الفيزياء والفلك > فيزياء

احتماليّةُ أن تكونَ أدمِغتُنا حواسيبَ كوانتيّة

مع التّقدُّمِ في مجالِ الحَوسَبَةِ الكموميّة لا يسعُنا إلّا أن نسألَ: هل يمكنُنَا التّأثيرُ في أدمغتِنا أيضاً كموميّاً؟

هذا هو السّؤالُ الذي عملَ على إجابتِهِ عالمُ الفيزياءِ النّظريّةِ (ماثيو فيشر) مِن جامعةِ (سانتا باربرا) خلالَ السّنواتِ الماضيةِ بصفتِه المديرُ العلميُّ لمشروعِ )QuBrain( أو (الدّماغُ الكُموميُّ)، فمُهِمّتُه أن يضعَ اختباراتٍ تجريبيّةٍ حاسمةٍ للتّحقّقِ من هذه الفكرة.

يقول ماثيو: (ربّما نحن عبارةٌ عن كمبيوتراتٍ كُموميّةٍ، ولسنا مُجرّدَ روبوتاتٍ ذكيّةٍ تُصمّمُ وتبني الكمبيوترات الكُموميّة).

مازالَتْ بعضُ الوظائفِ التّي يؤدّيها الدّماغُ تُحيّرُ عُلماءَ الأعصابِ، مثل عمليةِ تخزينِ الذّكرياتِ طّويلةِ الأمد. رُبما تستطيعُ ميكانيكُ الكمّ- وهي فرعٌ من الفيزياءِ يدرُسُ الظّواهرَ الطّبيعةَ على المستوى الذّرّي، ودون الذّرّي-إعطاءَ بعضِ التّفسيراتِ، وهذا سيكونُ لهُ تأثيرٌ كبيرٌ في العديدِ من المجالاتِ، بدءًا من الحوسبةِ الكُموميّةِ، والعلمِ، والموادّ، والبيولوجيا، والصّحةِ النّفسيّةِ، وحتّى طبيعتنا الإنسانيّة.

إنّ فكرةَ الحَوسبةِ الكُموميّةِ باستخدامِ أدمغتِنا ليسَت جديدةً، في الواقع تُتداولُ منذُ وقتٍ طويلٍ بين العُلماءِ، ولكنّ العالِمَ (فيشر)-ذو الخبرة العالميّة في مجال ميكانيك الكم-حدَّدَ المكوّناتِ البيولوجيّةِ، والمفاتيحَ التّقنيّةِ التّي تُشكِّلُ أُسُسَ الحَوسبةِ الكُموميّةِ في الدّماغ.

بمنحة قدرُها 1.2 مليون دولار خلال ثلاث سنوات، سيؤسّسُ ماثيو منظّمةَ )QuBrain( المكوّنةَ من فريقٍ دَوْليٍّ من العُلماءِ الرّائدِينَ في مجالِ ميكانيكِ الكمّ، والكيمياءِ البيولوجيّةِ، وكيمياءِ المركباتِ، وعِلْمِ الموادّ، وعِلمِ الأعصابِ.

سيكونُ هدفُ المشروعِ وضعَ دليلٍ تجريبيٍّ لمَعرِفةِ إذا ما كُنّا حواسيبَ كُموميّة أم لا! وبفضلِ هذا المشروعِ الطَّمُوحِ أصبحَ لدينا فريقٌ عالميٌّ من المُختصّينَ للبَحثِ في إمكانيّةِ وجودِ عمليّاتٍ حسابيّةٍ كُموميّةٍ داخلَ أدمغتِنا.

قد يؤدّي بحثُهُم إلى اكتشافاتٍ جديدةٍ في كيفيّةِ عملِ الدّماغِ، ما سيُحَسِّنُ أساليبَ العلاجِ النّفسيِّ. ومن المُتوقَّعِ أن نحصلَ على النّتائجِ الجديدةِ خلال أعوامٍ من الآن. وإذا أُكِّدَ وجودُ العلميّاتِ الحسابيّةِ الكُموميّةِ في أدمغتِنا، فهذا سوف يُحدِثُ ثورةً في فَهمِنَا ومعالَجَتِنَا لوظائفِ الدّماغِ والمعرفةِ الإنسانيّة.

وحداتُ الذّاكرةِ البيو كيميائيّة (الكيوبت البيوكيميائيّ)

تعتمدُ الحواسيبُ الكُموميّةُ على سُلوكِ الذّرّاتِ والشّواردِ مُتناهيةِ الصّغرِ التي تُشكّلُ وحداتٍ متناهيةِ الصِّغرِ تُسمّى الـ(كيوبت). عند رَبطِ عِدةِ (كيوبت) مع بعضِها اعتمادًا على خاصيّةِ التشابكِ الكموميّ، فإنّها تُشكّلُ شبكاتٍ تَستطيعُ تَشفيرَ، وتخزينَ، وإرسالَ المعلوماتِ،  كمثل الـ(بِت) المُستخدمِ في الحواسيبِ العاديّة.

في الحواسيبِ الكُموميّةِ التّي نُحاولُ أن نبنيَها اليومَ يمكنُ توليدُ وحفظُ هذه التّأثيراتِ في بيئاتٍ خاصّةٍ فائقةِ البُرُودةِ، و شديدةِ الإحكام. لكن لا يمكنُ لأدمغتِنا الدّافئةِ والرّطْبةِ أن تكونَ بيئةً مُناسبةً لمثلِ هذه التّأثيراتِ الكُموميّةِ؛ لأنّ هذه التّأثيراتِ سوفَ تَتبدّدُ بسهولةٍ بسببِ الحَرَكةِ الحراريّةِ للجُزيئاتِ الموجودَةِ في الدّماغِ.

على كُلّ حالٍ، يرى (فيشر) أنّ ذرّاتِ الفوسفور-وهي من أكثرِ الذّرّاتِ وفرةً في جَسَدِنا-تمتَلِكُ الخصائصَ الكُموميّةِ المُناسبةِ لتشكيلِ الكيوبتاتِ البيوكميائيّةِ؛ لذلك فإنّ مُهمّةَ المُنظّمةِ الرّئيسيّةِ هي دراسةُ الخصائصِ الكُموميّةِ لذرّاتِ الفوسفور، وبخاصّةٍ التّشابُك الكُموميّ بين نُواتَي فوسفورٍ عندما ترتَبِطانِ ببعضِهِما ضمنَ مُرَكّبٍ كيميائيٍّ خلالَ العلميّاتِ البيو كيميائيّة.

في هذه الأثناءِ سيدرُسَ العالِمانِ (هيلغسون) و(جيرشو) الخصائصَ الدّيناميكيّة لدَورَانِ )Spin( جُزيئاتِ مادّةِ "بوسنر"، وهي عبارةٌ عن تجمُّعَاتٍ كُرويّةٍ نانونيّةٍ لمَرَكّبِ فوسفاتِ الكالسّيوم، وهي قادرةٌ على حمايةِ نُوى الفوسفورِ التي تُشكّلُ الكيوبت، ممّا يُعزِّزُ تخزينَ  المعلوماتِ الكُموميّة.

الأعصابُ المتشابكةُ:

في مجموعةٍ أُخرى من التّجارِبِ، يحاولُ العالِمُ (توبياس فورم) من جامعةِ ميونخ دراسةََ إمكانيّةِ الاستفادةِ مِن (المايتوكوندريا)-أحدَ مكوّناتِ الخليّةِ الحيّةِ-في تشكيلِ التّشابُكِ الكُموميّ اللّازمِ لصناعةِ الكيوبت؛ لمعرفةِ ما إذا كانت المايتوكوندريا-التّي تؤدّي مُختلَفَ وظائفِ الخليّةِ الحيّةِ (كاستقلابِ الطّاقةِ وغيرِها)-قادرةً على نقلِ مركباتِ (بوسنر) بينَ الأعصابِ من خلالِ شبكاتِها الأنبوبيّةِ، كما أنَّ عمليّاتِ انقسامِ واندماجِ المايتوكوندريا يمكنُ أن تُساهِمَ في تحقيقِ التّشابُكاتِ الكُموميّةِ داخلَ الخليّة. سيحاولُ العالمُ (فورم) مُحاكاةَ هذهِ الأفكارِ في المُختبر.

 

استلهمَ العالمُ (فيشر) إمكانيّةَ استخدامِ نُوى ذرّاتِ الفوسفورِ من دراسةٍ أجراها العُلماءُ في ثمانينيّات القرنِ الماضي؛ إذ دَرَسَ العُلماءُ تأثيرَ نظائرَ اللّيثيوم على سلوكيّاتِ الفئران. وعندَ حَقنِ الأمِّ بنظائرَ مختلفةٍ من اللّيثيوم ظَهَرَ على أبنائها أنواعٌ مختلفةٌ من السّلوكيّاتِ تبعاً لنظيرِ اللّيثيوم الذّي حُقنَت به الأمّ.

قد يبدو هذا غيرَ مهمٍّ بالنّسبةِ لعامّةِ النّاسِ، ولكن بالنّسبةِ لعالمِ فيزياءَ كُموميّةٍ مثل (فيشر)؛ فهذا يُحدِثُ كلّ الفَرقِ، وسيترأّسُ العالِمُ (أيرون إيتنبرغ) المتخصّصُ بعلمِ النّفسِ والدّماغِ من جامعة UCSB فريقاً لإعادةِ وتوسيعِ تلكَ التّجارِبِ على نظائرِ اللّيثيوم.

يقولُ العالمُ (فورم): (سوفَ نحكُمُ على فرضيّاتِ العالِم ماثيو فيشر من خلالِ التّجارِبِ التّي سوفَ تؤدّيها منظمةُ QuBrain. سوفِ ندرسُ الوظائفَ العصبيّةَ بأحدَثِ التّقنياتِ من زوايا مختلفة، مع إمكانياتٍ كبيرةٍ للاكتشاف).

ربّما ستُحقّقُ منظمةَ QuBrain انجازاتٍ كبيرةٍ في مجالاتِ الموادِّ الحيويّةِ، والمُحفّزاتِ العُضويّةِ، ودَورِ التّشابكاتِ الكُموميّةِ-الكيميائيّةِ، والاضطراباتِ النّفسيّةِ عند البشر، وذلك بغضِّ النّظرِ إذا ما كانت فعلاً الحساباتُ الكُموميّةُ تحصلُ في أدمغتِنا.

مصادر:

هنا

هنا