منوعات علمية > العلم الزائف

هل تُعَدُّ تمضيةُ ساعات في دراسة "علم تحليل خط اليد" مضيعةً للوقت؟

هل يمكن للغرافولوجي أو علم تحليل خط اليد أن يندرجَ تحتَ تصنيف العلوم النفسية؟ وكيف استطاع العلمُ فكَّ شيفرات هذا التحليل؟

كثيرٌ منَّا سمع بأخصائيي تحليل الخط وخضعَ الكثيرُ منَّا لاختباراتهم في الكشف عن أي من الأمراض النفسية أو بهدف دراسة سلوكيات الفرد وميوله، لكن ما مدى تطابق ما يقوله المحللون مع صفات الفرد ذاته؟ ولماذا دائماً نشعر بأنهم يقولون ما لا نستطيعُ قولَه عن شخصياتنا؟

 

بدايةً لكي نتمكنَ من إثبات أي نظرية فلا بدَّ من دراسة جوانبها وتطبيقها عملياً ودراسة النتائج بناءً على أسسٍ علميةٍ بحتة.

 

أولاً: ماذا يُقصَد ب " علم تحليل الخط  أو الغرافولوجي؟

يُعَدُّ فرعاً من مجموعة كبيرة من الممارسات المعروفة بـ " تحليل الشخصية " ويعتمدُ مبدأُ الغرافولوجي على تحديد الخصائص النفسيَّة والمهنيَّة والطبية للفرد والكشف عن بعض الأمراض النفسيَّة من خلال طريقة كتابة الحروف ورسم الخطوط.

 

من أين جاء وكيف استمر إلى يومنا هذا؟

هناك العديدُ من الأساطير الصينية واليونانية والرومانية، بالإضافة إلى الدِّراسات اليهوديَّة القديمة والمسيحيَّة، جُسِّدَت من خلال تكهُّنات الطبيب الإيطالي كاميو بالدي في القرن السابع عشر.

وفي القرن التاسعَ عشر ابتدع الأب جان هيبوليت ميشون مصطلح "دراسة الخط"، وأسَّسَ جمعيةَ علم دراسة الخط في باريس في عام 1871، ولا تزال العديد من كتب ميشون مؤثرةً إلى يومنا هذا. كما قام علماء الرَّسم الفرنسيون بتطوير هذا العلم حتى أوائل القرن العشرين إلى أن بدأ المؤلفون الألمان بالتفوق عليهم.

في ذلك الوقت، وحتى يومنا هذا نلاحظ أنَّ دراسة وتحليل خط اليد يُعَدُّ من أحد فروع علم النفس ويعتمد عليه كبارُ الشَّخصيات حولَ العالم.

 

لماذا تنجح تقنية التحليل هذه؟

على خلاف طرق تحليل الشخصية الأخرى - كالتنجيم وقراءة الكف - فإنَّ تحليلَ خط اليد يُعَدُّ من أبسط الطرق كما أنه ( أو كما يزعم أخصائيو التحليل ) قائمٌ على أسسٍ علميةٍ، إذ إنَّ الكتابة اليدويَّة تتشكلُ من خلال الأوامر التي يصدرها الدماغ وكما أنَّ الدماغ أيضاً هو المسؤول عن تصرفات الفرد وميوله وشخصيته وأنَّ ما بداخلنا يُكشف عنه من خلال التصرفات الحركية التي نتخذها عند الكتابة. ومن هذا المنطق ربطَ خبراءُ التحليل الأسبابَ وأقنعوا الجمهور وجذبوا انتباه الشخصيات المختلفة.

 

وكما نعلم فإنَّ جوهرَ كلِّ علمٍ قائمٍ على التنجيم هو ربطُهُ بالعواطف كما في  "قانون التشابه"، فإذا كان من الممكن ربط شيئين عقليين - يزعم أنهما يتمتعان "بتعاطف" معين أو "صدى" - يمكنُ استخدام أيٍ منهما للكشف عن الآخر أو التأثير عليه من خلال ترابطه مع السحر.

قدّمتِ العديد من الأمثلة لإظهار أنَّ أشهرَ علماء تحليل الخطوط ما زالوا يعتمدون على هذه المبادئ نفسِها من السِّحر القائم على العواطف لاستخلاص سِمات الشخص من نصِّه. بذلَ الخبراء كلَّ ما في وسعهم لإخفاء هذه الحقيقة من خلال دمج تكهُّناتهم في العقلية النفسيَّة السَّليمة، لكنَّ المرء يحتاج فقط إلى مقارنة "صفاته" مع الصِّفات التي يفسرها المحلل.

أجرى باري ال بيرستين (المتشكك العلمي وأستاذ علم النفس في جامعة سايمون في برنابي ، كولومبيا البريطانية)  

Barry L. Beyerstein

ورقةَ بحثٍ لإثباتِ مدى صِحَّة هذه النظرية وتوصَّل إلى أنَّ أساسَ التشخيصات هو استعاري تمامًا.

وقد ناقش العديدَ من المتخصصين في الخطوط، ولم يتمكن أي منهم من دحضِ هذا الادِّعاء.

والجديرُ بالذكر تعدادُ بعض أمثلة التفكير الاستعاري التي استُخلِصَت من الكتب المدرسية والمقالات: التباعد الواسع بين الكلمات يفترضُ أنه يشير إلى شخص لا يختلط بسهولة، وبالتالي يكون عرضةً للعزلة والوحدة.

أمَّا الأشخاصُ الذين تنجرف خطوطهم نحو الأعلى فهم متفائلون، بينما أولئك الذين تتدلَّى خطوطُهم نحوَ الأسفل هم متشائمون يشعرون باستمرار أنَّهم ينجرُّون للإحباط. الأشخاص الذين يرسمون الأجزاء العليا والمتوسطة والثانوية من رسائلهم كبيرة  .الحجم لديهم إحساس جيد بالتناسب

وعلى الصَّعيد الصِّحي، ادَّعى الخبراء أنَّ نقصَ أوقات الكتابة يشير إلى انخفاض ضغط الدم والحلقات غير المكتملة هي تشخيص لأمراض القلب، والكسر بين الأجزاء العلوية والسفلية من الحروف هو علامةٌ مؤكِّدةٌ على وجود مشاكلَ في الظهر..

 

إذاً كيف استطاع الجرافولوجي خداعَ العقول لكل هذه السنوات؟

إنَّ الغالبيةَ العظمى من محللي خط اليد يُدَرَّسونَ ذاتيًا من الكتب الشعبية أو يُدَرَّبونَ من خلال مدارس المراسلة المعتمدة ذاتيًا أو دروس المدرسة الليلية غير المعتمدة. قائمة على مبدأ "شاهد واحدة، اعمل واحداً، علّم واحداً"

على الرغم من أنَّه لم يُعثَر على كتاب مدرسي مرموق في الاختبارات النفسية التي عالجت دراسة الخط مع أي شيء سوى الازدراء، لا يزال محللو الخطوط يدَّعون أنَّهم فرعٌ من فروع علم النفس الذي يُساءُ فهمُهُ على نحوٍ غير عادل.

وادَّعوا أنَّهم يستطيعون أن يميِّزوا المزاج (على سبيل المثال الثِّقة بالنفس، والتفاؤل، والتبذير، والرضا عن الذات، أو المزاج المتفجر). كما يؤمنون أنَّ الكتابة تكشفُ عن صفاتٍ عقليةٍ مثل الذكاء، والقدرة على التفكير، والبَدَاهة، والسِّمات الاجتماعية مثل الانطواء ، والود، والهيمنة في مكان العمل.  

في علم الفلسفة ، تُقصَى أي عقيدة بمجرد إظهار أنَّها غيرُ متناسقةٍ داخليًا.

إنَّ دراسةَ الخط غامضةٌ ومتناقضةٌ إلى حدٍّ ما، إذ يقولون إنَّ الكتابة هي مقياسٌ نفسيٌ حساس لدرجة أنَّها تختلف - لحظة إلى لحظة - استجابةً لتغيراتٍ مزاجيةٍ خفية. ولكن في الوقت نفسه، سيقولون لك إنَّ الكتابةَ غير منيعة للتغيير، إذ لا يمكنك إخفاءُ طبيعتك الحقيقية عن طريق تزييف النصِّ الخاصِّ بك عن قصد. على الرغم من أنَّ السيناريو الظاهر والمستتر من نفس الشخص يبدو مختلفًا ، لكنهُ لا يزال يشيرُ إلى السمات نفسها لخبير الخطوط. لكن إذا كانت تلك التباينات نفسها موجودةً في نصوص شخصين مختلفين، فإنَّ عالِم تحليل الخط سيقول إنَّها تدلُّ على سماتٍ مختلفة. كما يجيب خبراء الخطوط على أولئك الذين يقولون إنَّ كتاباتهم تتنوع تبعاً للسرعة، والموقف، والرغبة في ترك انطباع ما، وما إلى ذلك، فالكتابةُ هنا تختلف بشكلٍ واضحٍ ، إلا أنها لا تزالُ تدلُّ على السمات الشخصية نفسها. فإذا كنت تحاول خداع عالم الرسم البياني من خلال تمويه خطك، فإنَّ شخصيتك المتصلِّبة تُبقي علامات العوارض سليمة دون تغيير، ولكن إذا قمتَ بتغيير كتابتك بناءً على طلبٍ من الطبيب المختص بالخصائص ، فإنَّ شخصيتك المرنة ستعيد تنظيم نفسها لتعكس النص الجديد المحسّن. وهذا يُعَدُّ تناقضاً مرفوضاً في علم النفس، وبالتالي لا يمكن أن يندرج الغرافولوجي تحت أي فرعٍ من فروع علم النفس، وبالتالي يمكن استبعاده من منزل العلم.

كما أنَّ الكتابة سلوكٌ مُتعلَّم، فكيف يغيرُ الدماغ دونَ تغيير كل حركة تعلُّم مكتوبة لجعلها تتطابق مع كلِّ سِمة من الصفات العديدة التي سيكبر بها الطفل؟ ما هو نوع الآلية التي يمكن تصورها على نحوٍ يضمن أنَّ كل شخص مقدر له أن يكون ملتوياً سيكتسبُ البرنامج العصبي نفسه، ليربط الحلقات بالطريقة نفسها؟

ولعلَّ أكثرَ ما يدمِّر كل شيء بالنسبة لعلماء الخطوط هو الدليل على أنَّ مثل هذه المعلومات تُستَخلَصُ من الحركات اللاواعية وتعبيرات الوجه تُقرَأ من قبل أي شخص دون تدريب رسمي.

الخلاصة :

دراسة الخط - على الرغم من ادعاءاتها العلمية - تظلُّ غارقة في ماضيها السحري. والمبررات المفضلة لعلماء الخطوط غير كافية، فإنَّ الممارسين وجزءاً كبيراً من الجمهور عموماً ما زالوا يؤمنون بأنها علمٌ قائم. إنَّ التحيُّزات المعرفية المثيرة للاهتمام التي أبقت علم دراسة الخط على قيد الحياة من خلال منح الناس وهمًا قويًا بأنه كاشف ودقيق - هي ليست كذلك. إذا كان لا يمكن لدراسة الخط أن تدَّعي على نحوٍ شرعي أنها وسيلة علمية لقياس المواهب والميول البشرية، فما هو حقاً؟ باختصار، إنَّه علمٌ زائف. فمن السيِّئ أن يخسر المرءُ رأياً أو موقفاً على أساس نصيحة زائفة.

تتسارع العلوم المزيَّفة إلى إساءة استخدام هيبة العلوم الشرعية، وتتسارع  بالدرجة نفسها إلى تشويه العلم. فعندما يفشل العلماء بالمعايير التقليدية، يزعم العلماء الزائفون فجأة أنهم جزءٌ من "نموذج جديد" لا يمكنٌ للعلماء أن يأملوا في فهمه. في الواقع، هو عبارة عن علوم زائفة غير مَرِنة وغير متغيِّرة، سماتها الأكثر شيوعًا هي تقديس النصوص القديمة التي لا تُحدَّثُ أبداً بالاكتشافات الجديدة.

فهل من المنطق عزيزي القارئ هدر المال والوقت لسماع شخصٍ يقوم بطرح الأكاذيب وترك فرصة أكبر لهم للانتشار وخداع الناس؟

المصادر :

1- هنا

2- هنا

3- هنا