الكيمياء والصيدلة > تأثير أدوية

الجرعة المفرطة من فيتامين B12 .. مستحيلة!

تتكوّن لدى العديد من الناس الذين يتناولون المتمماتِ الغذائيةَ التي تحتوي على فيتامين B12 مخاوفُ بشأن تناول الجرعات العالية من هذا الفيتامين؛ إذ يعتقد البعضُ أنَّه قد يتداخل مع استقلاب الجسم للعديدِ من الفيتامينات الأخرى، أو أنّه يسبِّبُ تأثيراتٍ جانبيةً غير مرغوبة في حال تناول جرعات مُفرِطة منه. لكن؛ هل يمكن التعرُّضُ حقًّا لجرعة مُفرِطة من فيتامين B12؟

لحسن الحظ لا؛ إذ يُعدُّ الوصولُ إلى الجرعة المفرطة من فيتامين B12 مستحيل الحدوث غالبًا، فالجسمُ -ببساطةٍ- يطرح الكمية الزائدة منه مباشرة، ولكن؛ في جميع الأحوال؛ من المهم الانتباه إلى الجرعة المُتناوَلة منه، فالكمية الزائدة تُطرَح عن طريق الكُلى، وهذا يمثل عبئًا عليها، ولو أنَّه عبءٌ صغيرٌ ويمكنُ السيطرةُ عليه.

عمومًا؛ يوصى بتغطية متطلبات الجسم اليومية بتناولِ جرعاتٍ صغيرةٍ من فيتامين B12 يوميًّا، وحتى لأولئك لأشخاص الذين يعانون من سوء الامتصاص؛ تكون جرعة 500 ميكروغرام كافية لتغطية الكمية الغذائية المُوصَى بها، أمَّا الجرعاتُ الأعلى فهي ضروريةٌ فحسب في الحالات العلاجية من عَوَزِ فيتامين B12.

هل نتناول حقًّا كميّةً كافيةً من فيتامين B12 في الحالة الطبيعية؟

تُقدَّرُ الحاجةُ اليومية من فيتامين B12 عادةً بـ 3 ميكروغرام للبالغين، لكنَّ الغذاءَ اليومي قد يزوّدنا بكميةٍ أكبر في بعض الأحيان؛ ففي كلّ 100 غ من كبد العجل مثلًا هناك 60 ميكروغرام من فيتامين B12؛ أي 2000% من الحاجة اليومية، ثمَّ إنَّ العديدَ من المُتمِّمات الغذائية قد تصل جرعةُ فيتامين B12 فيها إلى 5000 ملغ في كلّ جرعة؛ أي ما يعادل 160000% من الحاجة اليومية.

كنظرةٍ أوَّلية؛ قد تبدو هذه المقادير ضخمةً، لكنَّها في الواقع مقاديرُ خادِعةٌ وغيرُ حقيقية؛ فهذه الكمية المُتناوَلة ضمن الغذاء اليومي والمكملات الغذائية لا تتطابق تمامًا مع الكمية المُمتَصَّة في الجسم، إذ يمتصُّ الجسم كميةً صغيرةً فحسب من فيتامين B12 الموجودِ في الغذاء أو الدواء، ونتيجةً لذلك؛ تكون الجرعات الإضافية من فيتامين B12 ضروريةً، وخاصَّةً للمصابين بسوء الامتصاص، للتأكد من حصول أجسامهم على الكمية المطلوبة من فيتامين B12.

الجرعة المفرطة من فيتامين B12؛ الأعراض والتأثيرات الجانبية:

 

أُعدَّت العديدُ من الدراسات عن فيتامين B12 في العقود الماضية، ومع ذلك لم تُحدَّدْ أعراضٌ معيَّنةٌ للجرعات المفرطة من فيتامين B12، ونتيجةً لذلك؛ لا توجد جرعةٌ قصوى مُحدَّدةٌ لفيتامين B12، ومن ثَمَّ يمكن القولَ أنَّه من الآمن تناولُ فيتامين B12 حتَّى بالجرعات العالية منه دون الخوف من ظهور تأثيرات سلبية لذلك.

 

ويمكن أن يُعطَى فيتامين B12 بعدَّة أشكال، لكنَّ الشكلَ الوحيد الذي قد يسبب خطورةً صغيرةً هو السيانوكوبالامين cyanocobalamin، فهو يُحرِّرُ كمية صغيرة من السيانيد في الجسم والتي قد يتحسس بعض الأشخاص منها.

ويُمكِنُ للحُقَن العضلية؛ ذاتِ الجُرعات العالية من فيتامين B12؛ أن تُحرِّضَ ردودَ فعلٍ تحسسيةً صغيرةً في الجسم في بعض الحالات الفردية كالطَّفح الجلدي ونوعٍ خاصّ من العدّ الجلدي (حب الشباب acne)، وقد أُبلِغَ عن حالات دوران وغثيان أيضًا؛ إضافةً إلى حدوث هبَّاتٍ ساخنةٍ في الجسم Hot flushes. لكن؛ غالباً ما تكون هذه الأعراضُ ناتجةً عن مواد أخرى مُضافَةٍ إلى المستحضرات الحاوية على فيتامين B12؛ كالمواد الحافظة مثلاً؛ وليس الفيتامين B12 بحد ذاته.

 

فيتامين B12 والعَدّ الجلدي:

يمكن أن تُؤدّي الحُقَن العاليةُ الجرعة من فيتامين B12 لبعض المرضى إلى ظهورِ العد الجلدي، لكنَّ السببَ الحقيقيَّ لذلك غيرُ معروف لسوء الحظ، ثمَّ إنَّ هذا العدَّ الجلديَّ يختفي عند التوقف عن تناول الفيتامين.

وحتى الآن؛ لم يُحدَّد أيٌّ من أشكالِ فيتامين B12 يُمكِنُ أن تُسبِّبَ هذا العد الجلدي، ولا بأيَّةِ جرعةٍ قد يظهر ذلك، مع العلم أنَّه قد شوهِدت حالاتٌ منه عند جرعاتٍ صغيرة من الفيتامين كانت بحدود 20 ميكروغرام، ولكنَّ ذلك -حقيقةً- يختلفُ من شخص إلى آخر، فضلًا عن أنَّ هذا العد الجلدي ليس مؤشرًا على الجرعة المفرطة من فيتامين B12، وأغلبُ الظنّ أن يكون ناتجًا عن الحساسية للكوبالت؛ وهو الذرة المركزية في فيتامين B12، وهو أصل تسميتِه بالكوبالامين.

 

فيتامين B12 والحمل:

 

تبعًا للدراسات العلمية الحالية؛ ليس على الحوامل القلقُ أبدًا من الجرعة المفرطة من فيتامين B12، فالكمية الزائدة منه تُطرَحُ عن طريق البول؛ ممَّا يعني أنَّها لا تنتقل إلى مجرى الدم، ومن ثَمَّ فهي لا تصل إلى الجنين.

وعلى النقيض من ذلك؛ يجب على النساء الحوامل أو النساء في سن الإنجاب عمومًا تناولُ كمية كافية من فيتامين B12 وحمض الفوليك، فعَوَزُ أحدهما قد يشكّل خطرًا على الجنين.

ويجب على الحوامل والمرضعات أيضاً زيادةُ الكمية المُتناوَلةِ من فيتامين B12 يوميًّا لتصلَ إلى

4-6 ميكروغرام تقريبًا، ولا يُنصَح أن تزيد الكمية عن 500 ميكروغرام يوميًّا.

 

كيف يستقلب فيتامين B12 في الجسم؟

 

إنَّ الجرعاتِ المُعتمَدةَ فمويًّا من فيتامين B12 عند الإصابة بعوز فيتامين B12 هي 500 – 2000 ميكروغرام يوميًّا، ونجد أنَّ جرعة 500 ميكروغرام في اليوم تُحسِّنُ على نحو ملحوظ من حالة  المرضى الذين يعانون عوزًا حادًّا للفيتامين.

ومن السهل علينا استيعاب ذلك بعد تكوين فكرةٍ عن استقلاب فيتامين B12:

يُمتَصُّ فيتامينُ B12 بمساعدةِ جزيء خاص يُدعى العاملَ الداخليَّ (the intrinsic factor - IF)،

وتصل أعلى كميةٍ يُمكنُ للجسم امتصاصها بواسطة هذا الجزيء إلى قرابةِ 1.5 ميكروغرام من كلّ جرعة، ثمَّ إنَّ 1% من الجرعة المُتناوَلة يمكنُ أن تُمتَصَّ أيضًا عبرَ الانتشار المنفعل passive diffusion إلى مجرى الدم مباشرة.

وبذلك؛ يُمتَصُّ من الجرعة الحاوية على 500 ميكروغرام -مثلًا- 1.5 ميكروغرام بواسطة العامل الداخلي و5 ميكروغرام بواسطة الانتشار المنفعل فقط، وهذا بعيدٌ جدًّا عن الجرعة المُتناوَلة (أي 500 ميكروغرام)، والتي قد يُخيَّلُ لنا أنَّها جرعة مفرطة!

ونتيجةً لذلك أيضًا؛ يجب الحذر من تناول جرعات قليلة من فيتامين B12، لأنَّها قد تزوِّدنا بكميةٍ أقلَّ من حاجتنا اليومية نتيجةً للكمية المُمتصَّة منها؛ خاصَّةً للأشخاص المصابين باضطرابات في الامتصاص، والذين يقتصرُ امتصاصُ فيتامين B12 لديهم على الكمية المُمتَصَّة بواسطة الانتشار المنفعل فقط.

الجرعة المفرطة من فیتامین ب للتخلُّص من السموم:

هناك حالاتٌ أُخرى تكون فيها الجرعات المفرطة من فيتامين B12 ضروريةً للعلاج الناجح؛ إذ تُوصَفُ جرعاتٌ عاليةٌ جدًّا من هيدروكسي كوبالامين عندَ علاج التسمم بالسيانيد، لأنَّ الفيتامين يرتبط بالسيانيد ويخلص الجسم منه، هذا وقد اختُبِرت الجرعاتُ المرتفعة من ميتيل كوبالامين أيضًا لدى كلٍّ من الجرذان والبشر وأُثبِتت فعاليّته في إعادة تجديد الأعصاب.

 

الجرعة المفرطة من فيتامين B12 عبر التناول الفموي:

طيلة سنين عديدة كانت وجهةُ نظرِ المعالجين أن تُحقَنَ جرعات فيتامين B12 عضليًّا للحصول على التأثير المطلوب، لكنَّ معظمَ الباحثين وجدوا أنَّ الجرعات الفموية المرتفعة من فيتامين B12 فعالةٌ أيضًا في العلاج كتلك المحقونة شهريًّا.

وإذا لم يكن هناكَ اضطرابٌ في الامتصاص؛ يوصى بـ 150 – 250 ميكروغرام يوميًّا من فيتامين B12، أمّا في حالاتِ سوء الامتصاص فيجب أن يُتناوَلَ 500 ميكروغرام يوميًّا لضمانِ وصول الكمية الكافية لتغطية العَوَز.

ولمّا كانتِ الجرعة المفرطة من فيتامين B12 مستحيلة الحدوث -كما أشرنا آنِفاً- فإنَّ المُنتجِين حاليًّا يميلون إلى جعل منتجاتهم حاويةً على جرعات مرتفعة من فيتامين B12 بصرفِ النظر عن طبيعة الأشخاص الذين يتناولونها؛ أصحاءَ كانوا أم مصابين؛ دون الخوفِ من أيّةِ خطورةٍ أو تأثيراتٍ غيرِ مرغوبة.

 

أخيرًا.. ماذا عن الجرعة المفرطة من مركبات الـ B Complex؟

 

تشير الـ B Complex إلى المنتجاتِ الحاوية على مجموعة فيتامينات B كاملةً؛ وهي 8 فيتامينات (B1، B2، B3، B5، B6، B7، B9، B12).

من المفيد عند تناولِ المكملات الحاوية على الـ B Complex توخّي الحذر من فيتامين B5 وB6؛ فالجرعة المفرطة من فيتامين B5 قد تُسبِّبُ توسُّعًا في الأوعية الدموية وحكَّةً وغثيانًا وصداعًا وحساسيةً أيضاً، وفي حالِ وصول الجرعة إلى عدة غرامات؛ فقد يؤدي ذلك إلى تلفٍ دائمٍ للكبد والتهابٍ في بطانة المعدة. أمَّا فيتامين B6 فهو غيرُ ضار في الجرعات العادية، لكنَّ الجرعاتِ الأعلى من 2 غرام قد تسبب خللًا عصبيًّا أو حركيًّا.

ملخَّص المقال:

·  تناولُ جرعةٍ مفرطةٍ من فيتامين B12 غيرُ ممكن الحدوث أو مستحيل.

·  العرَضُ الجانبي الوحيد المعروف هو نوعٌ من العدِّ الجلدي، لكنَّه نادرٌ جدًّا.

·  عند علاج عوز فيتامين B12 تكونُ الجرعاتُ العاليةُ أكثرَ فائدة؛ لأنَّ الجسم يمتص كمياتٍ قليلةً منها فقط.

·  الجرعات بين 500 و2000 ميكروغرام في اليوم هي الجرعاتُ المُستخدَمة عادةً لعلاجِ عوَز فيتامين B12.

·  المكملات التي تُعطَى فمويًّا تماثل في فعاليتها المكملات المُعطاة عن طريق الحُقَن.

المصادر:

هنا