العمارة والتشييد > مواد البناء

الخرسانة المصبوبة تحت الماء

الخرسانةُ هي المادَّة الأكثر استخدامًا في أعمال البناء والتَّشييد في مجال الهندسة المدنيَّة، والتي تتنوَّع بتنوُّع النَّشاطات البشريَّة من منشآتٍ سكنيَّةٍ ومطاراتٍ وسدودٍ وغيرها، فتتنوَّع أساليبُ إنشاءِ هذه البُنى، فعند بناءِ الأبراج أو السُّدود والمنشآت الَّتي قد تتوضَّع أساساتها تحت الماء نستخدم الخرسانة المخصّصة للاستخدام تحت الماء، وهي طريقةٌ قديمةٌ طرأت عليها تطوراتٌ حديثة تتعلَّقُ بالآليَّات المُستخدمة فيها وطرق التنفيذ ونسب الموادِّ المُستخدمة في الخلطة المصبوبة وجودتها ونوعيَّة المواد المضافة.

ومن هذه الإضافات مواد منع الانجراف anti-washout التي تزيد لزوجةَ الخرسانة ومقاومتها لفصل مكوِّناتها وهي بحالتها الطازجة، ومواد الانضغاط الذَّاتي self-compacting، ومواد التَّسوية الذَّاتيَّة self-leveling.

خواصُّ الخرسانة الممنوعة من الانجراف تحت الماء:

1- الانسيابيَّة أو التَّدفُّق: يجب أن تحقِّق الخرسانة تحت المائيَّة انسيابيَّةً جيِّدةً بعد صبِّها ضمنَ القالب تحت الماء دون أيَّةِ معالجةٍ لاحقة، وذلك عن طريق تحقيق لدونةِ وتماسكِ وانسيابيَّة الخلطة، كما يجبُ أن تكون الخلطة ذات عيار إسمنتيّ أكبر من العيار المعتَمد فوق الماء؛ أي سبعة أكياس إسمنت لكل ياردة مكعَّبة (تعادل الياردة 0.9144 متر)، ويتحقَّقُ التَّماسك والانسيابية بإضافةِ مؤخِّر تصلُّب، ويجب أن تبلغ نسبةُ الفراغات الهوائيَّة 4%، ممَّا يؤمِّن خرسانةً أكثر مقاومة ويؤخِّر زمن الأخذ (زمن بدء تصلُّب الخلطة) ويقلِّل انتشار الحرارة الدَّاخليَّة.

2- المحتوى الهوائيّ: تحوي الخرسانة المُستخدمة في هذا النَّوع محتوىً هوائيًّا مرتفعًا عادةً، لذلك تُضافُ مواد تخفِّض هذا المحتوى الهوائيّ air-detraining admixture ليصلَ إلى نسبة (3-5) % وينخفض معامل التَّجمُّد ومقاومة الذَّوبان ولكن لا يتأثَّر معامل تباعد الفقاعات.

3- نزف الخرسانة: وهي ظاهرةُ هروب ماء الخلطة من البيتون ساحبًا معه الإسمنت ومكوِّنات الخلطة النَّاعمة أحيانًا، وتكون الإضافات في هذا النَّوع من الخرسانة كافيةً لمنع نزف الخرسانة وخزن المياه فيها وتحول دون هروبه منها، لكنَّ هذا الأمر يسبِّب انخفاضًا قليلًا في مقاومتِها، ممَّا يستدعي استخدامَ المزيد من حديدِ التَّسليح.

4- زمن الأخذ: إنَّ إضافات منع الانجراف تسبِّب تأخيرًا كبيرًا في زمن الأخذ ولهذا تُضاف مواد تسرِّع عمليَّة التصلُّبٍ ليصبح زمن الأخذ النِّهائيِّ (5-12) ساعة بحسب الحاجة، كما يمكن استخدام أنواعٍ خاصَّةٍ "إكريليَّةٍ" من إضافات منع الانجراف لا تؤثِّر على زمن الأخذ.

5- مكوِّنات الخلطة: يجب أن يبلغ هبوط المخروط 7 إنش، واستخدام 7 أكياس من الإسمنت في الياردة المكعَّبة كما ذكرنا سابقًا، وأن تُستخدَمَ حصويَّات بأقطار (1.5-2) إنش وأن تبلغ نسبة المواد الناعمة 45% من الحصويَّات الكلِّيَّة، ويُفضَّل استخدام الحصويَّات بدلًا من الصَّخر المكسَّر لزيادة قابليَّة التَّشغيل، ويُسمح أن يصل المحتوى الهوائيِّ إلى (6-7) %، واتِّخاذ أي إجراءٍ يزيد قابليَّة تشغيل الخلطة كاستخدام البوزولان أو الموادِّ الكيميائيَّة المساعدة.

أساليب صبِّ الخرسانة تحت الماء:

1- طريقة القواديس Tremie Method.

2- طريقة الضخِّ Pump Method.

3- طريقة الصَّمَّام الهيدروليكيّ Hydrovolve Method.

4- طريقة الأكياس المتمفصلة Toggle Bags.

5- طريقة الأكياس المغلقة Bags work.

طريقة قواديس الإسمنت تحت الماء:

 

من أشيع طرقِ صبِّ الخرسانة تحت الماء، ويتألَّف القادوس من أنبوبٍ معدنيٍّ شاقوليٍّ يتوضّٓع أعلاه وعاءٌ مفتوحٌ من الأعلى ويتَّصل بالأنبوب من الأسفل، يصل الأنبوب إلى أعمق نقطة يُطلب صبُّ الخرسانة فيها ويتَّصل أعلاه عند الوعاء بمنصَّة عملٍ لتلقيم الخلطة. تُضَخُّ الخرسانة في الأنبوب ثمَّ يُرفَعُ عن القاع بمقدار 6 إنش لتتدفَّق الخرسانة وترتفع حول الأنبوب، ليستمرَّ هذا الضَّخُّ دون انقطاعٍ حتّى امتلاء القالب مع الانتباه لضرورة بقاء قاع الأنبوب مغروساً في الخرسانة لمنع انقطاع الصَّب.

ويجب أن يكون الأنبوب ثقيلًا وصلدًا ليتحمَّل ضغط الماء الخارجيّ ويبقى مستقرًّا أثناء الصَّب، وبقطرٍ لا يقلُّ عن 6 إنشات ولا يزيد على 12 إنش، وتجمَّعُ عدَّة أجزاءٍ عادةً لتشكيل الأنبوب مع استخدام حلقاتٍ مطَّاطيَّةٍ لإحكام إغلاق أماكن الوصل ومنع تسرُّب المونة الإسمنتية منها، كما يُفضَّل أن يكونَ سطح الأنبوب الدَّاخليِّ أملسًا وخاليًا من الوصلات واللحام لتأمين تدفقٍ أعظميٍّ وأسفله أملسًا دون بروزات لينسحب دون ترك فراغٍ مكانه.

يملكُ أبسط أشكال الأنابيب قفلًا على شكل صفيحةٍ معدنيَّةٍ أو خشبيَّةٍ لمنع دخول الماء من الأسفل يتوضَّع في نهاية الأنبوب وبقطرٍ أكبر من قطره بـ 2 إنش، ويُربَط بسلكٍ مفردٍ أو مزدوجٍ ينتهي إلى أعلى الأنبوب عبره، وبذلك يبقى الأنبوب مغلقًا أثناء هبوطه في الماء، ويُحرَّرُ السِّلك عند صبِّ الخرسانةِ ممَّا يسمح بتدفُّق البيتون من الأنبوب، كما يمكن تأمين إغلاقٍ كاملٍ للأنبوب بواسطة كرةٍ مطَّاطيَّة قابلةٍ للنَّفخ تتوضَّع أعلى الأنبوب وتغوص ضمنه بسبب الوزن الذَّاتيُّ للإسمنت أعلاها.

ويُلاحظ ضرورة إبقاء الوعاء العلويِّ للأنبوب مليئًا جزئيًّا وعدم تركه مفرَّغًا كليًّا لمنع ظاهرة فصل الخرسانة وتشكُّل سُدادةٍ حصويَّةٍ أسفل الأنبوب، ويعتمد حجم هذا الأنبوب على معدَّل تلقيم الخرسانة ومعدَّل الصَّبِّ في القالب.

نستخدم في الأعمال الكبيرة أكثر من قادوس، أو نقسِّم القالب إلى عدَّة أجزاءٍ تُصَبُّ على التَّتالي بتباعد 15 قدم بين الأنابيب (من المركز إلى المركز) ويعتمدُ تحديد التباعد عادةً على القطر والعمق وشكل توضُّع الأنبوب. ويُفضَّل أن تكون أوَّل دفعةٍ من الخرسانة المارَّة من الأنبوب غنيَّةً بالرَّوبة لتشكِّل غلافًا داخليًّا للأنبوب يسهِّل مرور دفعات الخرسانة التَّالية.

تُصَبُّ الخرسانة في البدء دون رفع الأنبوب حتَّى يصل ارتفاعها في القالب إلى عمق (3-4) قدم و6 إنش، ويُرفَعُ بعدها الأنبوب حتَّى يمتلئ القالب، ولا يُرفع الأنبوب حتَّى يتأمَّن عمق غمر (3-5) قدم وسطيًّا، ويتعلَّق هذا العمق عادةً بلدونة الخلطة وعمق المياه ومعدَّل تلقيم الوعاء العلويِّ، وتتعلَّق أهميَّة هذا الغمر بضرورة صبِّ الدَّفعات الجديدة من الخرسانة دونَ إحداث اضطرابٍ بالدفعات المصبوبة مُسبقًا مع إبقاء السَّطح العلويِّ مستويًا قدر الإمكان.

لا يُسمح بخروج الخرسانة من الأنبوب بسرعةٍ تحت أيِّ ظرف وإلَّا سيدخل الماء إلى الأنبوب من الأسفل، ويجب أن يبلغ معدَّل الصَّبِّ لمعظم الأعمال تحت الماء (12-15) إنش في السَّاعة وسطيًّا، ويُفضَّل عدم التَّوقُّف حتى امتلاء القالب عند البدء بالصَّب، ولهذا يجب تأمين معداتٍ ومواد احتياطيَّة لتأمين استمراريَّة العمل تحت أيِّ ظرف، فقد يتوقَّفُ الصَّبُّ لسببٍ طارئٍ مثل: تشكيل الحصويّات جسرًا يصل جدار الأنبوب قطريًّا، أو بدء تصلُّب الخلطة ضمن الأنبوب، أو بسبب قساوة الخلطة أو تصلُّبها لدرجة تمنع تدفُّقها على نحوٍ لدِن، أو التَّدرُّج الحبِّيُّ السَّيء وعدم كفاية المواد النَّاعمة خصوصًا، أو زوال المادَّة المغلِّفة للسَّطح الدَّاخليِّ للأنبوب، ويمكن معالجةُ هذه الانقطاعات بتطبيق ارتجاج على الأنبوب أو بضخِّ دفقاتٍ مفاجئة.

كما يجب أخذ الاحتياطات اللَّازمة لمنع كسر الفاصل بين الخرسانة في القالب والخرسانة في الأنبوب، والحلُّ الأفضلُ في حال حدوث الكسر ودخول الماء إلى الأنبوب هو استبدالُه بالكرة المطَّاطيَّة ريثما يُنزَلُ الأنبوب ويُغمَرُ بالخرسانة حتى عمق 18 إنش وتطبيقُ ضغطٍ بطيءٍ بعدَها على الكرة لتدفع الماء -الَّذي دخل نتيجة انكسار الفاصل- خارج الأنبوب مع أخذ الحيطة بإمكانيَّة اندفاع الماء بقوة ممَّا قد يؤدِّي إلى إزالة المواد النّاعمة من الخلطة أسفل الأنبوب ثمَّ انفصالها، ويكفي الضَّغط عند نهاية الأنبوب لتشويه الكرة المطَّاطيَّة وإجبارها على الخروج.

Lake Okeechobee S65e Structure Tailwater Weir:

وكمثالٍ عن المنشآت تحت المائيَّة المنشأ الهيدروليكيِّ الجسريِّ على بحيرة أوكيتشوبي الذي استهلك ما يزيد عن 2065 مترًا مكعَّبًا من الخرسانة تحت الماء بكلفةٍ تجاوزت الـ 14.3 مليون دولار، ونفِّذَ هذا المشروع الطَّارئ جنوبيِّ فلوريدا خلال 5 أشهرٍ فقط باستخدام القواديس وأربعة مضخَّات لقَّمت دفعتين من الخرسانة باستمرار لمدَّة 18 ساعة متواصلة وبمعدَّل 175 مترًا مكعَّبًا في السَّاعة.

والفرق الرئيس في الخلطة الخرسانيَّة بين الصَّبِّ فوق الماء والصَّبِّ تحته هو قابليَّةُ التَّشغيل، إذ يجبُ أن تتدفَّق الخرسانة تحت الماء وتنضغط تحت تأثيرِ وزنها الذَّاتيِّ، أمَّا الخرسانة فوق الماء فتُرَصُّ بتطبيق اهتزازاتٍ ميكانيكيَّةٍ.

 وبهذه الإضافات استطاعت الهندسة التَّغلُّب على عائق الماء وتطويع الخرسانة لاستخدامها تحت الماء، وأظهرت الخرسانة مرونتها في الاستخدام والمدى الذي يمكن أن تصله بالتَّكيُّف مع الظُّروف المختلفة.

المصادر: 

هنا

courses.washington.edu/cm420/Lecture8.pdf

/p>