الطب > ‏معلومة سريعة‬

الخِلالُ ليس كما تصوَّرناه!

الخِلالُ ليس كما تصوَّرناه!

في عام 2015 وفي أثناءِ إجراء جراحةٍ استكشافيةٍ من أجل الوقوف على مدى انتشار السرطان في القناة الصَّفراوية الخاصَّة بأحد المرضى؛ وجدوا شيئًا غريبًا لا يُشبه أيَّ تركيبٍ تشريحيٍّ معروفٍ؛ وهو مجموعة من الفراغات المليئة بالسوائل، وعندما فحصوا هذا النَّسيج تحت المجهر اختفَتِ الفراغات!

عاد الفريقُ نفسُه في السابع والعشرين من آذار (مارس) 2018 هادفًا إلى حلِّ هذا اللُّغز بنشرِه دراسةً تُفسِّر كلَّ شيء، وقد أُجريَت هذه الدراسات باستخدام تكنولوجيا جديدة تتمثّلُ في منظارٍ داخليٍّ يُوفِّر رؤيةً مجهريةً للأنسجة الحيَّة بدلًا من تلك المثبتة، وأُكِّدَت هذه النتائج أيضًا عن طريق استخدام الموجات فوق الصوتية.

"الخِلال" هو نسيجٌ ضام (أحدُ الأنسجة الأربعة في الجسم التي تربط أجزاءَه المختلفة بعضها ببعضٍ) وهو معروفٌ مُسبقًا بأنَّه نسيجٌ مُصمَتٌ يملأ الفراغات بين خلايا الأنسجة والأعضاء المختلفة؛ إذ يوجد تحت سطح الجلد، ويُبطِّن الجهازَ الهضمي، والرِّئة، والجهاز البولي، ويُحيط بالشرايين.

أوضحَت هذه الدراسةُ أنَّ الخِلالَ في الحقيقة هو مجموعةٌ من الفراغاتِ المليئة بالسائل، وتتَّصل بعضها ببعض عبر الجسم كله؛ لذلك اقترحوا تصنيفَه عُضوًا جديدًا، وبذلك يكون أحدَ أكبرِ أعضاء الجسم.

تُبطِّن سلسلةُ الفراغاتِ هذه شبكةً قويةً من بروتينات النَّسيج الضام (الكولاجين والإيلاستين المَرِن)، ولهذه الشبكةِ القدرةُ على الانقباض والانبساط؛ ما يجعلُها تعمل كمُمتصٍّ للصدمات. وتصبُّ هذه الشبكة من الفراغات في الجهاز اللِّمفاويِّ، وهذا يُفسِّر لِما السرطانُ الذي يخترقها يتمكَّن من الانتشار بسرعة؛ إذ إنها تعمل كطريقٍ سريعٍ لتوصيل السوائل.

وإنَّ الخلايا التي تُبطِّن حزمَ الكولاجين لا تغطّيها بالكامل؛ فهي تُبطِّنها من ناحيةٍ واحدةٍ فقط، وهي نوعٌ جديدٌ من الخلايا الذي يُعرَف أوَّلَ مرةٍ، ويُرجَّحُ أنَّ لها دورًا في تصنيع الكولاجين وبهذا قد يكون لها دورٌ في عملية التئام الجروح وتكوين الندوب.

أمَّا هذا الجزء الآخر من الكولاجين الذي لا تُغطِّيه خلايا الخِلال؛ فيصبح فيه الكولاجين ذو الجزيئات المشحونة على الأغلب كسطحٍ فسيولوجي نشطٍ؛ أي إنَّه قد يتفاعل مع الخلايا التي تمرُّ في السائل مثل الخلايا المناعية أو غيرها.

أمَّا عن وجود السائل نفسه في تلك الفراغات فقد أوضحت الدراسةُ أنَّ له أهميةً كبيرةً في وظيفة الأعضاء وتطوُّر الأمراض؛ فمثلًا؛ قد توفّرُ هذه الفراغاتُ مكانًا مناسبًا لاستقرار السوائل في نسيج الخِلال، مُسبِّبةًَ تورُّمًا (مثلما يحصل في حالات الفشل الكلوي). وإذا ثبت أيضًا وجود اتصال بين سائل الخلال وبين تجويف الجهاز الهضمي؛ فقد يكون له دورٌ في تنظيم الإشارات الهرمونيَّة والمناعيَّة للجهاز الهضمي، وبهذا فإنَّ التفاعلات المناعية في هذا السائل قد تكون مُهمَّةً في التهابات الجهاز الهضمي؛ مثل التهاب البنكرياس المزمن.

ولُوحظ أنَّه عند حقن صبغة الوشم قد التُهمَت بواسطة إحدى خلايا المناعة المُسمَّاة "بلاعم"، في حين لم تُرَ هذه الخلية في سائل الخلال في الحالة العادية؛ ما يزيد احتماليَّةَ أن يكون للخِلال دورٌ في الالتهاب.

لم يتمكَّن العلماء -فيما سبق- من رؤية تلك الفراغات؛ لأنَّهم يعتمدون في فحص الأنسجة على طريقة التَّثبيت والتي تُعالَجُ فيها الأنسجةُ بالمواد الكيميائية، وتُقطَع إلى شرائحَ رفيعةٍ وتُصبَغ لكي يتمكنوا من رؤية مكوِّناتها. ولكنَّ هذه الطريقة تُجفِّفُ السوائلَ؛ ما يجعل تلك الفراغات تَنكمش وتبدو مصمتة، وهذا ما اعتُقِدَ طيلة عقود. ولكنَّهم استطاعوا فيما بعد رؤيةَ فراغاتٍ رفيعةٍ جدًّا تحت المجهر كان يُعتقَدُ فيما مضى أنَّها ناتجةٌ عن تمزُّق الأنسجة في أثناء التحضير.

وقد تصحِّحُ هذه النتائجُ في المجمل التركيبَ التشريحيَّ لمعظم الأنسجة، إضافةً إلى إمكانيَّة استخدام عيِّناتٍ مباشرةٍ من سائل الخِلال كأداةِ تشخيصٍ قوية.

المصادر:

1- هنا

2- هنا