المعلوماتية > الحوسبة الكمومية

الحواسيب الكمومية؛ ما كان يحتاج سنوات عديدة، سيُنجزُ بأزمنة قصيرة.

تتطور التحديات التي تواجهنا كلّ يوم، حتى إنّه لم يعد بإمكان القوة الحاسوبية المتوافرة بين أيدينا أن تُعالجَها؛ ممَّا يفرض علينا استخدام تكنولوجيا حديثة نسبيًّا تدعى الحوسبة الكمومية؛ لها القدرة -وفي زمن قصير- على حلّ أصعب المسائل العلميَّة التي قد تستغرق سنوات لحلّها في أجهزتنا الحالية.

يعمل التَّرانزستور كالقاطعة الصغيرة، وهو أساس الحوسبة الحديثة؛ إذ تتحكَّم ملايين من هذه الترانزستورات بالطريق التي تسلكها الإشارة الكهربائيَّة في الأجهزة الحديثة كلّها، وحديثًا؛  تمكَّن العلماء من استخدام جزيئات كمومية (كالـ "كيوبت*" في الفوتونات) في تصنيع نماذج لترانزستورات كموميَّة؛ الأمر الذي يفتح المجال أمام تصميم حواسيب فائقة السرعة.

تحتاج الحواسيب الكمومية إلى عتاديات كمومية مثلها لتستطيع معالجة البيانات الكمومية، ولكنَّ القيود والعقبات الموجودة في طريق تنفيذ هذه الحواسيب معقدة للغاية، و لا تستطيع أحدث المعالجات المتوفرة الآن العملَ كأجهزة كمومية، ويعود السبب في ذلك إلى أنَّ هذه الأجهزة تنقل المعلومات باستخدام الكيوبت الّتي تتبع قوانين الفيزياء الكمية؛ على العكس من البتّات العادية التي تتبع قوانين الفيزياء التقليدية في الكهرباء.

ولقد تمكَّن العلماء من استخدام جزيئات كمومية كالكيوبت؛ أهمّها الفوتونات، وما يجعل الفوتونات مميزة؛ هي قدرتها على نقل المعلومات بسرعة خيالية لمسافة تُعدُّ طويلة، وعلى الرّغم من أنَّ الفوتونات متوافقة مع معايير تصنيع الرقاقات؛ ولكنَّ صناعة ترانستور كمّيّ يعمل بالضوء ليس بالبساطة التي نتخيلها؛ إذ تُؤثّرُ الفوتونات في بعضها البعض.

الخبر الجيّد هنا هو قدرة فريق بحثي من جامعة (ماريلاند أ جايمس كلارك) على تجاوز هذه العقبة بالتَّعاون مع معهد جوينت للأبحاث الكمومية (Joint Quantum Institute (JQI ومعهد البحوث للإلكترونيات والفيزياء التطبيقية، وبالفعل؛ ظهر أوّل ترانزستور مؤلَّف من فوتون واحد باستخدام رقاقة نصف ناقلة.

وبدأ الحديث عن المعالج الجديد في العدد الصَّادر من مجلة Science في السادس من تموز (يوليو) 2018؛ هو جهاز صغير يتّسع لمليون من هذه الترانزستورات التي لا يتجاوز حجمها حجم بضع حبَّات من الملح؛ معالجٌ سريع للغاية ويستطيع معالجة ما يقارب  10 بلايين كيوبت ضوئي في الثانية الواحدة.

ويقول البروفيسور إيدو واكس؛ بروفيسور في هندسة الكهرباء والحاسوب من معهد للبحوث في الإلكترونيات والفيزياء التطبيقية في جامعة "ماريلاند أ. جيمس كلارك" : "باستخدام الترانزستور هذا، سوف نكون قادرين على تنفيذ بوابات منطقية كمومية بين الفوتونات"، ويضيف:  "ستَستخدم البرمجيات التي تعمل على حاسوب كمومي سلسلةً من العمليات على البوابات المنطقية الكمومية لتستطيع تحقيق السرعة العالية المطلوبة لحل المشكلات الحاسوبية".

وتُصنَع الرّقاقة الضوئيَّة من أنصاف نواقل مكونة من عدد هائل من الثقوب؛ ممَّا يجعلها تبدو كخليَّة نحل، ويدخل الضوء إلى داخل الرّقاقة ويتموضع على أحد هذه الثقوب، وتتموضع بلّورة صغيرة تدعى بالنقطة الكمومية داخلَ المنطقة التي تكون فيها شدَّة الضوء أقوى ما يمكن،  وكَحالِ ذواكر الحاسوب التقليدية؛ تُخزِّن هذه النقطة الكمومية المعلومات عن الفوتونات عند دخولها الجهاز وهو ما يعرف بالذَّاكرة الكمومية، وتتوسّط  النقطة الكمومية بين تفاعلات الفوتونات بعضًا ببعض؛ لأنَّ تصرفات فوتون واحد تؤثر في الفوتونات الأخرى التي ستصل لاحقًا إلى الرّقاقة.

ويقول شاو صن؛ باحث بمرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة ستانفورد: "يجب أن تستمرّ ذاكرة النّقاط الكمومية في الترانزستور أحادي الفوتون فترةً طويلة تكفي كي تتفاعل مع كلّ كيوبت من الفوتونات، وهذا يسمح لفوتون واحد أن يؤثر في عدد كبير من الفوتونات الأخرى، وهو أمر ضروري لكي نَعُدَّ جهازنا  على أنَّه ترانزستور، ومن أجل اختبار أنَّ الرقاقة تعمل مثل الترانزستور؛ قام الباحثون بفحص استجابة الجهاز لنبضات الضوء الضعيفة والتي تحوي -عادة- فوتونًا واحدًا، وفي تجربة عادية، بالكاد يُسجَّل الضوء الخافت، ولكن في جهازنا؛ يُحصَرُ فوتون واحد فترةً طويلة؛ ممَّا يؤدي إلى تسجيل وجوده في نقطة كموميَّة قريبة منه".

ولاحظ الفريق إمكانيّة تحكّم الفوتون بإرسال نبضة ضوئية ثانية عبر التَّفاعل مع النقطة الكمومية؛ إذ تعمل النَّبضة الضوئية الأولى كمفتاح يسمح للفوتون الثاني بالدخول إلى الرقاقة، وإذا لم تحوي النبضة الأولى أيّة فوتونات؛ فإنَّ النقطة الكمومية ستحجب الفوتونات اللاحقة من الدخول. يُشبه هذا السّلوك سلوكَ الترانزستور التقليدي؛ إذ يُتحكَّم بمرور التيار كهربائي من خلال تطبيق فرق جهد على أطرافه، أما بالتّرانستور الكمومي؛ فقد نجح الباحثون في استبدال فرق الجهد بفوتون واحد.

ويقول الباحث واكس أنَّ فريقه قد اضطر لإجراء اختبارات عديدة ومختلفة على أداء الجهاز قبل أن يعمل كترانزستور، ويضيف الباحث صن إنه من خلال التحسينات الهندسية؛ يمكن ربط العديد من الترانزستورات الكمومية مع بعضها البعض.

ويأمل الفريق أن تؤدي هذه الأجهزة السريعة المترابطة على نحوٍ كبير إلى حواسيب كميَّة صغيرة تُعالِج أعدادًا كبيرةً من الكيوبتات الضوئية.

الكيوبت: تُمثَّل البيانات في الحواسيب التقليدية على هيئة بتات ثنائية، والتي تأخذ إحدى القيمتين 1 أو 0، وأمَّا في الحواسيب الكمومية؛ فيستطيع البتّ الكمومي أو ما يعرف باسم الكيوبت أن يكون بهذه القيمتين في الوقت نفسه  في حالة تسمى (superposition).

* لتفاصيل اكثر : هنا

المصادر:

هنا