الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

هل سيشهدُ الاقتصاد التركي أزمةً نقديةً تقود إلى أزمة ديون؟

عانى الاقتصادُ التركيُّ بعضَ المشكلات الاقتصادية بعد الانقلاب العسكري الفاشل في تموز عام 2016، وكانت أولى هذه المشكلات انخفاضُ تصنيف الديون التركية وفق مؤسساتِ التصنيف العالمي، إذ غيّرت مؤسسة التصنيف الائتماني "فيتش" في منتصف آب/أغسطس من عام 2016 نظرتَها إلى الآفاق المستقبلية لتركيا؛ لتصبح نظرةً سلبية بعد أن كانت تصنف بمرحلة ثبات، وقد صرَّحت "فيتش" للإعلام بأنَّ: "محاولةَ الانقلاب الفاشلة في تموز تؤكدُ وجودَ مخاطرَ متزايدةٍ ناتجة عن عدم الاستقرار السياسي".

كذلك اتجهت مؤسساتُ التصنيف الائتماني الأخرى إلى تخفيضِ التصنيف الائتماني لتركيا على نحو متتابع، واستمر هذا التخفيض طيلة عام 2018.

إنّ القرار الائتماني لكلٍّ من وكالتي "موديز" و"فيتش" مهمٌّ للسوق، لأنّ تخفيضَ أيٍّ منهما للتصنيف سوف يترك تركيا مع تصنيفٍ ائتمانيٍ ذي عائدٍ مرتفع من قِبَلِ أكبر شركات التصنيف العالمية. (سوف تسبب زيادة المخاطر ارتفاعَ العائد لجذب المستثمرين)

أمَّا الليرة التركية فقد عانت ضغوطاتٍ في فترة ما بعد الانقلاب حتى اليوم، لكنّ هذا الانخفاض شهدَ ذروته في العاشر من آب/أغسطس عام 2018 إثرَ العقوبات الأمريكية على تركيا، إذ خسرت يومها 20% من قيمتها مقابل الدولار. وقد أثّر هذا على عملاتٍ أخرى كالروبل الروسي والروبية الهندية، إضافة إلى انخفاض مؤشر السوق المرجعي في تركيا قرابة 2%.

يبين الشكل سعرَ صرف الليرة التركية في الفترة 2016-2018

جاءت هذه العقوباتُ ردًّا من الحكومة الأمريكية على احتجاز القسّ الأمريكي (أندرو برونسون) من قبل السلطات التركية بعد اتهامه بالتجسس والارتباط مع منظمات محلية ترى أنّه كان لها يدٌ في الانقلاب العسكري الفاشل في منتصف عام 2016. وتجلَّت هذه العقوبات بمضاعفة الرسوم الجمركية على الواردات التركية من الحديد والألمنيوم.

لم تستجب السياسة النقدية للانخفاض الكبير في سعر صرف الليرة التركية مقابلَ الدولار بطريقة مباشرة عن طريق رفعِ أسعار الفائدة والذي يُعدّ الخيارَ الأول، أو فرضِ قيودٍ على حركة رأس المال والذي يُعدّ الخيار الثاني، وإنّما اتبعت سياسةً نقديةً متشددةً على نحوٍ غير مباشر، إذ ضيّقتِ القيودَ على رؤوس الأموال المُضارِبة على انخفاض الليرة التركية، وسهّلت بعض شروط السيولة وإدارة القطع الأجنبي للبنوك.

لم تفلح هذه الإجراءات في إعادة الانتعاش إلى السوق التركية، ممّا أسهمَ في زيادة الضغوط التضخمية، ومن ثمَ استمرار الضغوط على الليرة التركية. وقد تعهَّدَ البنك المركزي التركي باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف انخفاض الليرة التركية والحفاظِ على الاستقرار المالي بعد أن استمرت العملة الوطنية بالانخفاض في الأسواق العالمية، لكنّ هذه الإجراءات لا تشمل بالضرورة رفعَ أسعار الفائدة.

وصرَّحَ وزير المالية التركي بقوله: "إن الحكومة قد وضعت مسودةً لخطةِ عملٍ ستتبنّاها لإزالة مخاوف المستثمرين"، إذ بيَّن أنها ستشملُ مساعدةَ البنوك ومؤسسات الأعمال المتوسطةِ الحجم لكونها المتأثرَ الأكبر بتذبذبات سعر الصرف، ونفى أيّ اقتراحاتٍ حكومية لمحاولة حجز الحسابات المصرفية بالدولار الأمريكي أيضًا. ووفقاً لقوله؛ فإنّ ضعف الليرة هو نتيجةُ الهجوم على تركيا، فقد اتَّهم الرئيس التركي الولايات المتحدة الأمريكية بشنِّ حربٍ على الاقتصاد التركي.

وقد انتقد المحللون الاقتصاديون السياسة النقدية في تركيا، فهذه الإجراءات لن تكون مجدية، ويجب أنّ يُتّخذَ الخيارُ برفع أسعار الفائدة، لكنّ الحكومة التركية ترفض رفع أسعار الفائدة التي من شأنها رفع تكلفة الاقتراض والتي بحسب رؤيتها ستؤثر سلبًا على الاقتصاد.

 

ما المخاطرُ الاقتصادية المُحتمَلة نتيجة العقوبات الأمريكية؟

تتجلى المخاطر الاقتصادية في ناحيتين، الأولى هي أزمة الديون التي قد تواجهها تركيا؛ إذ ساهم انخفاضُ سعر الصرف في ارتفاع احتمالية تعثر الحكومة التركية في الوفاء بالتزاماتها المحرّرة بعملاتٍ أجنبية؛ والتي تقدر بحسب بنك التسويات الدولية بنحوِ 256$ بليون دولار، وذلك نتيجة الطفرةِ الإنشائيةِ التي شهدتها تركيا في التسعينيات من القرن الماضي، إضافة إلى إسهامِ انخفاض التصنيف الائتماني في صعوبة الاقتراض الجديد وارتفاع تكلفته، ومن المُرجَّحِ -في حال استمرار الأوضاع الاقتصادية- لجوء الحكومة التركية إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي لتغطية احتياجاتها.

ثم إنَّ هذا التعثر قد ينعكس أثره سلبًا على المؤسسات والحكومات المُقرِضة لتركيا نتيجة التشابك المالي، والتي تتركز أغلبها في الاتحاد الأوروبي ممّا يسهم في انتشار أثر الأزمة على صعيدٍ عالمي.

وبذلك تُعدُّ البنوك الأوروبية خصوصًا عرضةً لأزمة الديون، وذلك في ظل المخاوف من القدرة على تمويل الدين مع انخفاض الليرة وارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى 15.9 في تموز، ومن المتوقع أن تستمر بالارتفاع.

أما الناحية الثانية فتتجلى في ازدياد العجز في الميزان التجاري التركي نتيجة انخفاض الصادرات من المعادن إلى أمريكا، إضافةً إلى ارتفاع تكلفة الواردات بعد الانخفاض الشديد في سعر صرف الليرة التركية. ثمّ إنّ الحساب الرأسمالي سيشهد عجزًا نتيجة تدفقات رؤوس الأموال خارج تركيا إثر ضعف ثقة المستثمرين بالاقتصاد التركي.

إضافةً إلى أنّ هذا الانخفاض في السوق التركية قد ينعكس سلبًا على أسواق مالية أخرى في أوروبا نتيجة أثر العدوى، مما يسهم في انخفاض اليورو الذي يعاني ضغوطًا مُسبَقةً نتيجة أزمة الديون الأوروبية وارتفاع سعر صرف الدولار الذي يشهد ارتفاعًا منذ بداية العام.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا