كتاب > روايات ومقالات

إفريقيا؛ القهر الأكثر سوادًا.

تنسى البشريّة -أو ربّما تتناسى- ما يحدث في القارة السمراء من حروبٍ وإجرامٍ وقهرٍ.

يرسلُ "جوزيه كوتستيلو" صعقةً كهربائيّةً إلى العالَم أجْمَع عمّا يحدثُ في الجنوبِ المنسيّ في روايته التي تلمسُ القلبَ من الدّاخل: "لا تَقولي إنك خائفة".

الصومال، وما أدراك ما الصومال! وما أدراك ما طيبة شعبها وضحكاتُهم وأسنانُهم البيضاءُ ووجوههم السّمراء الجميلة وعاداتُهم وأغانِيهم وألوانُهم الزّاهيةُ التي ما فتئتِ الاحتلالاتُ والحروبُ تمزِّقُها حتى جاءت جماعةُ الشّباب التابعةُ للقاعدةِ لتضربَ الصّومال الضربةَ القاضيةَ التي قسمتْ ظهرَها، ولا أحد يعلمُ إن كانت ستعاودُ النهوض بعد ذلك.

يرسمُ الكاتبُ الإيطاليُّ بلوحتِه معالمَ البطلةِ الصّوماليّة الجميلةِ "سامية" ويشرحُ بطريقةٍ رائعةٍ طرقَ العيشِ والعاداتِ الصّومالية ومحبتهم لبعض وكيف تعيش عائلتان من عرقِين مختلفِين تحتَ سقفٍ واحدٍ ويتقاسمَون الماءَ والشّراب، ويبدأُ نجمُ سامية بالسّطوع من خلال سرعتها بالجري وربحِها لبطولةِ المدينةِ تحتَ أنظارِ الجميع وتصفيقِهم؛ خصوصاً "عليّ" الذي يسكن معها البيتَ نفسَه ويصبحُ مدرّبَها، وتبدأُ رحلتها نحوَ العالميّة ونحو الأولمبياد.

"هودان"، أخت "سامية" ذاتُ الصوتُ السّاحرِ، ونجمةِ السّهرات والأمسيات التي لوّنتْ لياليهم القاحلةَ بأحلى الألوان والكل يستمعُ إليها لكي يخفف وطأة الحرب ومنع التجول.

تتقاذفُ الأيام بطلتنا الجميلة "سامية"، وتقرّرُ -كما الكثيرون- الهربَ من الصومالِ عن طريقِ مهرّبِي البشرِ وهنا تبدأُ الحكايةُ وتبدأُ الغصة!

إن كنتَ تظنُّ أنّ التّهريبَ عبرَ تركيا واليونان أمرٌ سهلٌ فعليكَ مراجعةُ قصّة "سامية" ومعاناتِها مع المهرّبينَ والإجرامِ، والسرقةِ، والقتلِ، والاستغلالِ، وأيامٍ لا تُحصى في الصحراء القاحلة على بُعْدِ خطواتٍ من الموتِ عطشاً أو احتراقاً بنيرانِ الشرطةِ، أو السجن الذي يعني اغتصابَك أو سّرقتك أو بأحسنِ الحالاتِ رميكَ مجدداً في الصحراءِ إن لم تكنْ تملكُ المال.

يبكيكَ ويضحككَ مرّاتٍ لا عدّ لها هذا الكتابُ الشّيّق والقيّم، يترُكُكَ مع عدّةِ تساؤلاتٍ أهمُّها هل يوجدُ نظامٌ ما؟ أم عبثيّةٌ محضَةٌ؟

أيُّ نظامٍ قادرٌ على خلقِ هكذا كم من السّواد؟ ما ذنبُ تلك الشّعوبِ السّمراء الجميلةِ كي تعاني وتتحملَ ما يعجزُ عنه الوصف؟؟

كل هذا نراه في رائعةِ كوتستيلا التي تصِفُ قصّةً حقيقيّةً لأشخاص جميلين محبين للحياة، لم يرضَوا بالقبرِ مكاناً لهم تحتَ الشّمسِ فوضعوا العدَّةَ وانطلقوا!!!

أيما انطلاقة!

وأيما رحلة!

معلومات الكتاب:

تأليف: جوزيه كاتوتسيلا.

ترجمة: معاوية عبد المجيد.

دار النّشر: مكتبة بغداد.

عدد الصفحات: ٢٦١