العمارة والتشييد > من أعلام العمارة

لوي كان Louis Khan.. معماريُّ الحداثة المتصوِّف

يمكنكم الاستماع إلى العمل عبر الرابط:

لوي كان Louis Kahn - لوي إيسادور كان Louis Isadore Kahn -  والملقَّب بـ لوي ل.كان Louis I. Kahn، وُلِد في 20 شباط/فبراير من عام 1901م في إستونيا  Estonia.

هاجرَ والداه إلى فيلادلفيا Philadelphia عندما كان صغيرًا، وقضى هناك بقيَّةَ حياته منجِزًا العديد من أعماله التَّصميميَّة اللّاحقة، وتخرَّج من جامعةِ بينسلفينيا للعمارة University of Pennsylvania في فيلادلفيا philadelphia سنة 1924م، ليسافرَ بعدَ ذلك في رحلةٍ حول أوروبا في سنة 1928م، ويدرس ويرسم الصُّروح المعماريَّة، إذ أبدى اهتمامًا كبيرًا بعمارةِ العصورِ الوسطى كالقصور والمدن المسوَّرة أكثر من أبنية الحداثة آنذاك، ليُترجَم ذلك لاحقًا بعمقِ ومتانةِ تصاميمه التي شابهت في نواحٍ كثيرةٍ أبنية الطُّوب للمعماري آلفار ألتو Alvar Aalto ووحشيَّة أعمال لو كوربوزيه Le Corbusier المتأخّرة. وفي عام 1941م أصبحَ شريكًا لـ جورج هوي George Howe وشاركَ بين عامي 1942م و1944م كلًّا من جورج هوي George Howe وأوسكار ستونوروف Stonorov Oscar.

صمَّم لوي كان بين فترة 1930م و1940م العديد من الأبنية السَّكنيَّة الخاصَّة وأبنية سكنيَّة للعمَّال، ليشغلَ بعدها منصبَ أستاذٍ في العمارة في جامعة يال  Yale Universityعام 1947م.

بعد بعثته إلى الأكاديميَّة الأميركيَّة في روما 1950م والّتي عزّزت تقديره لعمارةِ حوضِ المتوسِّط، بدأَ العملَ على أوَّلِ تصامِيه المهمِّة وهو معرضُ الفن في جامعة يال 1952 – 1954 في نيو هافن New Haven كونّيتيكيت Connecticut، والتي كانت خروجًا عن نمطِ أبنيتِه ذات الطِّراز العالميّ في العقدِ الذي سبقَ هذا المشروع.

عُيِّنَ كان عام 1957م دكتورًا في العمارة في جامعة بينسلفينيا University of Pennsylvania، وصمَّم فيها لاحقًا مركزَ ريتشارد للبحوث الطبيَّة Richards Medical Research Building 1960م – 1965م، واستطاعَ بتصميمِه هذا التَّعبير المميَّز عن الفرق بين الفضاءات المخدِّمة والمخدَّمة، فقد تألَّفَ الفضاءُ المخدِّم من الأدراجِ والمصاعد والتَّمديدات وفتحات الدُّخول والأنابيب التي وُزِّعت على أربعةِ أبراجٍ مفصولةٍ عن المساحات المخدَّمة من مختبراتٍ ومكاتب. وكانت أبنيةُ المختبرات تُصمَّم على ذلك النَّحو لعقود، إلّا أنَّ كان عمدَ إلى تطويرِ الجانبِ العمليّ في تصميمِه هذا إلى مبدأ معماريّ، ويكادُ يكونُ أفضل مثال عن أسلوبِه المتطوّر هو معهد سالك للدِّراسات الحيوية Salk Institute for Biological Studies في كاليفورنيا California ومركز يال للفنون البريطانية Yale Center for British Art في نيو هيفن New Haven 1977م، إذ جمعَ نمطَ المخدِّم-المخدَّم مع وحيٍ من العمارة الكلاسيكيَّة وعمارةِ القرون الوسطى من خلالِ الأشكالِ الهندسيَّة الأساسيَّة، والاستخدام الأنيق والمعبِّر لمواد البناء كالطُّوب والإسمنت.

تعودُ تشكيلاتُ تصاميم كان ذات الطراز التَّقليدي القديم إلى العمارةِ اليونانيَّة التي درسها في خمسينات القرن العشرين، إذ يقولُ لوي كان: "علَّمتني العمارة اليونانيَّة أنَّ مكانَ تمركزِ العمود هوَ المكانُ الخالي من الإضاءة، ويوجدُ الضَّوء في الفضاءِ المحتوى بين الأعمدة، إنَّها مسألةُ تناوبٍ بين الضَّوء واللَّا ضوء؛ فيوجدُ الضوء بين العمود والعمود، وخلقُ عمودٍ من جدار في مكانٍ ما مع إيقاعِه الخاص بين الضَّوء وعدمه مهمَّةٌ تقعُ على عاتقِ إبداعِ الفنَّان."

كانَ الضَّوء من العناصرِ الأساسيَّة في فلسفةِ كان المعماريَّة، فقد عدَّهُ "مسبِّبَ كلِّ الوجوديَّات وكل العناصر الطَّبيعيَّة والجبال والجداول والهواء، ونحنُ من صُنعِ الضَّوءِ المنتشِرِ أيضًا، وتُسمَّى هذه الكتل موادًا تخلقُ الظلّ، وينتمي الظِّلُّ للضَّوء؛ فالضَّوءُ نسبةً له مكوِّنُ المواد، وغايةُ المواد خلقُ الظِّلال.

و مثالٌ على ذلك الصُّورة التي تستحضرُها ذاكرتُنا أثناءَ السَّير عبرَ سلسلةٍ من الفتحات في رواق معهد سالك Salk Institute، صورة الصمت العميق في الأديرة عن طريق خطوط الظل القاتمة والفتحات التي تظهر في مساحاتٍ وقوالب محدَّدة بدقَّة، وتُغني ملمَس الجدرانِ الضَّخمة، فتمثِّلُ الحجارةُ البيضاء اللَّون والجدرانُ الإسمنتيَّة الرَّمادية اللَّون لوحةً تراتبيَّةً ثلاثيَّةَ الأبعاد بسبب تفاوتِ الظِّلال التي تتحوَّلُ إلى عنصرٍ أساسيّ ليكشفَ تراتبيَّةَ وتجانس التَّشكيلاتِ المعماريَّة في أعمالِه.

الانطباعُ الذي خلَّفهُ لوي كان كفردٍ يعادل أسطورته؛ فقد قادهُ غموضُه إضافةً لفهمه المتعمِّق في العمارة أحيانًا ليُلقَّبَ بالمتصوِّف أو المعلِّم، وألهمت حياتُه الخاصَّة ابنه لتصويرِ الفيلم الوثائقي My Architect الذي رُشِّحَ لجائزة الأوسكار عام 2003م، ويقولُ المعماريّ فيليب جونسون  Philip Johnson في الفيلم واصفًا كان: "كانَ فنَّانَ ذاتِه الخاصّ، وكانَ حرًّا مقارنةً بي."

توفّي كان في 17 آذار/مارس من عام 1974م، وتُعَدُّ وفاتُه قصَّةً شهيرةً متداولةً معماريا، إذ كانَ عائدًا إلى نيويورك من زيارةِ موقعِ المعهدِ الهنديّ لإدراةِ الأعمال  Indian Institute of Management عندَ إصابتهِ بنوبةٍ قلبيَّةٍ في حمَّامِ الرِّجال في محطَّةٍ بين Penn Station، وعلى الرُّغم من شهرتهِ الواسعةِ النِّطاق كانَ مكتبُه المعماريّ مثقلًا بالدِّيون، ولم تُبلَّغ عائلتُهُ بخبرِ وفاتِهِ إلَّا بعد يومين من وفاتِهِ بسببِ ضعفِ الاتِّصال والتّراسل بين قسمَي شرطة نيويورك وفيلادلفيا. وعلى الرُّغم من نهايتِه غير الرسميَّة التَّقدير فقد خبّأت هذه النهاية شعاع أمل؛ إذ احتوت حقيبتُهُ التي وُجدت معه عندَ وفاتِه رسومات وتصاميم لنصب فرانكلين روزفيلت Franklin D Roosevelt التَّذكاريّ في جزيرة روزفيلت Roosevelt Island في نيويورك والتي أنتجت بعد أربعةِ عقود آخرَ أعمالِ كان تحتَ اسم فور فريدومز بارك  Four Freedoms Park2012م.

تُشبهُ أعمالُ كان أعمالَ إيرو سارينين Eero Saarinen وفراي أوتو Frei Otto وغيرهم في إثارتِها للجدل أثناءَ حياتِهم ولكنَّها نُقِدَت بإيجابيةٍ أكبر من قِبَلِ جيلٍ جديدٍ من النقَّاد المعماريِّين الذين أكّدوا أنَّ كان واحدٌ من أهمِّ معماريِّي القرنِ العشرين وأكثرِهم أصالة.

استطاعَ مسارُ كان التَّصميميّ باستخدامِ الظِّلال اجتذابَ العديدِ من الأتباعِ له مثل تاداو أندوTadao Ando وتصميمه لكنيسة الضوء Church of Light، وبيتر تزومثور Peter Zumthor في تصميمه لمسبح فالس الحار  Therme Vals، والمعماريّ أكسل شولتز Axel Schultes ومبنى محرقة الجثث  Crematorium، إذ استخدموا جميعًا الظِّل كتشكيلٍ لخلقِ الفضاءات الصَّامتة، ومن هذا المنظور تظهرُ جماليَّةُ التَّمازجِ في عمارةِ يومنا الحاليّ والتي تسعى إلى إنتاجِ رموزٍ ديناميكيَّةٍ مشرقة.

على الرُّغم من أنَّ لوي كان لم يصل إلى نمطهِ المتميِّز إلّا عندَ عامهِ الخمسين ووفاتِه بعمرِ 73 عامًا لكنَّهُ استطاع خلالَ عقدين من الزَّمن أن يُثبتَ نفسه كأحدِ أهمِّ معماريِّي الحداثة إلى جانب لو كوربوزييه  Le Corbusier وميس فان دي روه  Mies van der Roheوغيرهم.

هل كنتم تعرفون لوي كان من قبل؟ وهل توافقوننا الرَّأي بأنَّهُ أحدُ مبدعي فترةِ عمارة الحداثة؟ وما الأعمال التي تفضِّلونها له؟

المصادر: 

هنا

هنا

هنا