الفيزياء والفلك > فيزياء

مالذي سيعنيه اكتشاف وجود الأمواج الثقالية في اشعاع الخلفية الكوني

تعتبر الأمواج الثقالية أحد الظواهر التي تتنبأ النسبية العامة بوجودها. ويمكن تشبيه أثرها بوجود بركة ماء ساكنة على سطحها ورقتي شجر. لو سقطت حصاة صغيرة في الماء ستسبب اهتزازات على سطح البركة عندما تصل هذه الاهتزازات لمكان الورقتين ستهتزان مقتربتين ومبتعدتين بشكل طفيف. كذلك تنتشر الأمواج الثقالية عبر نسيج الزمكان مسببة تغيرات طفيفة في المواضع النسبية للأجسام او انحرافات معينة في الأشعة الكهرطيسية المنتشرة في الكون. ولكن هذه الأمواج تستلزم أحداتاً فلكية ضخمة لكي تنتج كاصطدام ثقبين أسودين (كما في الصورة التخيلية) أو حتى نشوء الكون نفسه وتضخمه إلى إضعاف حجمه في أجزاء من الثانية فيما يعرف بنظرية التضخم الكوني.

افترض آلان غوث في بداية الثمانينات أن الكون في الأجزاء الأولى من الثانية في حياته تضخم مليارات المليارات من المرات خلال أجزاء من الثانية وقد وضعت هذه الفرضية لتفسير العديد من المشاهدات الفلكية كالتجانس في توزع المادة والاشعاع المرصودين في اي اتجاه في الكون من بين عدة أمور. وبرغم وجود بعض الدلائل ونتائج الرصد التي تتفق مع صحة الفرضية ولكنها لازالت قيد التساؤل والنقاش من قبل العديد من العلماء. ولكن من ناحية ثانية فالتضخم هو الالية الوحيدة التي تمتلك قدرة على تضخيم الأمواج الثقالية التي نشأت عند بداية الكون نتيجة للاضطرابات الشديدة الناجمة عن التأثيرات الكمومية في تلك اللحظة بحيث تصبح تأثيرات هذه الأمواج قابلة للرصد.

وفي حال اكتشاف وجود هذه الأمواج فسيكون ذلك علامة فارقة قد تغير وجه الفيزياء. وفي حال التنبؤات المنتشرة خلال الاسبوع الماضي عن كون نتائج الرصد تتعلق بأمواج الجاذبية الناتجة عن التضخم الكوني فسيعني اكتشافها أن العلماء قد يتمكنون للمرة الأولى من سماع الصرخات الأولى للكون عند ولادته.

ويسعى العلماء للبحث عن اثار وجود هذه الأمواج الثقالية المتعلقة خاصة بنشأة الكون وذلك بدراسة اشعاع الخلفية الكوني الميكروي. وهي الاشعاعات الناتجة عن ولادة الكون والتي انتشرت عبر الفضاء بعد تشكل الكون بـ 380 ألف سنة عندما اصبح الكون أبرد قليلا بحيث اصبح شفافا يسمح لفوتونات الضوء والأشعة الكهرطيسية بالعبور. وفي حين تمت دراسة اشعاع الخلفية الميكروي سابقا بشكل مكثف ورسمت عدة خرائط لتوزعه نتجت آخرها عن قياسات بعثة بلانك، يتوقع علماء الفلك والكونيات وجود تفاصيل مخبأة ضمن الخرائط عن دلائل لوجود أمواج ثقالية في تلك اللحظات الأولى من ولادة الكون.

تعتبر الأمواج الثقالية الناتجة عن التضخم الكوني مهمة لسببين فهي أولا لا تزال موجودة منذ ولادة الكون وحتى الان وثانياً هناك يمكن الكشف عنها في إشعاع الخلفية الكوني كما اشارت عدة اوراق بحث سابقا رغم صعوبة ذلك. وستكشف شدة هذه الأمواج عند الأطوال الموجية المختلفة عدة معلومات عن التضخم الكوني بما في ذلك كثافة الطاقة في الحقبة التي كان فيها كوننا تحت تأثير حقل التضخم الكوني عند اللحظات الأولى لولادته.

تتمتع الفوتونات بخاصة تدعى الاستقطاب تعبر عن اختيار كل فوتون لجهة معينة في الفراغ. يكون استقطاب الفوتونات عشوائياً عادة دون وجود مؤثر خارجي عليها وذلك لعدم وجود جهة مفضلة في الفراغ منطقياً. عند دراسة اشعاع الخلفية الميكروي وجد أن الاستقطاب ليش عشوائياً تماما وذلك تحت تأثير عاملين: الاختلافات في كثافة توزع المادة والطاقة من جهة والاستقطاب الناجم عن تأثير الامواج الثقالية من جهة أخرى. وبسبب الاختلافات الطفيفة التي يمكن تمييزها ببعض المعالجات الرياضية يمكن فصل السببين عن بعضهما وبالتالي اكتشاف وجود تأثير للأمواج الثقالية كدليل عليها. وتكمن أحد الصعوبات كما يشرح عالم الفيزياء شون كارول في أنه قد تؤدي عدة عوامل إضافة للأمواج الثقالية لتوليد نفس هذه الإشارة كتأثير العدسات الثقالية الذي ينتج عن الكتلة الضخمة للمجرات والعناقيد المجرية والتي تؤدي لانحراف الضوء (أو الأشعة الكهرطيسية).

ولكن ماذا لو صح ما ينتشر حالياً عن أن نتائج الرصد التي سيعلن عنها والتي حققها فريق تسلكوب BICEP في القطب الجنوبي لدراسة استقطاب الفوتونات في اشعاع الخلفية الميكروي تتعلق فقط بالإشارة الناجمة عن تأثير الأمواج الثقالية؟

في حال كانت هذه الاضطرابات المرصودة في الاستقطاب ناجمة فقط عن تأثير الأمواج الثقالية فإن ذلك سيعطينا فكرة شبه مباشرة عن التضخم الكوني الذي حدث مباشرة عند ولادة الكون لأن مستوى الطاقة اللازم لجعل هذه الاشارة قابلة لأن نكشفها حاليا هو مستوى مرتفع يقارب مستوى كثافة الطاقة المتوقعة عند ولادة الكون تقريبا.

وفي كل الأحوال فإن التأكيد على وجود دليل على هذه الأمواج يصب في خانة الدلائل على صحة فرضية التضخم الكوني فبرغم من اعتبارها تملك دلائل قوية من وجهة نظر العديدين فهي لا تزال تعاني من عدة مشاكل جوهرية في ذات الوقت. ولكن في حال ثبوت صحة نتائج الرصد في وجه الاختبارات سيكون من الصعب جداً انكار أن التضخم الكوني قد حصل فعلاً.

ويضيف شون كارول أنه هناك دوماً احتمال اعلان النتائج دون أن تثبت صحة الاستنتاجات المبنية عليها في وجه الاختبارات والنقاشات لاحقا. فالقياسات المطلوبة صعبة جداً ويحتمل أن يحصل خطأ فيها لعدة أسباب حتى من قبل علماء حذرين كفريق BICEP. فيجب إلا نكتفي بالنظر بالأهمية الاحصائية لصحة النتيجة بل ومتانتها أيضا. بمعنى أن نسأل انفسنا على يمكن رصد نفس النتائج بالبحث عند جميع الأطوال الموجية وضمن مختلف مستويات حجم منطقة البحث في السماء. ولحسن الحظ هناك العديد من التجارب المنافسة التي ستتجه للبحث عن امكانية تأكيد أي نتيجة تم الحصول عليها ففي نهاية الأمر هذا ما تقتضيه المنهجية العلمية الصحيحة.

 

المصادر: هنا

هنا

حقوق الصورة: Swinburne Astronomy Productions.

 Productions.