقدوا بأنّ الفضائيين يحاولون التواصل معنا بطريقةٍ هندسية ذكية أو أنها من صنع الشيطان نفسه.

- التفاسير المختلفة: وضع المتحمسون لنظريات المؤامرة ودوائر الحقول وحتى بعض العلماء العديد من الروايات والنظريات منها المعقول واللامعقول:

- البعض قال أنها من صنع تيارات هوائية دقيقة كالدوامات العمودية أو الدائرية،أو من قبل حقولٍ طاقيةٍ أرضية غير مبرهنة علمياً وصعبة الاكتشاف لأن الأرض قد طالت معاناتها مما سببه الإنسان من دمارٍ وخراب.

- أما الذين يفضلون تفسيراتٍ من خارج الأرض فيقولون أنها من صنع المخلوقات الفضائية حيث يصنعها الـ"Aliens" من سفنهم الفضائية أو من الفضاء بإرسال نبضاتٍ طاقية موفرين على أنفسهم عناء المجيء إلى هنا.

ومع وجود عددٍ غير محدودٍ من النظريات والفرضيات، نأتي الآن إلى *الحقائق*فإن السّبب الحقيقيّ الذي تمّت البرهنة عليه للدوائر هو *الإنسان*، ففي عام 1991 اعترف رجلان وهما "دوج باور" و "ديف كورلي" بأنهما قاما بصنع الدوائر لمدّة 15 عاماً على سبيل –التسلية- بعد ما راودتهما الفكرة أثناء احتساء البيرة كفكرةٍ للّهو مع الناس وجعلهم يعتقدون أن الفضائيين قد حطوا على الأرض .

ولكن كيف قام "ديف و دوج" بصنع الدوائر؟ في البداية قاما باستخدام قضيبٍ من الصلب كان يستعمله دوج في عمله، ثمّ قاما بتطوير أدواتهما فاستخدما حبالاً وألواحاً خشبية ثقيلة ولم تستغرق جهودهم الأولى سوى بضع دقائق، ولما كان حبّ المزاح متأصلاً فيهما وكانا فنانين جادّين بدأ التحدي يستولي عليهما وبالتدريج صمما ونفذا أشكالاً معقدة تحتاج إلى عنايةٍ ودقةٍ شديدة.

صنع "ديف ودوج" الدوائر الأولى ثمّ يبدو أنّ الخدعة أعجبت بعض المحتالين الذين أخذوا يقلدونها في أماكن أخرى! ولكنّ "ديف ودوج" سرعان ما سئما من الحيلة التي ازدادت تعقيداً وصعوبة، كما شعرا بالغضب من الثروة التي جمعها المنافقون وأصحاب الصحف الرخيصة الذين لفقوا النظريات حول خدعتهما وأخذوا يروّجونها في عقول البسطاء، فاعترفا ونشرا اعترافهما بالخدعة بل وقاما بإعادة صنع الدوائر أمام الكاميرا مع توضيح تفاصيل كيفية تصميمها وصنعها المعقّد.ولكن هل كان ذلك الاعتراف المبرهن بالأدلّة كافياً لإخماد شهرة الخدعة؟ للأسف لا، فيبدو انّ الناس تفضّل المؤامرات والغموض على الحقائق والبراهين! ففي عام 1994 تمّ نشر كتابٍ كاملٍ عن حقيقة موضوع الدوائر وفضح الكذب الذي ارتبط بها والتأكيد على اعترافات "دوج و ديف" وكان عنوان الكتاب (جولة بين الدوائر)، غير أنه لم يحقق نجاحاً باهراً وعلق على ذلك أحد النقاد: (الكتابات التي تدور حول العفاريت والألغاز تروق للقراء كثيراً، أما تلك التي تدور حول كشف الخداع وإزالة الغموض فيعتبرونها مملة ورديئة المذاق).

لنتأكّد أكثر أن الدوائر هي من صنع البشر المخادعين أو المحتالين (Hoaxers) الذين قلدوا الخدعة الأصلية الخاصة بـ "ديف و دوج"، لنقرأ معاً عن الأخطاء المضحكة التي كانوا يقعون بها! فعند تصميم أحد الدوائر التي تهدف لإيهام البسطاء أنّها من صنع الكائنات الفضائية، كتب المحتالون التوقيع التالي بحجمٍ كبير على الدائرة: WE ARE NOT ALONE، أي: لسنا وحدنا. بينما كان عليهم أن يوقعاها بـ YOU are not alone "لستم وحدكم" ولكنّهم على ما يبدو لم يتقمّصوا جيداً دور الكائنات الفضائية التي تخاطب البشر! وأحد الأخطاء الأخرى شوهدت في دائرة حصادٍ كان يفترض بها أن تحمل شيفرة رياضيّة معقدةً معروفة باسم "متطابقة أويلر" والمشهورة بشكلٍ خاصٍ بجماليتها الرياضية (يمكن لأيٍّ منّا تحميل تصاميم جميلةٍ تمثل تلك المعادلة من على شبكة الانترنت)، فبالإضافة لوجود خطأٍ رياضيّ في التصميم وفقاً للمعادلة، فإنّ أحد الأحرف التي ترمّز لها تمّت كتابته خطأً على شكل كلمة Hi بدلاً من i فقط، يبدو أنّ هذا الكائن الفضائيّ يملك حسّ الفكاهة إضافة لكونه متحدثاً جيداً باللغة الانكليزية!

ومؤخراً في عام 2013 ظهرت دائرة حصادٍ هائلة في كاليفورنيا وتحدّث عنها الإعلام والناس بحماسٍ وادّعى البعض أنّه استطاع فكّ رموزها الغامضة وأنّها في الحقيقة تقويمٌ فلكيٌّ يحمل إنذاراً من الفضائيين عن مذنبٍ هائلٍ سيسقط على الأرض في نهاية العام. وبعد فترةٍ قصيرةٍ أعلنت شركة Nvidia للالكترونيات أنّ هذه (المزحة) عبارةٌ عن عمل فريق تسويقٍ استأجرته الشركة للترويج لرقاقة المعالج الالكترونية الجديدة التي ستطلقها الشركة في معرضٍ في لاس فيغاس!

وهذه الأمثلة الواضحة تدلّ على أنّ بعض الناس ببساطة –يريدون أن يتمّ خداعهم.

خصائص دوائر الحقول :

تحوي أشكالاً هندسيّة مع احتواء البعض منها على خطوط مستقيمة أو متعرجة كما في الدوائر التي صورت الحشرات،حيث من الواضح أن الدائرة هي أسهل شكلٍ للمخادع ليصنعه. تصنع خلال الليل ويتم اكتشافها من قبل المزارعين في الصباح التالي، رغم أنه لا يوجد سببٌ واضح للفضائيين أو القوى الخارقة لكي تختبئ في الليل فقط مما يرجح الكفة للمخادعين ليعملوا تحت جنح الظلام وخصوصا أن الدوائر تزداد في ليالي القمر المكتمل.

تخجل من الكاميرا: لم يتم أبدا تسجيل دائرة حقل أثناء صنعها (ما عدا تسجيلات المخادعين)، ولا يوجد سبب يمنع القوى الأرضية أو سفن الفضائيين من العمل بوجود الكاميرات.

عدم وجود أدلة بشرية في موقع الدائرة: حيث يعتبر البعض ذلك مريباً جداً إلا انه في الحقيقة منطقي جداً إذ أنّ المخادعين الذين يكرّسون وقتهم وجهدهم لصنع الدوائر المعقدة لن يقوموا بترك دلائل وبراهين على وجودهم.

سهولة الوصول: توجد الدوائر غالبا في حقولٍ تؤمن طرق نفاذ سهلة للعامة وقريبة من الطرق السريعة، ونادراً ما توجد في المناطق النائية وصعبة الوصول، فيتمّ اكتشافها غالباً خلال يوم أو يومين.

مع وجود النظريات الخارقة للطبيعة وإصرار من يؤمنون بها على صحتها، لكن كلها ينقصها عنصرٌ أساسي وحيد وهو الدليل الكافي والملموس، ربما يوماً ما سيتم اكتشاف ظواهر غير معروفة ولكن حتى ذلك اليوم تبقى دوائر الحصاد مجرد فنٍ للهواة.

شخصياً وبعد مشاهدتي لعشرات من صور دوائر الحقول وملاحظتي أنها جميعها مصنوعة من أقواس ودوائر وخطوط مستقيمة أو باستخدام طرقٍ هندسية سهلة ومتوفرة حتى بالنسبة لطالب مدرسة ثانوية، إضافةً إلى أنّ الاختبارات البيولوجية على نباتات الدوائر لم تظهر أي اختلاف بنيوي أو وظيفي عن النباتات الأخرى، فإنّ كل هذا يثبت بطرق علمية وغير قابلة للشك بأن دوائر هي من صنع جنسكم البشري (أقصد، جنسنا البشري) :)

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

"The Demon Haunted-World - Carl Sagan- P 104-109"