العمارة والتشييد > أيقونات معمارية

تاج محل… أعجوبةُ الحب

يمكنكم الاستماع إلى العمل عبر الرابط:

صُنَّف تاج محل كضريحٍ جنائزي هائل شُيّد من الرخام الأبيض بين عامي 1631 و1648 في أغرا بأمرٍ من الإمبراطور المغولي شاه جهان لتخليدِ ذكرى زوجته المفضّلة، ويشكّل تاج محل الذي يُعَدُّ أفضل جوهرةٍ في الفن الإسلامي في الهند إحدى أبرز تُحف التراث البشري والتي تحظى بإعجاب العالم بأسره.

يقعُ تاج محل على الضفَّة اليمنى من نهر يامونا Yamuna في حديقةٍ خضراء واسعة جدًّا تقارب مساحتها 17 هكتارًا في مقاطعة أغرا Agra، وقد بناه الإمبراطور المغولي شاه جهان كتخليدٍ لذكرى زوجته ممتاز محل، إذ بدأت أعمال التشييد عام 1632م وانتهت عام 1648م متضمّنةً مسجدًا ومنزلًا للضيوف والبوَّابة الرئيسة في الجهة الجنوبية، وأضيفت الباحة الخارجية والدور الملحقة بها على نحوٍ متقطِّع حتى عام 1653.

 

سهَّل وجود العديد من النقوش القرآنية والتاريخية وضع تسلسلٍ زمني لعملية البناء، واستدعيَ عمالُ البناء والحجارة والنحَّاتون والدهَّانون والنقَّاشون وبنَّاؤو القبب والفنانون من جميع أرجاءِ الإمبراطورية ومن آسيا الوسطى وإيران أيضًا، وكان أحمد لاهوري Ustad-Ahmad Lahori المعماري الرئيس لهذا الصرح.

يُعَدُّ تاج محل من أعظمِ الصروح في العمارة الهندو-إسلامية، إذ يعبّر عن الجمال المعماري عن طريق التناوب الإيقاعي بين المصمت والمفرَغ والمقعَّر والمحدَّب والضوء والظل، إضافةً إلى الأقواس والقباب التي تزيد من المنظور الجمالي للصرح. ويكمن تميُّز تاج محل في الإبداعاتِ والتَّناسق بين التخطيطِ الحدائقيّ والبستنةِ والعمارة، إذ كان الممخطِّطون يعملون بأمرة الإمبراطور شاه جهان. ونلاحظُ تموضعَ الضريح في نهاية الحدائق المقسَّمة ربعيًّا عوضاً عن تمركزها في الوسط؛ مما أعطاه عمقًا وبعدًا منظوريًّا جديدًا، وقدَّم حلًّا جديدًا عمَّا كان سائدًا في تصميم الأضرحة في تلك الحقبة الزمنيَّة.

يرتفعُ تاج محل على قاعدةٍ مربَّعة، وتتجاوزها جوانب المثمَّن الأربعة وتمتدُّ لتشكِّل قاعدةً للمآذن الأربع، ويمكن الوصول إلى سطح القاعدة عن طريق عدَّةِ درجات تقعُ في مركز المدخل الجنوبي، ويحيط بالضريح المثمَّن المركزيّ صالات الدخول وأربع غرف، ويتكرَّر المشهد ذاته في الطابق العلويّ  فيبدو الشكلُ الخارجي للضريح مربَّعًا بزوايا ممسوحة، ويحوي المركز ذو القبة الضخمة والثنائي الطوابق رفات ممتاز محل وشاه جهان، وهو ذو شكلٍ مثمَّنٍ متساوي الأضلاع وإكساءٍ رخاميٍّ فائق الجمال يطوِّق الرفات رامزاً لقدسيَّة القبر، وحواف الإطارات أحجارٌ منقوشةٌ على شكل أزهارٍ منفَّذةٍ بدقَّةٍ عالية، إذ مع تغيُّر الإضاءة والظلال والأحجام تبدو الأزهار كأنها حقيقيَّة. ويتوسَّط رفات ممتاز محل المثمَّن ويتوضَّع على منصَّةٍ مستطيلةٍ ومزيَّنةٍ بأشكالٍ نباتيَّةٍ وأزهارٍ مطعَّمة، ويرقد رفات شاه جهان والذي وُضِعَ بعد ثلاثين عام في الجهة الغربية، وأما الطوابق العليا فلا تحوي رفاتًا وهي عادةٌ ظهرت في عمارة المدافن في فترة الإمبراطورية المغولية.

ومن أشدِّ الأشياء إثارةً للإعجاب في مجمَّع تاج  البوَّابةُ الرئيسة التي تقفُ بشموخٍ في وسطِ الجدار الجنوبيّ للفِناء، ويحيط بالبوَّابة في الجهةِ الشماليَّة أروقةُ الممرَّاتِ المزدوجة، وتنقسمُ الحديقةُ أمامَ الأروقة إلى أربعة أرباع عن طريقِ ممرَّين للمشاة، وينقسمُ كلُّ ربعٍ بدورهِ بممرَّاتٍ أضيق عبرَ محورين آخرين على مبدأ التَّخطيط الحدائقيّ في الفترةِ التَّيموريَّةِ-الفارسيَّةِ، ويوجدُ جناحان في الشَّرق والغرب في نهايةِ الممرَّات الرئيسة.

تاج محل صرحٌ متناظرٌ بدقَّة مع التَّركيزِ على التَّماثُل الثُّنائيّ على طولِ المحورِ المركزيّ الذي وُضِعَت عليه المعالمُ الرَّئيسة، ومواد البناء المستخدمة هي لبنةُ الجير مع الحجر الرملي الأحمر والرخام، ورُصِّعَ الصرح بالأحجار الكريمة.

 

المسجدُ وبيتُ الضيافة هياكل متماثلة في مجمَّعِ تاج محل، مبنيَّةٌ من الحجر الرملي الأحمر مع شرفةٍ ضخمة على النَّقيضِ من القبرِ المبنيِّ من الرخام في المركز، وتتكوًّنُ قاعةُ الصلاة المستطيلة من ثلاثةِ فراغاتٍ معقودةٍ ومرتَّبةٍ في صفٍّ واحد معَ البوَّابةِ المهيمنةِ المركزيَّة، وبُنيَ إطارُ الأقواس في المدخل والركنيَّات من الرخام الأبيض، وتظهرُ حواف أعمدةِ الركنيات على شكل حبالٍ مربوطةٍ تحوي الأرابيسك المنقوش كأزهارٍ من الحجر.

لا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ المصمِّمَ الرئيس للصرح غير معروف، فقد كان الإمبراطور شاه جهان يتدخَّلُ مباشرةً بالتعديلات المعماريَّة وغيرها.

هل تعتقدُ أنّ هذا المبنى مبالَغٌ به بالنِّسبة لوظيفتهِ؟ أم أنّه بُنيَ بالشَّكل المناسب والوقت المناسب وما زال يثيرُ إعجابَ الجميع حتى الآن؟

المصادر :

1- هنا

2- هنا