الكيمياء والصيدلة > تأثير أدوية

أدويةٌ أكثرُ أمنًا

أدويةٌ أكثرُ أمنًا

تتنوَّعُ الجزيئاتُ وترتبطُ بطرائقَ متعددة لتُنتِجَ مركباتٍ كيميائيةً مختلفة، وقد تخدعنا في بعض الأحيان لِتكوِّنَ جزيئاتٍ عديمةَ التناظر المرآوي Chiral molecules1، وهي جزيئات تتكون من عدد الذرات نفسها تمامًا، ولكن يُعدُّ كلٌّ واحد منها مرآةً للآخر؛ أي إنَّها غيرُ متطابقة إذا ما وُضِعت بعضُها فوق بعض. ويُعَدُّ هذا الجانب أحد المعضلات في عالم الأدوية، فهي مركبات كيميائية يمكن أن تكون Chiral molecules. وعلى الرغم من أنَّ هذه المركَّباتِ تتشابه في خصائصها الكيميائية والفيزيائية؛ لكنَّها قد تختلف في آثارها البيولوجية؛ فقد يكون أحد الجزيئات -اليساري مثلاً- ذو تأثيرٍ علاجي، أمّا الجزيء المعاكس -الأيمن- فيَنتج عنه آثارٌ جانبية غير مرغوبة.

اكتُشِفَ تأثيرُ التناظر بعد أن سُوِّقَ الثاليدوميد  Thalidomid  في ستينيات القرن العشرين بوصفه دواءً آمنًا للحوامل لتخفيفِ دوار الصباح، وتبيَّنَ فيما بعد أنَّه يسبب تشوُّهاتٍ خلقية للمواليد.

والثاليدوميد هو مُركَّب عديم التناظر المرآوي، ويَنتجُ عن المُركَّب اليمينيِّ التناظر التأثيرُ العلاجي المطلوب ؛ أي تخفيف الدوار الصباحي، أمَّا المُركَّب اليساريُّ التناظر فهو من تسبَّبَ بالتشوهات الخِلْقِيَّةَ في المواليد.

وتوصي منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA بفصلِ جميع الأدويةِ العديمةِ التناظر؛ لأهميَّةِ هذه العملية فيما يتعلق بسلامة الأدوية، لكنَّه لم يُفصَل منها إلَّا 13% فقط. وأشهر الأدوية التي فُصِلت وبيعت على هيئةِ جزيئات مُنفصِلةٍ: ريتالين Ritalin2، والسيبراميل Cipramil3.

وبعد عقدٍ من الأبحاث المتواصلة؛ اكتشفَ باحثان طريقةً عامةً؛ سهلةً وغيرَ مكلفة؛ تُمكِّننا من فصل المُركَّبات عديمة التناظر إلى مُركَّباتٍ يسارية ويمينية، وتعتمد طريقتهما هذه على المغناطيس؛ إذ تتفاعلُ الجزيئاتُ العديمةُ التناظر مع ركيزة المغناطيس magnetic substrate وتصطفُّ بحسب اتجاه أحد قطبَي المغناطيس؛ أي تتفاعل الجزيئات اليسارية تفاعلًا أفضلَ مع أحد أقطاب المغناطيس، في حين تتفاعلُ اليمينية مع القطب الآخر. وستسمح هذه التقنية لمُصنِّعي الكيماويات بالحفاظ على الجزيئات (الجيدة) واستبعاد الجزيئات (السيئة) التي تُسبِّبُ آثارًا جانبية ضارة أو غير مرغوب فيها، وفضلًا عن ذلك؛ تُعَدُّ كيمياءُ الجزيئاتِ العديمةِ التناظر ذاتَ أهميَّةٍ في مجال الكيمائيات الزراعية؛ إذ إنَّ المبيدات الحشرية والأسمدة النقية -أي المفصولة إلى جزيئات عديمة التناظر- يمكن استخدامها بجرعات أقل، وقد تُسبِّبُ تلوُّثًا بيئيًّا أقلَّ من تلك غيرِ المفصولة.

وتُعدُّ تقنية الفصل الجديدة والبسيطة هذه فعَّالةً من حيث التكلفة، وتُمكِّننا من تصنيع مُنتَجات طبية وزراعية أكثر أمنًا. 

الهوامش:

1: Chiral molecules أو الجزيئيات الكيرالية: جاءت كلمة Chiral من كلمةٍ يونانيةٍ تعني اليد، فهي الأنسبُ لشرح مفهوم الجزيئات الكيرالية (عديمة التطابق المرآوي). فلو حاولنا أن نطابق إحداهما على الأخرى سنجد أنهما غير متطابقتَين، لكنْ كلٌّ منهما هي صورةُ الأخرى في المرآة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المركبات الكيميائية الكيرالية، فهي صورةُ الأخرى في المرآة، لكن إذا حاولنا مطابقتهما سنجد أنهما غير متطابقتَين.

2: يحتوي على الميتيل فينيدات، وهو منبِّهٌ للجهاز العصبي المركزي، ويُوصَف في اضطرابات نقص الانتباه وفرط النشاط.

3: ويحتوي على السيتالوبرام من مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية، ويستخدم لعلاج الاكتئاب.

 المصادر:

هنا