الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

يمكنُ للتكنولوجيا أن تصحّحَ أخطاءَ المستثمرين

عَملت التكنولوجيا على تغيير أساليب التعامل في قطاع التمويل؛ إذ يحفظ الناس أموالهم، ويشترون بوالص التأمين الخاصة بهم عبر الإنترنت؛ وهم يستخدمون التكنولوجيا لإدارة معاشاتهم التقاعدية ومحافِظهم الاستثمارية الأخرى أيضًا، لكن؛ هل يمكن للتكنولوجيا تحسينُ العوائد؟ نعم؛ يمكنها ذلك فقط في حال استُخدمت استخدامًا حكيمًا.

 

وإذا كان التداول أقلّ كُلفةً فستكون حصّةُ التكاليف صغيرةً من العوائد الطويلةِ الأجل، وتسمحُ التكنولوجيا أيضاً لمديري الصناديق بنسخ مؤشراتِ سوقِ الأوراق المالية، ممَّا يتيح للمستثمرينَ الوصول إلى محافظ متكافئةٍ، ومتنوعةٍ، وعلى نطاقٍ واسعٍ؛ مقابل نسبةٍ مئويةٍ بسيطةٍ من الرُّسوم السنوية.

 

لكنَّ سهولةَ التداول وكلفته المنخفضة إلى جانب مجموعة الخيارات المتنوعة المتاحة يخلقان مغرياتٍ سيئة، ففي جميع أنحاء العالم؛ هناك ما يقارب من (7400) من صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) والمنتجاتِ ذات الصلة، وهذه الصناديق لا تُستخدَم من قبل المستثمرين "شراء واحتفاظ" فحسب، بل إنّ نحو نصف الأوراق المالية الـ 20 الأعلى المتداولة في الأسواق الأمريكية من حيث القيمة هي صناديقُ مؤشراتٍ متداولة.

 

حقيقةُ أنّك تستطيع التداول لا تعني أنه يجب عليك ذلك، فوجودُ صندوقٍ متخصصٍ في شركاتٍ أصغر، أو شركة تراهن على اتجاهات التقلّب لا يعني أنك بحاجة إلى شرائها، وعلى سبيل المثال؛ يمكن للرجال الذين تزيد أعمارهم عن الـ 50 أن يخرجوا بلا قمصانٍ في الأيام المُشمِسة، لكن هذا لا يعني أنَّه من الحكمة فعل ذلك.

 

ويتفاخرُ بعضُ المستثمرين المحترفين بالتداول الذي لا ينقطع، مع فترة احتفاظ للأسهم تُقدَّرُ بالثواني بدلًا من السنوات؛ فيمكنهم استخدام أجهزة الكمبيوتر لحزم البيانات استخدامًا أسرع من أي شخص آخر والاستفادةُ من الفروق الصغيرة في أسعار الأوراق المالية. ويُشبَّه هذا بالعمل الدارويني، إذ يطوّرُ كل فرد بنيته التحتية وخوارزمياته باستمرار ليتميَّز عن المنافسين.

 

لكن بحكم تعريفها؛ لا يمكن لأغلب المستثمرين التغلُّب على السوق؛ سواء عن طريق التداول المتكرر، أو عن طريق أيّة إستراتيجية أخرى. وبدلًا من ملاحقة هذا الوهم؛ يجب على المستثمرين العاديين اللجوءُ إلى التكنولوجيا لتصحيح عيوبهم الفطرية.

 

أولاً؛ يقلّل كثيرٌ من الناس من شأن مقدار ما يجب عليهم الاحتفاظ به لتلبية احتياجاتهم على المدى الطويل. ويعود جزء من هذا إلى صعوبة حسابها، فهي تتطلب من الناس وضع افتراضاتٍ عن الديمومة والتضخم وعوائد الاستثمار المستقبلية، وتتمثّلُ المشكلة الأُخرى في ميل الإنسان الطبيعي إلى إنفاق المال في أيامنا هذه، بدلًا من الادّخار لمستقبل بعيد وغامض.

 

في كلتا الحالتين، يخلقُ قصرُ النّظر هذا مشكلةً، خذ مثالًا الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و55 عامًا؛ فإنّ متوسط الرصيد في خطط التقاعد الخاصة بهم هو 14,500$ فقط. وقد اعتمدت البنوك المركزية معدلات فائدة منخفضة في أعقاب الأزمة المالية من أجل ثني الناس عن الادّخار والمساعدة في إنعاش الاقتصاد العالمي، وتكمن المفارقة هنا في أنّ انخفاض أسعار الفائدة يعني أنّ المدخرين بحاجة إلى أساس معاشٍ تقاعدي أكبر عند التقاعد؛ أي يجب عليهم التوفير أكثر وليس أقل.

 

ويمكن أن تساعد التكنولوجيا في التعامل مع هذه المشكلة؛ فيمكن لنموذجٍ إحصائيٍّ جيدٍ على سبيل المثال أن يُطلع المعنيين على مقدار أساس المعاش التقاعدي الذي سوف يحتاجون إليه عند التقاعد، وما هو عائد الاستثمار الذي يمكن أن يتوقعوه، وما إذا كانوا على المسار الصحيح للهدف. فإذا وجدوا أنهم بعيدون عنه؛ يمكن للمستثمرين توفير مبلغ أكبر أو تمديد موعد التقاعد المخطط له؛ إذ يمكن للمستثمرين أن يغيروا من سلوكهم بمجرد إدراكهم لحجم المهمة.

 

ثانياً؛ يمكن أن تساعد التكنولوجيا المستثمرين على اختيار استراتيجيةٍ تتجنَّبُ التداول المتوالي، فمن السهل أن يقع المستثمرون في أحد الأمرين؛ إمّا الاختيارُ العشوائيُّ للأصول في العشرينات من أعمارهم وعدم تغييرها أبدًا، أو التلاعب بلا هوادة بمحفظة الأوراق المالية خاصتهم. ويقع كثيرٌ من الناس في فخ الحماسة للانخراط في القطاعات الرائجة أو صناديق الاستثمار المُحتدِمة، فإذا كان القطاع رائجاً؛ فقد سبق وتحصّلَ الارتفاع في السعر، لذا فمن المرجح أن يكون الدخول فيه مكلفًا. وفي السياق نفسه؛ فإنّ الصناديق المشتركة تصبح محتدمة بسبب أدائها في الماضي، ولكن ليس هناك كثيرٌ من الدلائل على استمرار تدفق عائداتها.

 

ويمكن للنظام الآلي أن يفرض الانضباط، والنهج المحتمل لاتباعه هو وضع تخصيصات استراتيجية للأصول. فلنقل مثلاً؛ 20٪ للأسهم المحلية، و40٪ للأسهم الدولية، و20٪ للسندات المتعلقة بالتضخم، و20٪ لديون الشركة، فنرى أنّه يمكن إعادة توازن المحفظة تلقائيًّا مرة واحدة في السنة، أما إذا انحرفت عملية تخصيص الأصول بعيدًا عن الهدف في أثناء تلك المدة؛ فإنّ مثل هذا النهج سيكون له ميزة شراء الأصول عندما تنخفض في السعر (وهي رخيصة)، وبيعها عندما يكون سعرها مرتفعًا.

 

باختصار؛ يجب ألّا يتعاملَ المستثمرون مع التكنولوجيا على أنها مثل "حبوب الحِمية" التي تساعدهم في إنقاص الوزن فورًا ومن دون جهد. وعوضاً عن ذلك؛ ينبغي أن يُنظر إليها كأداة لتصحيح السلوك (أي الاستثمار المماثل لممارسة مزيدٍ من التمارين الرياضية وتناول الطعام بكميات أقل)؛ والذي سيؤدي إلى النجاح على المدى الطويل، ويجب أن نفكر في التكنولوجيا المالية (FinTech) على أنَّها أحد تطبيقات "عدّاد الخطوات"؛ التي تزعجك لكي تتمكن من الوصول إلى "اللياقة المالية".

المصدر:

هنا