علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

لماذا يعتقد البعض أنهم أفضل من الآخرين؟

يُقيِّم غالبيَّة الأفرادِ أنفسهم على أنهم أفضلَ من الآخرين في سياق شكل -غير نادر- من أشكال انحرافات التفكيرِ، والذي يُعرَف باسم "وهمِ التفوّقِ Superiority illusion"،ومن الأمثلة الأهمّ على هذا الوهم ما يعرف بـ Dunning Kruger effect؛ وهو ميلُ الأفرادِ لتقدير أيَّة مِيزةٍ فيهم على نحوٍ أكبرَ من حجمها الطبيعي؛ ممَّا يدفعهم للتباهي بخبرات وإمكانيّات لا يمتلكونها فعلًا.

وفي سياق أربعِ دراسات أُجريت من قبلِ الباحثَين Kruger و Dunning على عيّنة من الناس؛ تَبيَّن أنَّ المجموعة المصنَّفة ضمن الرُّبع الأضعف في اختبارات الظرافة (humor) والنحو والمنطق التي اشتملها البحث؛ أبدَوا تقييمًا أعلى - على نحوٍ مذهل- لأنفسهم من مستواهم الحقيقي؛ فعلى الرَّغم من أنَّ نتائج اختباراتهم صنَّفتهم ضمن 12% أقل خبرة؛ لكنَّ هؤلاء الأشخاص توقَّعوا أن يكونوا أفضل من 61% من أقرانهم (أفراد العينة المدروسة).

واقترح الباحثان أنَّ سبب هذه النتائج يمكن أن يعودَ جزئيًا إلى أنَّ هؤلاء الأشخاص ليسوا جاهلين بالمجالات التي اختُبِروا فيها فحسب؛ بل امتدَّ عجزهم ليجهلوا جهلهم بها!

وفي محاولة العلماء إيجادَ تفسيرٍ (فيزيولوجي / عصبي) لهذه الظاهرة؛ أُجرِيت دراسات عديدة استَخدمت المرنان المغناطيسي الوظيفيّ لدماغ أناسٍ طبيعيين تمامًا، وكشفت هذه الدراسات وجود مناطق دماغية محدَّدة مسؤولة عن التّقييم الإيجابي للذات؛ مُتوضِّعة في: الباحات القشرية المتوسطة للفص الدماغي الجبهي والباحات المحرِّكة الإضافية والقشرة الحزمية الأمامية.

وعلاوةً على ذلك؛ اكتُشفَت مِنطقتان إضافيتان مسؤولتان عن التقدير السلبي للذات تعملُ على ضبط عمل الباحات السَّابقة، وهما: الجزء الظهريَّ من القشر الحِزميِّ الأماميِّ والقشر الحجاجيِّ الجبهيِّ، وبمعنى أبسط؛ هناك مناطق دماغية محددة مسؤولة عن ظهور وَهْمِ التفوّق، ومناطق أخرى مسؤولة عن ضبط وتحديد فعالية هذه المناطق، وقد عدَّ العلماء  - بناءً على التَّوازن بين عمل كلا الباحَتين الإيجابية والسلبية عند الأفراد الطبيعيين - أنَّ ظاهرة "الوهم" هذه ما هي إلا  جزءٌ من قدرة الإنسان على التفاؤل بالمستقبل وبلورة مشاركته في عمليَّة التطور الإنسانيّ  في مختلف المجالات.

ومن المثير للاهتمام في هذا السياق؛ أنَّ فرط فعاليَّة الباحات الكابحة لباحات وهم التفوّق (باحات التقدير السلبيّ) تُبدي فعاليّة زائدة (مُسيطِرة) بوضوحٍ لدى مرضى الاكتئاب في أثناء اختبارهم مشاعر سلبية.

ولكنَّ سببَ وهم التفوّق ليس عصبيًّا وحسب، ولا يتوقف على عمل الباحات الدماغية المذكورة كلّيًّا؛ بل إنَّه بكميّة العلوم الذي يعتقد الفرد أنَّه يمتلكه لدى استخدامه مخزونات معرفيَّة خارجيَّة؛ ففي دراسةٍ نُشِرت من الجمعيةِ الأمريكيَّة لعلم النفس وبوصفه ملخَّصًا لسلسلةٍ من التجارِب على مجموعاتٍ متنوعة من الناس لمعرفة مدى تأثير استخدام الإنترنت على تقدير الأفراد لمستواهم المعرفي؛ تبيّن أن الأشخاص الذين استخدموا الإنترنت للإجابة عن الأسئلة المطلوبة منهم؛ أبدوا تقديرًا أعلى لأنفسهم لمجرد استخدامهم الإنترنت -وحتَّى عندما لم يجدوا ما كانوا يبحثون عنه-  مقارنةً مع المجموعة التي لم تستخدم الإنترنت والتي بدت أكثر موضوعيةً في التقييم.

وعلى الرَّغم من أنَّ تقديرَ الذات والإعجاب بها يبدو إيجابيًا للوهلة الأولى ودليلًا على ثقة الإنسان بنفسه؛ لكنَّه من المفيد جدًّا في المواقف التي تتطلبُ اتخاذ قرارات مُهمَّة أن يعيَ الإنسان حجمه الحقيقي ليتجنب الوقوعَ في أخطاء فادحة في العمل والدراسة والحياة الاجتماعية ومجالات الحياة كافةً؛ فالإنسان الذي لا يُمكنه رؤية نقصه لن يتمكن من تطوير نفسه أبدًا، ولن يصل لأيِّ اكتشاف جديد  إطلاقًا.

المصادر:

1-هنا

2-هنا

3-هنا

4-هنا