علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

كيف يتصرَّف الأطبَّاء عند مرضهم؟

هناك مثلٌ شائعٌ بين الأطباء يقول: "الأطباء هم أسوأ أنواع المرضى"، وعلى الرَّغم من أنَّه يصعبُ عليهم الاعتراف بذلك؛ لكنَّهم بشرٌ يتعرضون للضغوط الكثيرة في عملهم، ويمرضون في مرحلة ما من حياتهم سواء أكان مرضهم نفسيًّا؛ مثل الاحتراق النفسيِّ والاكتئاب والتوتر، أو جسديًّا؛ كالأمراض القلبيَّة الوعائيَّة والسرطانات، ولكنَّ ما يجعلهم أسوأُ أنواع المرضى هي الطريقة التي يتعاملون بها مع أعراض مرضهم، وسلوكهم نحو العلاج، ومحاولتهم تناسي خطورة مرضهم؛ إذ  قد يتطلب المرضُ منهم الابتعاد عن ممارسة المهنة التي درسوها سنواتٍ طويلة وجعلوا منها محور حياتهم.

ويُمكننا تحديد أربع سلوكياتٍ تؤثر في جودة العمل قد يتخذها الأطباء في حالة مرضهم؛ ممَّا يجعل موثوقيتهم في ممارسة المهنة موضعَ شكّ في بعض الأحيان:

1. الكرب العاطفيّ:

قد تخلق الأخبارُ الطبيَّة المُفجِعة والخضوع لاختباراتِ تقييم مرضٍ مُهدِّدٍ للحياة لدى الأطباء موجةً من الاضطرابات العاطفيَّة، وعلى الرَّغم من أنَّ الكربَ لا يسبب مشكلات في القدرة على ممارسة المهنة مباشرة؛ لكنْ يوجد ترابطٌ إيجابيٌّ مُهمٌّ بين العاملَين السابقَين.

2. الإنكار:

وهو أكثر وسيلة بدائيَّة من وسائل الدفاع النفسيِّ، وتُمثِّل بالنسبة إلى الأطباء الّذين يتبنونها أداة إلهاءٍ عن مرضهم الخطير من أجل متابعة عملهم، وعلى الرَّغم من أنَّ الإنكار أمرٌ طبيعيٌّ في بداية الأمر إلى حين تبني وسائل دفاع ودعم نفسي فعالة أكثر؛ لكنَّ الأطباء الذين يستمرون في إنكار حالتهم لن يكونوا قادرين على رؤية تدنِّي أحوالهم بدقة؛ فهم معتادون على رؤية أنفسهم معالِجِين لا متلَقِين للعلاج.

3. الخوف:

قد يعمدُ بعضُ الأطباء إلى التقليل من أهمية أعراضهم أو علاجهم بسبب خوفهم من تدني مكانتهم الاجتماعية وفقدهم مصدرَ دخلهم؛ علاوةً على الخوف من فقدان ثقة زملائهم ومرضاهم؛ ولذلك يتجنبون طلب المشورة الطبيَّة ويُخفون أعراضهم.

4. ردود الفعل العكسيَّة:

يميل المرضى إلى الإيمان بأنَّ أطباءهم أبطالٌ خارقون، ويميل الأطباء إلى الإعجاب بذلك الوصف إلى الدرجة التي تجعلهم يعملون أضعافًا مضاعفة للتغطية على مرضهم الخاص وتدهور صحتهم حِفاظًا على صورتهم أمام مرضاهم.

وفي ظل هذه الحالات؛ من المسؤول عن تقييم قدرة الطبيب المريض على الاستمرار في عمله بكفاءة عالية؟ هل يُعدُّ كل طبيب مسؤولًا عن تقييم نفسه بنفسه؟ وإن كان كذلك؛ فمتى يفقد الطبيب مصداقيته في تقييم نفسه؟

تُشير الدراساتُ إلى ميل الأطباءَ في مختلف التخصصات إلى المبالغة في تقدير كفاءتهم (الأمر ينطبق على معظم المهن الأخرى)، والبشر يُخطؤون في التنبؤ برد فعلهم نحو الشدَّات العاطفيَّة (كتلقي خبر معاناة الشخص من مرض مُميت) عندما لا يعيشون الموقف على أرض الواقع،  ولذلك من الضروري جدًّا - في هذه الحالات- وجود نوع من التقييم الغيريِّ الدوريِّ؛ يقيّم فيه الأطباء بعضهم بعضًا لتجنب الانحياز الذاتيِّ والحصول على تقييم موضوعيٍّ لكفاءة الطبيب.

ومن ناحية أخرى؛ هل من المقبول أن يُعالَج الطبيب نفسه بنفسه؟ وما الحالات التي تقتضي طلبَ المساعدة من طبيب آخر؟

في دراسة (Davidson & Schattner) يرى 90% من الأطباء أنَّه من المقبول أن يعالج الطبيب نفسه في الحالات الحادَّة، في حين أنَّ 25% فقط يعتقدون ذلك في الحالات المزمنة، ويرى 9% من الأطباء أنَّه من المقبول وصف أدوية نفسيَّة لأنفسهم.

وتكمنُ المشكلة في مداواة الذات في إمكانية وجود خطأ في التشخيص الذاتيِّ، والتأخر في طلب المشورة الطبية الملائمة، والتعرض لآثار جانبية دوائية خطيرة أو تفاعلات دوائية غير محسوبة، وخطر الاعتماد الدوائي عند المعالجة الذاتية ببعض الأدوية النفسية؛ إضافةً إلى عدم اتباع أغلب الأطباء الدلائل الإرشادية العامَّة في التعامل مع مرضهم الخاصّ.

وفي الختام؛ كيف يُمكن أن تتصرفَ -إن كنت طبيبًا- في مواجهة مرض قد يُهدد كفاءتك في ممارسة عملك؟ إليك هذه النصائح:

1- اطلب الدعم؛ توجه إلى الأشخاص المقرَّبين من عائلة أو أصدقاء أو زملاء قادرين على مساعدتك، وإياكَ وعزل نفسك عنهم حتى ولو كان ذلك من سمات شخصيتك؛ فاستثمار الجهد في التكيف والتأقلم مع وضعك الجديد بدعمهم بدلًا من التستر على مرضك يعود بنتائجَ أفضلَ على الجميع.

2- اطلب المشورة والمساعدة من زملائك الأطباء فيما يتعلق بتشخيص الخطط العلاجية ووضعها  لمرضاك لتضمن استمرار حصولهم على أفضل خدمة طبية ممكنة.

3- انتبه إلى حالتك العاطفيَّة والنفسيَّة وأثرها على مرضاك وقدرتك على متابعتهم بكفاءة.

4- بمجرد أن اتضحت طبيعة مرضك وإنذاره؛ استشر أطباء آخرين عن استمرارك في مهنتك بالمقارنة مع الجهد الذي تستطيع بذله والجهد الذي يتطلبه عملك.

5- أخيرًا؛ تذكر أنك من البشر ومن الطبيعيِّ أن تتعرض لكلِّ ما يتعرض له البشر من أمراض وأدواء، وكونك على دراية بجوانب مرضك ينبغي أن تكون تلك نقطة إيجابيَّة لصالحك في الحصول المُبكر على الاستشارة الطبية والعلاج المناسب عِوضًا من أن تكون سببًا في تدهور حالتك وإضرارك بنفسك ومرضاك.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا