الكيمياء والصيدلة > الآثار الجانبية

الباراسيتامول يعيقُ الدماغَ في تحديد الأخطاء

أظهرتِ التجربةُ أنَّ مُسكِّنَ الآلامِ الشائعَ الاستخدام (الباراسيتامول) يَحُدُّ من قُدرةِ الدِّماغ على التعرُّف على الأخطاء، فتبعًا للأبحاث تبيَّنَ أنَّ هذا الدواء -الذي يُصرَف عادةً دون وصفة طبيّة، والمعروف عالميًّا باسم (أسيت أمينوفين)- يُصعِّب مهمّة التعرُّفِ على الأخطاء في الدماغ.

وقد أجرَت مجموعةٌ من العلماء بقيادةِ دانييل راندلز -باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة تورنتو- دراسةً عصبيّةً لدراسةِ تأثير الباراسيتامول على ردِّ فعل الدماغ المصاحِب لارتكاب الأخطاء، وسجّلَ الباحثون اكتشافَهم في حزيران 2016 ضمن مجلة Social Cognitive and Affective Neuroscience؛ إذ كانوا قد قسموا 62 مريضًا إلى مجموعتَين اثنتَين؛ فأُعطيَت المجموعةُ الأولى مقدارَ 1000 ملغ من الباراسيتامول؛ أي ما يعادل الجرعةَ القصوى المسموح بها منَ الدواء، في حين أُعطيت المجموعة الثانية دواءً وهميًّا (بلاسيبو-placebo) لا يحوي الباراسيتامول، ثمَّ طُلِبَ من المجموعتَين اختبارٌ يُدعَى Go or Not go والذي يتطلَّبُ منهم الضغط على زرٍّ في كلِّ مرَّةٍ يظهر فيها حرف F على الشاشةِ، وعدمَ الضغط في حال ظهر الحرف E.

وقد وُصِلَ كلُّ مريضٍ مُشارِكٍ في الاختبار إلى جهازِ تخطيط الدماغ (EEG)؛ الذي يقيس نشاط الدماغ في أثناء أدائِهم المهمَّة. وخلال خضوعهم للاختبارِ راقبَ الباحثون نوعًا معيّنًا من الموجات تُعرف باسم (errors related negativity - ERN)؛ أي (السلبية المتعلِّقة بالأخطاء)، وراقبوا موجاتٍ أُخرى تُعرَفُ باسم (error related positivity - Pe)؛ أي (الإيجابية المُتعلِّقة بالأخطاء).

وفي حين كانَ الباحثون يتوقَّعون ارتفاعًا في موجاتِ (ERN) و (Pe) فإنَّ مجموعةَ المرضى ممَّن تناولوا الباراسيتامول قبل الاختبار أبدوا موجاتٍ أقلَّ من (Pe) مقارنةً بالمجموعة التي تناولت الدَّواء الوهمي؛ الأمر الّذي يشيرُ إلى أنَّ الباراسيتامول يثبِّط الانتباهَ الواعي للأخطاء.

يقول راندلز: "إذا قلّلَ الباراسيتامول من القدرةِ على التعرُّف إلى الأخطاء؛ فقد يشير ذلك إلى تأثيره على التحكُّم المعرفي في الحياة اليومية".

وإضافةً إلى كونه يقلِّلُ من عمليةِ إدراك الأخطاء؛ اكتشفَ الباحثون أنَّ الباراسيتامول يُسبِّبُ ميلاً أكبر لارتكاب الأخطاء لدى الأشخاص الذين يتناولونه، ممّا جعلَ المرضى الذين تناولوا الباراسيتامول يفقدون عددًا أكبر ممّا هو متوقَّع من المُحفِّزات التي تدفعهم إلى ضغط الزر عند اللزوم في أثناء الاختبار.

ويصرّح راندلز أيضاً أنَّه يخطِّطُ لتوسيع بحثه لأجل معرفةِ ما إذا كان الباراسيتامول يساهم في جعل الأشخاص أكثر تشتُّتًا.

وخلصَ الباحثون إلى أنَّ المَهامَّ المعرفيّة التلقائيَّة كالقراءة والمشي والكلام مع كونها تُعَدُّ عملياتٍ عصبيَّةً مُتقنةً تتطلَّبُ في كثير من الأحيان تحكُّمًا إدراكيًّا (واعيًا) محدودًا، لكنَّ ضعفَ هذا التحكّم قد يكون له تأثيرٌ في الوظيفة العصبيّة.

وقد قال الفريق: "سواءٌ كان الأمرُ تشغيلَ الآلاتِ المعقّدة أم تنسيقَ فريق من الأشخاص أم قيادةَ سيّارة؛ فإنَّ التحكُّمَ الإدراكيَّ الواعيَّ مهمٌّ للاستجابةِ السريعةِ والدقيقةِ للأمورِ اليوميّة".

وإنَّ الدراساتِ الإضافية التي قد تبحثُ في أنواعٍ مختلِفةٍ من المَهامّ؛ وفي ظروفٍ بيئيةٍ صحيّةٍ أفضل؛ ستساعد في التحقُّق من مدى التأثير الحقيقي للباراسيتامول. وقد أشارت بعضُ الأبحاثِ السلوكية الحديثة إلى أنَّ الباراسيتامول قد يثبّط الاستجاباتِ العامّة لدى الناس، وفي عام 2015؛ وجدَ فريقٌ آخر من الباحثين من جامعة أوهايو أنَّ الباراسيتامول يُضعِفُ العواطفَ الإيجابيّة والسلبيّة.

ويقول جيف دورسو -طالب دكتوراه في علم النّفس الاجتماعي، والمؤلِّفُ الرئيسي للدراسة التي أُنجِزت في جامعة أوهايو- أنَّ الأبحاث الأحدثَ التي أجراها العالِم راندلز تُساعدُ على التوسّع في فهم تأثيرات دواء الباراسيتامول على الدّماغ.

وتقدِّمُ هذه الدراساتُ الحديثةُ بعضَ الأدلّة الدامغة على أحد التفسيرات المحتمَلة للألم؛ فالانفعالُ الذي يُحدِثه الباراسيتامول قد يعود جزئيًّا إلى إضعافِه اهتمامَ الفرد بالأرقامِ المهمّة في محيطه.

وهو عملٌ رائعٌ يساعدُ على توضيحِ التأثيرات الحَرِجة للباراسيتامول على الدّماغ والاستجاباتِ النفسيّةِ تجاه بيئتنا الاجتماعيّة على نحوٍ أكثر دقّة.

المصادر:

هنا