علم النفس > الصحة النفسية

الشمس واضطراب الوسواس القهري

هل نحن مرضى نفسيون؟ نعم! قد نختبر جميعًا في لحظةٍ من لحظات حياتنا تراجعًا في صحتنا النفسية، لنتأرجحَ على مقياسِ السلامةِ النفسية، وقد نشعر ببعض الأعراض المرتبطة باضطرابٍ ما، ولكنها لن تستحوذَ علينا إذا امتلكنا الوعي اللازم لاستشارة المختصين، ومن منَّا لم تسيطر عليه بعضُ الهواجس والأفكار؟! فعلى سبيل المثال؛ لم تمرّ بك -ربَّما- مرحلةٌ من حياتك دون أن تسيطرَ عليك بعضُ الهواجس أو الأفكار؛ فقد تكون متيقّنًا من قفلِ بابِ البيت أكثر من مرة قبل المغادرة،  ولكنّ هذا لايعني المرض باضطراب الوسواس القهري.

كثيراً ما نسمع بكلمة "هوس" حتى إنها غزَتْ لغتَنا اليومية، فعندما نطلِقُها على شخصٍ ما؛ إننا نستنتج أنه  مهووسٌ بأغنيةٍ جديدةٍ أو بالقيام بأمرٍ ممتع؛ ولكنَّ هذا الهوس لا يؤثّرُ في حياته سلبًا، في حين يُعرقل هوس مرضى اضطرابِ الوسواس القهري حياتهم ويؤثّر بها سلباَ.

ولكن؛ ما هو اضطراب الوسواس القهري، وما أعراضه؟ هنا

يَفرضُ اضطرابُ الوسواس القهريّ على حاملِه هواجس أو وساوس وسلوكياتٍ قهريةٍ غيرِ مرغوبة تعرقلُ مسرى حياتِه، وتتمثّل بأفكارٍ وتهيؤاتٍ مزعجةٍ -تَحدُث مرارًا وتكرارًا- خارجةٍ عن سيطرته، مصحوبة بأحاسيسَ مزعجةٍ، كالخوفِ والشكّ والشعورِ بأن الأمور لا تحدثُ على النّحو الذي ينبغي عليها أن تحدث فيه؛ فتدفعُه إلى القيام بسلوكياتٍ قهرية يقوم بها الشخص مقنِعاً نفسه بأنها حلٌّ مؤقتٌ وملاذٌ يدفع بهذه الهواجس بعيدًا عن فكره، ولكنه يكرّرها ليدخلَ في حلقةٍ مفرغةٍ تستهلكُ وقتَه وجهدَه فيغدو غير قادرٍ على التحكّم بها، ولهذا السبب تدعى قهريّة. وهذا ما يميّزُ المصابَ بالوسواسِ القهريّ عن أشخاصٍ ينتابهم هوسٌ عاديّ.

وقد توالتْ الأبحاثُ عن هذا المرض؛ الأمرُ الذي أفضى إلى سَنِّ معاييرَ محدّدةٍ له، ويُبدي العديدُ من مرضى الوسواس القهريّ صعوبةً في النوم، فلا يستسلمون له إلى ساعاتٍ متأخّرةٍ من الليل، ولهذا السبب فإنهم يتأخّرون في الاستيقاظِ حتى ساعاتٍ متأخرةٍ من النهار؛ ما ينعكسُ بدوره سلباً على أعراضِ المرض، وهذا يعكسُ تداخلًا بين دورةِ النوم والاستيقاظِ ودورةِ الظلامِ الطبيعية، والتي يُفترَض النوم فيها؛ فيؤدي إلى خللٍ واضطرابٍ في الساعة البيولوجية للجسم؛ إذ إنَّ لا ترتبط ساعات الصباح والمساء بالنومِ والعمل فحسب؛ ولكنها تعكسُ التفضيلات الفردية للأنشطةِ فى أوقاتٍ محدّدة من اليوم. وقد استهدفت دراسةٌ المقارنةَ بين طلبة الجامعة الألمان والبولنديين، وقياسَ مدى تأثّر نشاطِ الفرد بوقت الصباح، وإلى أيّ مدى يؤثر الصباحُ في توقيت النوم وفي التفاعل الاجتماعيّ للأشخاص، وتفضيلَ الفرد لأنشطةٍ معينةٍ مرتبطةٍ بالنهار كالتنزّه وزيارةِ الأصدقاءِ وتناولِ الإفطار، وأشارتْ النتائجُ إلى أن الطلابَ الجامعيين ينجذبون إلى وقتِ النهار إلى حدٍّ ما، وأن أنشطةَ الصباح مقترنةٌ أكثر بوجود الشمس.

وترتبطُ أوقاتُ النومِ المتأخّرة باضطراباتٍ في العمليات المعرفية وتزايدِ التفكيرِ السلبيّ التكراريّ وأعراضِ الوسواس القهريّ.

ولكن؛ ما الذي يربطُ عدم التناسب بين ضوءِ الشمس ودورةِ الاستيقاظ والنوم الطبيعية للشخص من جهة مع إصابته باضطرابِ الوسواس القهري OCD من جهةٍ أخرى؟

توصلتْ دراسةٌ حديثةٌ أجرتْها جامعة بينغهامتون إلى أنّ المناطق التي تقلُّ فيها أشعةُ الشمس يتزايدُ فيها خطرُ الإصابةِ بالوسواس القهريّ، وأنّ الخللَ الذي يحدث لدى مرضى الوسواس القهريّ من عدم التناسق بين ساعتهم البيولوجية وضوء الشمس أو النهار ينعكسُ سلباً على أعراضِ المرض؛ لأن هذا الخلل يقلّل من التعرض لضوءِ الشمس، وأكّدت ذلك إحدى المشاركِات في البحث والتي تُدعى "ميريديث كولز"؛ إذ قالت أنَّ الأشخاصَ الذين يعيشون في مناطق ذات أشعّة شمس قليلة ، والتي لا تتزامنُ مع ساعتهم البيولوجية كانوا أكثرَ عرضةً للإصابة باضطرابِ الوسواس القهريّ؛ إذ أنَّهم وبحكم مرضهم يستيقظون في ساعاتٍ متأخرة، فنهارُهم أقصرُ من غيرهم؛ فكيف هو الحال إن كانت الشمس تغربُ باكراً في مناطقهم أيضًا!!

المصادر:

1. هنا

2. هنا

3. هنا

4. هنا

5.هنا