الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

الحربُ التجارية بين الصين وأمريكا

تُعرف الحربُ التجارية Trade War بأنها فرضُ تعريفاتٍ جمركيةٍ من قبل دولة معينة على وارداتها من دولة أخرى، فتنتقم الدولة الأخرى بأساليب مماثلة لها عبر استخدام سياساتِ الحماية الاقتصادية،. فالحرب التجارية إذاً تؤثر سلباً على التجارة الدولية.

تبدأ الحرب التجارية عندما تحاول الدولة حماية صناعاتها المحلية وإيجاد فرص للعمل والقضاء على البطالة، وقد تبدو هذه الطرائق فعالة على المدى القصير؛ ولكن الحرب التجارية على المدى الطويل ستكون مكلفة على النمو الاقتصادي لجميع البلدان ذات العلاقة.

أهم أسباب الحرب التجارية بين أمريكا والصين:

تُعَدُّ الصينُ المحرك الأساسي للاقتصاد الآسيوي، فقد أدّت العديد من الأدوار المتلاحقة في المنطقة والعالم، وكانت تناضلُ لتطويرِ الأسواق الناشئة لتصبح قادرة على أن تكون محورًا أساسيًّا في الاقتصاد العالمي، ولقد عانت الصين من مراحلَ مرهقةٍ، وواجهت العديد من القرارات السياسية التي كانت تؤثر سلبًا على الأسواق في جميع أنحاء العالم، وكانت التغيرات المتتابعة والتطورات في أسعار صرف العملات الأجنبية في الصين أساسية للتخفيف من موقعها كونها قوة عالمية رائدة بوصفِ اليوان الصيني عملة احتياطية عالمية.

تثبيتُ سعر الصرف:

بخلاف آراء العديد من الشركاء التجاريين الدوليين للصين والذين يرغبون بتسعير عملاتهم وفقًا لسياسة العرض والطلب، فإنَّ الصين لديها سياسة صارمة تجاه عملتها، إذ عملت على تنظيم التداول بها وحاولت السيطرة على العمليات اليومية المنفذة على اليوان في سوقِ الفوركس، ومن أجل التخفيف من حالة عدم الاستقرار؛ حدّدت الصين سعرَ صرفٍ ثابتٍ لعملتها عام 1995 بأكثر بقليل من 8 يوان مقابل دولار أمريكي واحد، وحافظت على ذلك الرابط حتى الشهر السابع من عام 2005.

الصين تعيدُ تقييم عملتها:

في شهر تموز عام 2005 اتخذت الصين الخطوة الأولى باتجاه تغيير تلك السياسة وتحرير عملتها عن طريق سوق تداولٍ صغيرٍ سمحت به الحكومة الصينية لتوسيعِ نطاقِ التداول تدريجياً بمعدل -/+ 3% وصولاً إلى معدل -/+ 2% بحلول شهر آذار 2014، وقررت تخفيف الفجوة التجارية مع الولايات المتحدة، فأعادت تقييم عملتها بأعلى من سعر الدولار، وأكَّدت بأنها لم تعد مرتبطة بسعر ثابتٍ مقابل الدولار.

قد تكون هذه الخطوة صغيرةً في تلك المرحلة، لكنها تعدُّ الخطوة الأولى لتخفيض المنافسة القائمة بين بعض الشركات الأمريكية من الواردات الصينية المنخفضة السعر.

وقد يزيد الطلب على الصادرات الأميركية في الصين من مبيعات المصدرين الأميركيين على نحوٍ كبيرٍ جداً، فالصين تُعدُّ إحدى أسرع الأسواق الاستهلاكية نموًّا؛ إذ يستطيع المصدرون الأمريكيون الحفاظ على أسعارهم بالدولار الأمريكي، لذا سينخفض سعر اليوان ويزداد الإقبال على المبيعات، أو يمكنهم الإبقاء على الأسعار باليوان الصيني والحفاظ على كمية أكبر من الدولار.

وذكرت وكالة "رويترز" في تقرير خاص أنّ الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونغرس قد دعوا الصين إلى إنهاء ربط عملتها بالدولار تحت طائلة فرض عقوباتٍ تجارية عليها إن لم يبدأ تسعير اليوان وفق سياسة العرض والطلب في أسواق العملات العالمية.

وتجاوزت الفجوة التجارية بين الولايات المتحدة والصين 72.5 مليار دولار في الأشهر الأولى وهي أكبر فجوة تجارية بين الشركاء التجاريين، وبذلك فهي تجاوزت الفجوة الأميركية مع اليابان وأوبك مجتمعة في الفترة نفسها.

لم تضع الصين أيّة خطةٍ أو جدولًا زمنيًّا للبدء بتعويم عملتها والتبادل بحريّة مع العملات الأخرى، لكنَّ مسؤولي صندوق النقد الدولي أكدوا بأنهم يأملون بتنفيذ هذا الإجراء في غضون عامين أو ثلاثة بدءًا من عام 2015.

الحرب التجارية المعلنة من قبل ترامب:

في 08/03/2018 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعرفةً جمركيةً جديدةً بنسبة 25% على وارداتها من المعادن، و10% على الألمنيوم، وقال ترامب إن الحروب التجارية جيدة لأنه من السهل الفوز بها، لكنَّ الأسواق العالمية لم توافقه الرأي فسرعان ما تراجعت أسواق الأسهم في العالم نتيجة الخوف من حربٍ تجاريةٍ ضخمة تضم أكبر ثلاث دول اقتصادية في العالم.

تُعَدُّ الولايات المتحدة اليوم أكبرَ مستورد للمعادن في العالم؛ إذ يعتقد الرئيس الأمريكي أن التعريفات الجمركية الجديدة سوف تحمي 147 ألف عامل في قطاع الفولاذ والألمنيوم في أمريكا، لكنها بالمقابل قد تسبب الضرر لـ 6.5 مليون عامل في الصناعات التي تستخدم المعادن موادَّ أوليةً في صناعتها؛ كشركات صناعة السيارات على سبيل المثال، فسوف تنتقل التكاليف الإضافية التي ستتحملها مقابل اليد العاملة الجديدة إلى المستهلكين.

وستكون التعرفة الجمركية الجديدة سارية المفعول على كل من الصين واليابان وروسيا، فقد صرَّح وزير التجارة الياباني بأنه لا يعتقد بوجود تأثير على الأمن القومي الأمريكي من واردات المعادن والألمنيوم المستوردة من اليابان كونها تعدُّ دولة حليفة.

في 22/01/2018؛ فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية جديدة على الألواح الشمسية والغسالات المستوردة من الصين، إذ تُعَدُّ الصين الرائدةَ عالميًّا في صناعة معدات الطاقة الشمسية، من جهتها بيّنت منظمة التجارة العالمية أنَّ الولايات المتحدة لم يكن لديها مسببات واضحة لفرض التعرفة الجمركية الجديدة.

في 08/03/2018 طلب الرئيس الأمريكي من الصين بناءَ خطّة متكاملة لخفض العجز التجاري الأمريكي البالغ 375 مليار دولار ليصبح 100 مليار دولار أمريكي، وقد تقبلت الصين الفكرة، فإنَّ جزءًا من خطة الإصلاح الاقتصادي الصينية هو خفض اعتمادها على الصادرات، لكنها حذرت بأنها لا تمتلك كثيرًا من الخطط لتنفيذها، فهذا العجز لا يمكن تخفيضه إلّا عَبر زيادة الطلب الأمريكي على السلع الصينية والمعروفة بتكلفتها المنخفضة.

في 22/03/2018 رفعت الإدارة الأمريكية التسوية، وأعلنت أنها ستفرض رسومًا جمركيةً على وارداتها من الصين بقيمة 60 مليار دولار، ثُمّ صرّحت الإدارة أيضاً أنَّها ستخفض نقل التكنولوجيا الأمريكية إلى الشركات الصينية، حينها طلبت الصين من الشركات الأجنبية التي ترغب ببيع منتجاتها في الصين مشاركة الأسرار التجارية مع الشركات الصينية، واستجابت الصين بإعلانها عن التعريفات الجمركية بما يساوي 3 مليار دولار لكلٍّ من الفواكه ولحم الخنزير والألمنيوم المعاد تصنيعه والأنابيب المعدنية.

في 26/03/2018 بدأت الإدارة الأمريكية بالتفاوض مع المسؤولين عن التجارة الصينية، فركّزت الإدارة على ثلاث متطلباتٍ رئيسية؛ أولها تخفيض التعرفة الجمركية على صادرات السيارات الأمريكية، وطلبت من الصين زيادة استيرادها من السيارات الأمريكية أيضُا، وأخيرًا طلبت الشركاتُ الأمريكية زيادة التعامل مع القطاع المالي الصيني.

في 03/04/2018 أعلنت الإدارة الأمريكية عن رسومٍ جمركيةٍ بنسبة 25% على 50 مليار دولار من الأدوات الإلكترونية المستورَدة من الصين، وردَّت الصين بعد ساعات وأعلنت عن تعرفة جمركية جديدة بنسبة 25% على 50 مليار دولار من صادرات الولايات المتحدة إلى الصين، وبالطبع لم تدخل حيز التنفيذ على الفور، واستهدفت التعريفات الجمركية الصينية 106 منتجًا.

وبعد فترة وجيزة؛ ألغَت الصين عقودَ استيرادِ فولِ الصّويا من الولاياتِ المتحدة كافّةً، علمًا أنها تستورد قرابة 12 مليار دولار من فول الصويا من الولايات المتحدة لإطعام الخنازير لديها؛ والتي تُعَدُّ مصدر اللحم الأساسي في الصين، لكن يمكن للصين استيراد فول الصويا من البرازيل، علمًا أنَّ المزارعين الأمريكيين يبيعون نصف محصولهم إلى الصين؛ فإذا ما اختفى هذا السوق فالضرر الأكبر سيكون على الولايات المتحدة وليس الصين.

في 04/05/2018 قدمت الإدارة الأمريكية للصين قائمةَ متطلباتٍ تضمّنت ما يلي:

1- التوقف عن سرقة الملكية الفكرية الأمريكية.

2- خفض الرسوم الجمركية على السلع الأميركية بحلول عام 2020.

3- فتح الاستثمارات الأمريكية في الصين.

4- خفض العجز التجاري بمقدار 200 مليار دولار بحلول عام 2020.

علماً أن هذه المطالب تتعارض مع أهداف الصين والتي تهدف لأن تصبح رائدةً في مجال التكنولوجيا، لكنَّ الصين ترغب في التقليل من عجزها التجاري، فمن المقرر بأن تصبح خطة الإصلاح الاقتصادي الصينية أقل اعتماداً على الصادرات، وفي 10/05 من العام نفسه وافقت الصين على زيادة إيراداتها من المنتجات الأمريكية.

ما هو تأثير الحروب التجارية على المستهلكين؟

من أهم خصائصِ الحروب التجارية أنَّها ترفع أسعار البضائع المستوردة فورًا، لأنّ التكاليف سترتفع بنسبة ارتفاع التعريفات الجمركية المفروضة نفسها، وهذا سيعطي ميزةً تنافسيةً للمنتجين المحليين لهذه المنتجات، وطبعًا سيزيد الطلب عليها محليًّا، وسينمو النشاط التجاري فيها وسيزداد الطلب على الوظائف.

ومن جانب آخر؛ فإنّ المصنعين الحاليين الذين يعتمدون على المواد الخام أو المواد الأولية المستوردة سيشهدون تكاليفَ أعلى، مما يقلل من ربحهم، فيجب عليهم إمَّا رفع الأسعار أو إقالة الموظفين أو كليهما معًا.

وعلى المدى الطويل؛ تعمل الحروب التجارية على إبطاء النموِّ الاقتصادي، وأحد نتائجها هو عمليات الإقالة الكبيرة، فعندما تردُّ الدولة الأخرى فسوف يُسرَّحُ قرابة 12 مليون عامل أمريكي يعملون في قطاع الصادرات.

ومع مرور الوقت تعمل الحروب التجارية على إضعاف الصناعات المحلية، فبدون المنافسات الخارجية لا تحتاج الشركات صناعيًّا إلى الابتكار، وفي نهاية المطاف؛ فإن المُنتِج المحلي من شأنه أن يخفض الجودة بالمقارنة بالبضائعِ الأجنبيةِ الصنع.

المصادر:

هنا

هنا

هنا